من مأرب إلى مكة

دِيْن اليمن القديم وبقاياه في الإسلام
ربيع ردمان
March 15, 2024

من مأرب إلى مكة

دِيْن اليمن القديم وبقاياه في الإسلام
ربيع ردمان
March 15, 2024
.

ربيع ردمان

   اختار مترجما كتاب "من مأرب إلى مكة" عنوانين دالين لما ضمَّه كتابهما من دراسات، فمجيء العنوان الرئيسي بين حرفي الجر يوحي بوجود مسار تحول أو رحلة جرى عبورها بين فضاءين رمزيين اكتسبا قُدسيةً خاصةً في نفوس اليمنيين هما مأرب ومكة، ففي مأرب ظلّ معبدُ "أوام" لقرونٍ طويلةٍ حَرَمَاً للزيارة والحج وتقديم النذور والقرابين للإله "إلمقه" المعبود القومي للسبئيين قبل أن يأخذ اليمنيون في التحول التدريجي «مع أواخر القرن الرابع الميلادي» ("من مأرب إلى مكة"، ص442) من عبادة إلمقه إلى ما يُعتقد أنها عقائد توحيدية. وبعد ظهور الإسلام صارتْ الكعبةُ في مكة وجهةً لهم في الصلاة ومقصداً للحج عندما جنحوا إلى عقيدة التوحيد "الإسلام". غير أن ما يُخَايِلُ به العنوانُ الرئيسي من ظلال رحلةٍ بين الفضاءين سرعان ما ينْزَاح بالتخصيص في العنوان الفرعي، فالكتاب لا يتتبع تحوُّل القوم عن دين مأرب القديم إلى الإسلام، ولا يسعى إلى تقرير أصول الدين من منابعه إلى الومضات الأخيرة، وإنما يتقصَّى ما بقي منه راسخاً في جملةٍ من المعتقدات والممارسات والطقوس المستمرة حتى عصرنا الحاضر.

     صدر الكتاب في أغسطس 2023 عن دار الرافدين – بيروت/ بغداد (500 صفحة) وتضمن مدخلاً وترجمةً لـ "21" مقالة علمية أُلْحقتْ بها مقالة كُتِبَتْ بالعربية. جاء في الغلاف أنه تأليف "فريق من الباحثين"، ويمكننا أن نأخذ كلمة "فريق" على سبيل المجاز لدوران المقالات حول محور محدد، لكن جَمْعها في هذا المجلد مِن عَمَل المترجِمَيْنِ محمد عطبوش وعمر الدعيس اللذيْنِ اختاراها ورتباها على هذا النحو، وهناك مُدَد متفاوتة في نشر أصولها أقدمها تعود إلى عام 1954 وأحدثها عام 2021. من الواضح أن المترجِمَيْن قد اجتهدا في التقصّي عنها وفرزها وجمعها في مجلد من الصعب التوفُّر عليه لشتات أوراقه الأصلية بين كتب ومجلات باللغتين الإنجليزية والألمانية، وقدَّمَا المجلد في ترجمةٍ حازت نصيباً وافراً من الوضوح لخبرتهما بموضوعاتها وما أضافاه من شرح وتعليق وتعقيب على طول الكتاب.

الكتابُ يُقدِّم لنا صورةً نادرةً لجوانب مختلفةٍ من المعتقدات والأفكار والتقاليد والأشكال ذات الطابع الاحتفالي التي ظلت حيّةً تتوارثها الأجيالُ إلى وقتٍ قريب، وليس من المستبعد انحسارها أو اندثارها لاتساع رُقْعَة نشاط الجماعات الدينية في العقود الأخيرة، وكذلك بفعل التغيرات الاجتماعية المعاصرة التي لا شك أنها جَرَفَتْ في طريقها الكثير منها.

