يتلاشى قلق الأسر اليوم مع وجود برامج حديثة تتيح لها الراحة والاطمئنان على مستقبل أطفالها من شبح الرياضيات الذي أرقها عقودًا طويلة من الزمن، فلطالما كانت هذه المادة العلمية وحل مسائلها المعقدة مشكلة للأسَر قبل الطلاب الذين عانوا من فهم واستيعاب المعادلات والمسائل في واحدة من أهم مقررات المناهج الدراسية التي يصطدم بها الكثير من الطلاب وتنفّر بعضًا منهم من المدارس وترمي بهم خارج العملية التعليمية برمتها.
مع البرامج الذكية (العبقرة الذهنية)، التي أصبحت متوفرة في السوق اليمني، بات الحل بسيطًا وفي ثوانٍ دونما الحاجة إلى استخدام الآلة الحاسبة، وقد ساعدت هذه البرامج طلابًا يمنيّين في حصد جوائز في مجال الحساب والرياضيات بمسابقات محلية ودولية.
يوضح أحمد هائل، مدرب في مجال العبقرة الذهنية وأحد مؤسسي البرنامج، في حديثه لـ"خيوط"، بأنها مبادرة تبناها مجموعة من الشباب لتعليم الرياضيات والعمليات الحسابية البسيطة والمعقدة للخوض في المنافسات العربية والدولية في مجال الحساب المعتمد على الذهن بوقت قياسي وسريع، مضيفًا أنّ المبادرة تقوم على تعليم الأطفال من سن (7-14) عامًا، عمليات الجمع والطرح والضرب دونما الحاجة إلى استخدام الآلة الحاسبة، للقضاء على عقدة الرياضيات المزمنة.
يشير هائل إلى أنّ برنامج الوعي الذهني يشمل عدة برامج، من ضمنها العبقرة الذهنية – برنامج المبرمج الصغير – برنامج المبدع المستقبلي، موضحًا: "كان اختيارنا الأول؛ كونه يساعد الأطفال على حل العمليات الحسابية، ويخلصهم من عقدة مادة الرياضيات، ويصبح الطالب قادرًا على حل العمليات الحسابية بشكل سلس وسريع".
نقطة الإلهام
جاءت فكرة المشروع بحسب هائل، لتجاوز حالة الضعف الحاصل، وصعوبة تعامل طلاب المدارس مع العمليات الحسابية بشكل سريع مقارنة بطلاب دولٍ أخرى وضع بعضها مشابه لوضع اليمن، الذين يستطيعون استيعاب الحساب ذهنيًّا بشكل سريع.
من هنا، تم إدراك المشكلة والاتجاه إلى تطبيق البرنامج على طلاب المدراس عبر تدريبهم وتعليمهم بواسطة طريقة آلة المعداد، (المعداد يتكون من عدة أعمدة؛ عمود يمثل خانة الآحاد، وعمود يمثل العشرات، وعمود للمئات، وكذلك للألوف، وآحاد الألوف، ...)؛ إذ يتدرب الطالب عليه أولًا بصورة ملموسة، قبل انتقال هذه الصورة إلى الاستيعاب الذهني.
لهذا البرنامج أثر كبير في مساعدة الطفل على التخلص من آثار الحرب والأفكار السلبية التي قد تحبط الطالب وتصيبه بالاكتئاب، وتجعله يصفي ذهنه ويستخدم مخيلته في الأمور الإيجابية التي تعالجه من القلق والتوتر والاضطرابات النفسية.
في السياق، يقول ولي أمر الطالب يونس صالح أحمد، لـ"خيوط": "لاحظت أنّ البرنامج ساعد ابني على حل المسائل الرياضية بمفرده وبسهولة وبشكل سريع، حتى مدرسته لاحظت الفرق، وأصبح أكثر ثقة، وعمد إلى نقل تجربته لزملائه الذين تفاجؤوا حينما رأوه وكيف أصبح يحسب لهم أي رقم بسهولة".
أثرٌ وبطولات دولية
يصف المدرب شكيب هاشم كيف استقبلت المدارس الفكرة حين تم عرضها لأول مرة عبر النزول الميداني ومقابلة مديريها، الذين تفاعلوا مع الفكرة، كون العملية التعليمية الحديثة محدودة جدًّا لدى الطلاب، وأحد أوجهها مادة الرياضيات وفي مختلف المراحل، إذ إنّ الطلاب لا يزالون يعتمدون على الطرق التقليدية في حل مسائل الرياضيات؛ بالأصابع أو بالآلة الحاسبة، وتلك الطرق غير دقيقة؛ لذا حين عرضنا الفكرة قوبلت بالترحيب وأوصلوها لأولياء الأمور.
مديرو المدارس لمسوا فوائد البرنامج، ولا حظوا تغييرًا إيجابيًّا في شخصيات ومهارات الطلاب الذين تعلموا ببرنامج العبقرة الذهنية، إذ تقول أروى الظرافي، مديرة مدرسة خولة بنت الأزور بأمانة العاصمة صنعاء، لـ"خيوط"؛ إنّ البرنامج جاء عن طريق مكتب التربية، والموافقة عليه كانت تجربة مهمة ومفيدة بالنسبة لهذه المدرسة بالنظر إلى ما أحدثه من نقلة جديدة ساهمت في تنمية قدرات الطالبات في المدرسة بشكل عام، حيث ساعد البرنامج على تنمية ثقة الطالبات وقدراتهن الذهنية.