الإثنوغرافيا وإعادة قراءة التاريخ

تكشف قراءة الكتاب أن ثمة شاغلاً بارزاً تُفصِح عنه سطور مؤلفِيه وتُضفي عليه طابعاً خاصاً، ولا أقصد بذلك اشتراك مقالاته في استقصاء بقايا الدين القديم، وإنما أعني أن هناك بواعث بحثيةً فَرَضتْ على الدارسين معالجة الموضوع بطريقة قد يبدو فيها الكتابُ وكأنه إعادة قراءة للتاريخ القديم تجري بالاستناد إلى معطيات إثنوغرافية معاصرة. وبعبارةٍ أكثر تفصيلاً، ينتظم معظم مقالاته نوعٌ من التظافر بين مناهج متعددة (لغوية، وأركيولوجية، وإثنوغرافية، وتاريخية) للقيام بمهمتين أساسيتين في آنٍ واحدٍ تقتضي إحداهما الأخرى وتتجاوبان في تناغم: مهمة إثنوغرافية تتمثل في جمع بيانات ميدانية لأنشطة اجتماعية تُمارَس في مناسبات محددة، ومهمة تاريخية تتجلى في توظيف المادة الميدانية العلمية في إضاءة الجوانب الغامضة في الحياة الدينية في اليمن القديم. ففي الجانب الإثنوغرافي يجري رصد وتوثيق دقيق لضروب من المعتقدات والظواهر الاجتماعية كأشكال الزواج وبعض الممارسات الجنسية وكذلك بعض الأنشطة في المناسبات كطقس تقديم أضحية العيد (ص113) وصيد الوعل، وما يُؤدّى من طقوس وشعائر عند زيارة أضرحة الأنبياء والأولياء باعتبارها تقليداً دينياً تؤدّيه الجماعة تجاه رموز دينية راجيةً من وراء ذلك الحصول على المطر والبركة في المحاصيل الزراعية والخصوبة في الذُّرية. وتُظْهِر مقالات الكتاب أن بعض هذه الطقوس كانت تُؤدى كتقليد ديني موروث ضمن طقوس الدين الإسلامي لتلبية الاحتياجات الروحية والمعيشية، وفي مناطق أخرى كانت تُؤَدّى كطقس اجتماعي أو نوع من الفُرْجة في المناسبات (ص 481 – 499). 

    وضمن هذا الإطار الإثنوغرافي، فالكتابُ يُقدِّم لنا صورةً نادرةً لجوانب مختلفةٍ من المعتقدات والأفكار والتقاليد والأشكال ذات الطابع الاحتفالي التي ظلت حيّةً تتوارثها الأجيالُ إلى وقتٍ قريب، وليس من المستبعد انحسارها أو اندثارها لاتساع رُقْعَة نشاط الجماعات الدينية في العقود الأخيرة، وكذلك بفعل التغيرات الاجتماعية المعاصرة التي لا شك أنها جَرَفَتْ في طريقها الكثير منها. ومن هذه الزاوية، فالكتاب يعمل على شَحْذ وعينا الثقافي والإنساني بطريقةٍ مزدوجة وعلى محورين متعامدين: أُفُقياً بما يُقدِّمه من سِجِلٍ طريف لمَشَاهد متعددة من حَيَواتٍ إنسانية غير مُنَمْذَجة وتقاليد اجتماعية مختلفة ذات عهدٍ قريب منا، وعمودياً من ناحية كون بعض هذه المشاهد والتقاليد مجرد تمثيلاتٍ لفضاءات اجتماعية وثقافية من حِقَبٍ وأزمنةٍ سحيقة. 

      وعلى تخوم التاريخ، يَظهر أن الدارسِين لم يقفوا بالإثنوغرافيا عند حدودها المعروفة المتمثلة في توثيق الممارسات والأفعال في حياة الجماعة ودراستها لمعرفة القيم والقواعد الناظمة لسلوك الأفراد داخلها، بل جاء عملهم على نحوٍ أقرب إلى صنيع الباحث الأركيولوجي مع اللُّقَى الأثرية التي لا تتحدد قيمتها عنده فيما تُصْبِح عليه كتحفٍ فنية نادرة، وإنما يهتم بشكل أكبر بما يَرْشَح عنها من معلومات في موقع اكتشافها تُحَدِّد تأريخها وعصرها فيتمكَّن بواسطتها من سَدّ الفجوات الزمنية في عمليات التحقيب التاريخي وإعادة رسم خارطة الحياة في العصور القديمة. وكما أشرنا سابقا، فهناك باعث دفع الدارسين إلى هذا المسلك المزدوج (إثنوغرافي/ تأريخي)، وهو قلة ما نعرفه عن الحياة الدينية في اليمن القديم فهناك غياب تام لنصوص الأدب الديني الميثولوجي، وليس بين أيدينا شيء «يمكن مقارنته بعظمة ملاحم الأدب البابلي أو أساطيره، أو بأساطير النصوص المصرية أو حتى الأوغاريتية» (ص234)، رغم اكتشاف آلاف النقوش اليمنية القديمة لكن معظمها «نقوش نذرية رسمية تشير إلى مجمع الآلهة دون توضيح للروابط فيما بينها» (ص180). ولذلك، ارتأى بعض الدارسين التحول إلى الدراسة الميدانية لمجتمعات جنوب الجزيرة العربية على اعتبار أنها مجتمعات بِكْر لا تزال تتمتع بأصالةٍ فريدة، فهي لم تشهد «بعدُ أيّ تغيير اجتماعي كبير» (ص251)، خاصة مناطق شرق اليمن وحضرموت وتهامة التي يُعتقد أنها تمثل الجزء الأقدم في اليمن ويمكن تتبع العديد من السمات القديمة في ممارسات مجتمعاتها (ص179).  

     حين أخذ الدارسون الغربيون في العمل الميداني وجدوا أن المادة التي بين أيديهم من معتقدات وطقوس وشعائر تُمَارَس ظاهرياً بوصفها طقوساً إسلاميةً، لكنها في العمق تضمُّ مَزيجاً غير متجانس يقْطَعُ مع ظاهرها لغرابة بعض مُكوِّناته. وبالنظر إلى ما يحمله هذا المُكَوِّن الغريبُ من مضامين وثنية تُرَجِّح بشكلٍ قاطع أنه ترسبات عتيقة، فقد مثَّلَ بالنسبة لهم اكتشافاً مُهمّاً كما لو كان حَجَرَ الفلاسفة التي يبحثون عنها، إذ وجدوا أن هذه المادة المكتشفة قد تُشكِّل مفاتيحَ كاشفةً في حَلّ الإشارات الواردة في المرويات الإسلامية واستنطاق ما تضمَّنته النقوش والألواح اليمنية القديمة من عبارات ورموز وأيقونات غامضة للكشف عن محمولاتها الميثولوجية. ولأن ما دوَّنَتْه نقوشُ القوم جاء مُقتصِداً وبعبارات مسكوكة، فمن الطبيعي أن تغدو المادةُ الإثنوغرافيةُ – من حيث كونها تجسيداً حياً ومستمراً لما ظلَّ راسِبَاً في المِخْيَال الثقافي من الدين القديم – أداةَ أكثرَ فاعليةً في سياق محاولات الدارسين المعاصرين لإعادة ترميم مرآة الدين العربي القديم واكتشاف دلالات ما بقي من شظاياها وكِسَرها.

تحتشد المقالة بالتفاصيل والنقاش والإحالات المرجعية في تدعيم أو ترجيح أو رفض الآراء والمقولات التي يستعرضها في ثنايا سرده للزيارة، ومن ثم جاءت آراء سيرجنت واستنتاجاته متشابكةً مع تفاصيل الزيارة بطريقةٍ لا يَجْنَحُ فيها إلى القَطْع إلا عندما تتظافر الأدلة والغالب عليها الترجيح أو إثارة الشكوك.

زيارة الأضرحة تضرعاً لآلهة المطر

      حظيت مقالات روبرت سيرجنت بنصيب كبير في هذا الكتاب، إذ تُرجمتْ له سبع مقالات، وأولها مقالته الطويلة (60 صفحة) "هود وأنبياء حضرموت قبل الإسلام" (1954)، ومقالة "تقديس الأولياء في جنوب غرب الجزيرة العربية" (1964). في الأولى يُسجّل وقائع عدة زيارات لقبور أنبياء حضرموت (هود، ودانيال بن هود، وصالح، ومَوْلَى مَطَر، وحَنْظَلَة بن صفوان) في أواخر أربعينيات القرن العشرين. خَصَصَّ الجزء الأكبر منها لزيارته قبر النبي هود ضمن مجاميع الزائرين المتعبدين وقدَّم وصفاً دقيقاً لكل ما يحيط بالزيارة: ميقاتها والجهات التي تنظمها وتشرف على شؤون الضريح، كما وصف مسار الزيارة وتراتُبِيَّة تشكيل صفوف الزائرين وما يُردّدونه من ابتهالات شعرية ويُؤدونه من طقوس وشعائر سواء أثناء السير كرفع القُبَع أو عند القبر كالطواف والتضحية والتماس بركة صاحبه. لا يكتفي الكاتب بتوثيق مسار الزيارة ومشاهداته، فكثيراً ما يتوقّف عند بعض الأشكال والطقوس والأسماء والشخصيات التاريخية والمواقع محاولاً تفسيرها واستقصاء منابعها وأبعادها التاريخية عبر استشارة المصادر. 