كما يتميز البرنامج بأنه يتيح للطلاب تعلم كيفية التركيز وحل مسألتين في نفس الوقت، ويساعد الطفل على تنمية خياله وسرعة البديهة وتنمية مهارات التفكير، ويجعله يتخلص من مشكلة أو "فوبيا" الرياضيات، بحسب المدرب أحمد هائل.
الإقبال على البرنامج كان كبيرًا، ووصل عدد الطلاب والطالبات الذين تعرفوا عليه إلى نحو 10 آلاف طالب وطالبة، أما الذين تم تأهيلهم وتدريبهم فيقدر عددهم بحوالي 1000 طالب وطالبة في محافظات (صنعاء - الحديدة - إب) في مختلف المستويات، وقاد بعضهم إلى المشاركة في مسابقات دولية وحصد جوائز فيها.
نورية مارش (10 سنوات)، من محافظة تعز، طالبة في الصف الرابع الابتدائي بمدرسة سر الإبداع، والمتدربة لدى برنامج (العبقري الصغير)، شاركت في المسابقة الدولية لعباقرة الحساب الذهني التي نظّمتها جمهورية مصر العربية، وحصدت المركز الثاني في المسابقة التي شارك فيها متسابقون من 15 بلدًا حول العالم، بينها بلدان عربية.
نورية اكتشفت موهبتها عندما أصبحت من المتدربين في برنامج (العبقري الصغير)، حيث عملت على تنمية قدراتها الذهنية، إذ توضح لـ"خيوط"، أنّها تستطيع حل 30 مسألة رياضية متعلقة بالجمع والطرح فقط في الوقت الحالي، خلال دقيقة واحدة.
استطاعت نورية أن تخطف أنظار مدرب الحساب الذهني، أواب الخضر، بذكائها اللافت، ليتم اختيارها لتمثيل اليمن في المسابقة التي يتم فيها حل 100 مسألة، خلال مدة أقصاها 10 دقائق.
يستهدف برنامج العبقري الصغير تنمية قدرات الطالب ذهنيًّا، وجعل الرياضيات لديه بسيطة وسهلة، كما يوضح أواب الخضر- مدرب متخصص في برنامج "العبقري الصغير" في تعز، مضيفًا في حديثه لـ"خيوط"، أنّ البرنامج يسعى إلى جعل الطلاب عباقرة في الرياضيات ويستطيعون المنافسة دوليًّا وحصد المراكز الأولى، منوهًا أنّ البطولة المحلية الثانية هي امتدادٌ للبطولة الأولى.
ويشير إلى أنّ 81 مدرسة حكومية وخاصة، شاركت في البطولة المحلية الثانية للحساب الذهني من مختلف محافظات اليمن، بــ240 طالبًا وطالبة، من أصل 700، في جامعة تعز، بتاريخ 23 يوليو 2023، استعدادًا للمشاركة الدولية التي ستقام في شهر أغسطس وستشارك اليمن بعشرة مقاعد.
تنمية قدرات
يتميز برنامج العبقرة الذهنية باحتوائه على عدة مستويات، حيث يستطيع الطالب تعلم المستوى الأول خلال 8 أيام، ويبدأ بعدها الحسبة الرياضية ذهنيًّا، في حين يصبح الطالب في المستوى الثاني قادرًا على جمع أي رقم ضمن العدد (99).
بينما يحسب الطالب في المستوى الثالث أعدادًا معقدة ضمن (999) بشكل سريع وإعطاء الإجابة في ثوانٍ، ومِن ثَمّ التدرج في المراحل الأخرى، وصولًا إلى المستوى العاشر والأخير؛ وهنا يصبح الطالب قادرًا على القيام بالعمليات الحسابية، يطرح ويجمع ويقسم ويضرب في نفس الوقت أيَّ عدد، حيث يستطيع الطالب خلال مئة يوم، حلَّ أي عملية حسابية.
نورا خالد، أخصائية نفسية، ترى في حديثها لـ"خيوط"، أنّ لهذا البرنامج أثرًا كبيرًا في مساعدة الطفل على التخلص من آثار الحرب والأفكار السلبية التي قد تحبطه وتصيبه بالاكتئاب، وتجعله يصفي ذهنه، ويستخدم مخيلته في الأمور الإيجابية التي تعالجه من القلق والتوتر والاضطرابات النفسية.
تتفق معها آية خالد الإعلامية المتخصصة في قضايا الطفولة؛ إذ تؤكد لـ"خيوط"، أنّ أيّ نشاط ذهني أو علمي أو أي نشاط جديد على الطفل يخلق فيه طاقة حماسية عالية تدفعه إلى تجربته والاجتهاد فيه بقوة.
كما أنّ برامج الذكاء الذهني والعبقري الصغير الخاص بالعمليات الحسابية، بحسب خالد، من أفضل النشاطات الذهنية لتشغيل العقل، وهذا يُبعِد الطفل نفسيًّا عن أجواء التوتر والمشاكل التي قد تكون حوله، إضافة إلى أنها تخلق فيه روح المنافسة مع أصدقائه وتمنحه فرصة لخوض تجربة جديدة تعزز فيه الثقة بالنفس، وتنمي مهاراته أيضًا، وكل هذا جزء من الدعم النفسي الذي يمكن تقديمه للطفل.