     ولذلك تحتشد المقالة بالتفاصيل والنقاش والإحالات المرجعية في تدعيم أو ترجيح أو رفض الآراء والمقولات التي يستعرضها في ثنايا سرده للزيارة، ومن ثم جاءت آراء سيرجنت واستنتاجاته متشابكةً مع تفاصيل الزيارة بطريقةٍ لا يَجْنَحُ فيها إلى القَطْع إلا عندما تتظافر الأدلة والغالب عليها الترجيح أو إثارة الشكوك، على اعتبار أنها «آراءٌ قابلة للتعديل» (ص251). ولعل أبرز ما يستنتجه سيرجنت أن الغاية التي ينْشُدها هؤلاء الزوار هي الحصول على "الرحمة" – والرحمة في لهجة حضرموت تعني المطر. وتتبدى هذه الغاية في مضامين ابتهالاتهم الشعرية التي تُصرّح بسبب الزيارة وتُفْصِح عن تطلعاتهم إلى ما سيعقبها من سقوط المطر ومشاهدة تدفق مياه الوادي. ولتدعيم هذا الاستنتاج، يُلفت سيرجنت انتباهنا إلى طبيعة المواقع التي أُقِيْمَتْ فيها قبور هؤلاء الأنبياء والأولياء فمعظمها تقع إما في صَدْع الجبل الذي تفيض منه مياه الأمطار على الوادي كقبر هود أو في قيعان الأودية التي تروي المزارع. فهذه الزيارات لأضرحة الأنبياء والأولياء وما يجري فيها من طقوس ذاتُ تعلُّقٍ شديد بطلب المطر وخصوبة الأرض، وهناك قرائن إضافية تعزز قوة هذا الافتراض منها الاسم الذي اختص به أحد أولياء حضرموت: "مَوْلَى مَطَر"، أي "وَلِيّ المَطَر" (ص154)، وأعتقد أنه ليس من المستبعد أن يكون المقصود بالاسم "إله المطر" والعربية لا تحتمل هذا المعنى فحسب بل ورد بمعنى "الرب" في أكثر نصوصها قُدسيةً في آية (نعم المَوْلَى ونعم النصير)[الأنفال، 40]، والوَلِيّ في اليمن، كما يذهب سيرجنت، «يَحِلُّ عموما مَحَلّ إله القبيلة القديم» (ص124).

     يعتقد سيرجنت أن سُنَّة الزيارات وبعض شعائرها ليست وليدة الإسلام بل تعود إلى الديانة اليمنية القديمة التي تولَّدتْ في إطار حضارةٍ كانتْ الزراعةُ المُعْتَمِدةُ على مياه الأمطار أَحَدَ أهم محاور نشاطها واقتصادها، ومن المحتم أن ينعكس هذا المَنْشَط على حراكها السياسي والاجتماعي وتمثيلاتها الدينية والثقافية. وأما ما تذكره المصادرُ الحضرمية من أن قبور هؤلاء الأنبياء كانت غير معروفة وأنّ شخصياتٍ مثل أحمد بن عيسى المُهَاجر جَدّ سَادَة حضرموت هي من أعادتْ اكتشاف هذه القبور وشيّدتْ الأضرحة وسنَّتْ الزيارة في العصور الإسلامية الوسيطة، فَيَسْتَبْعِدُه سيرجنت ويعْتَبِر المُهاجِر شخصيةً أسطورية وقصته مجرد سرديَّةٍ مُلفَّقة جرتْ صياغتُها مِن قِبَل طبقة السَّادة في إطار صراعهم مع' العائلات التي كانت تتوارث الإشراف على هذه الأضرحة لتسويغ أحقيتهم في انتزاعها والاستحواذ على ما تتيحه لصاحبها من سلطةٍ روحيةٍ ومادية (ص40 – 41، 87). يعتمد سيرجنت في دَحْض قصة المُهاجر على المصادر الإسلامية المبكرة ككتاب "المُحَبَّر" لابن حبيب (متوفى 245ه) فيما تتضمنه إحدى فقراته من وصفٍ لأسواق العرب في الجاهلية وتحديد موعد سوق حضرموت وموضعه «في منتصف شعبان تحت ظل الجبل الذي عليه قبر هود النبي عليه السلام» (ص35). وفي الفترة الزمنية ذاتها التي يزعمون وصول المُهَاجر إلى حضرموت واكتشافه القبر كان الهَمْداني (متوفى 345ه) يُدَوِّن في كتابه "صفة جزيرة العرب" وصفَ الطريق إلى قبر النبي هود وموقعه في حضرموت ثم يضيف أن «أهل حضرموت يزورونه هم وأهل مَهْرَة في كلّ وقتٍ» (ص38). 

    لم يكن قبر هود دارِسَاً بل معروفاً ويُزار منذ القرن الثاني الهجري حسبما يستنتج سيرجنت في تحليله للمصادر. صحيح أن الأبنية والمساجد التي شُيِّدتْ عند هذه القبور تعود إلى الحقبة الإسلامية وبعضها بُنيتْ في القرون الأخيرة، لكن وجود القبور وزيارتها وبعض شعائر الزيارة تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، ويستند سيرجنت في دعواه إلى ما تتضمنه الطقوس والشعائر من عناصرٍ وأشكالٍ وثنية (ص47، 75)، وكذلك طريقة بناء الأضرحة على الشكل الذي عُرْفتْ به المعابد اليمنية القديمة، بالإضافة إلى وجود آثار وكتابات حميرية كتلك التي شاهدها سيرجنت عند قبر هود، مما يُظهر «أن هذا المكان كان يحتضن زيارةً من نوعٍ ما في عصور ما قبل الإسلام» (ص81).

وتبدأ المراسم بعد ظهر اليوم الأول حين يشرع رجال من طبقة السادة بقراءة القرآن في فناء القبر ويأخذ الزوار الداخلون من الغرب بالطواف عكس عقارب الساعة حول القبر للوصول إلى مدخله المواجه للشرق حيث يقف ببابه رجلٌ يُمرِّر للزوار حفنات من تراب القبر.

مَرَاسِم الزَّواج الأُمُومي

ويتبدى هذا البعد القديم في زيارة القبور وأداء الطقوس والشعائر في مقالات "ملاحظات على زيارة وَلَيّ تهامي" (1995) لفرانسين ستون، و"مشاهدات عند زيارة الولي الشَّمْسِي الأهدل" (1985) لستون أيضا، و"طقوس من عصور ما قبل الإسلام في جنوب الجزيرة العربية" (1987) لفيرنِر دوم. والأخيرتان ترصدان زيارة الولي الشَّمْسِي في دَيْر الخِدَامَة على بُعد أربعة كيلو مترات من باجل الواقعة على الطريق بين الحديدة وصنعاء. يبدو لي أن تقديم تلخيص لطقوس الشَّمْسِي وقصته الأسطورية سيكون مهماً هنا لرؤية، ما يدعوه دوم، «البنية الأصلية لدِين ما قبل الإسلام» (ص180)، وكذلك للكشف عن مدى أهميتها في إعادة قراءة النقوش وإثراء معرفتنا بالجانب الميثولوجي في اليمن القديم. 

      يصف دوم طقوس الزيارة بأنها غريبة للغاية رغم ما يُضْفَى عليها من مظاهر الدين الإسلامي. وتذكر ستون أن الزيارة تستمر يومين فتُنْصَب فوق القبر مظلة متعددة الألوان يسمونها "مَحْمَل"، وتبدأ المراسم بعد ظهر اليوم الأول حين يشرع رجال من طبقة السادة بقراءة القرآن في فناء القبر ويأخذ الزوار الداخلون من الغرب بالطواف عكس عقارب الساعة حول القبر للوصول إلى مدخله المواجه للشرق حيث يقف ببابه رجلٌ يُمرِّر للزوار حفنات من تراب القبر. وعند الغروب يُقرأ المولد النبوي، وبعد ذلك يجري تحضير عمودين من خشب غير مصقول أحدهما بطول سبعة أمتار والآخر أطول منه ويتم غسلهما بالماء ويُطْليانِ بمزيجٍ من الحِنّاء والعطور ثم يُدْهَنَان بعد ذلك بالسَّمن المُصَفّى ويُصقلان بقطعة قماش ناعمة لتلميعهما ثم يُبَخّران. بعد ذلك تُلَفُّ على رأس كلّ عمود خِرَقٌ ليغدو على شكل بيضة أو عمامة ثم يُنْصَب كلُّ عمود على قاعدة حديدية وتُثَّبتْ على عمامة كل عمود حديدةٌ بالحِبَال على شكل قرني ثور أو الهلال. وتُفيد ستون بوجود فِرقة طبَّالين تصاحب الاحتفال منذ النهار ورجال يتحلَّقون في دوائر يرقصون بخناجر يطعنون بها مواضع في أجسادهم، وتبلغ حِدَّة الإيقاع وحماسة الراقصين ذروتهما بعد نصْب العمودين وقيام الأطفال بتسلق العمودين بالأحبال والانزلاق عليهما وتكرار هذه اللعبة التي يُعتقد أنها تَضْمَن رزقاً بالذُّرّيّة، فإذا لَعِبَ الأطفالُ بحماسةٍ فسوف تزداد نسبة المواليد في العام القادم (ص183). 

     قدّم قَيّم الضريح وشيخ المنطقة وحاشيته روايتين لتفسير طقوس الزيارة فهم يقصدون باحتفالهم إحياء العمل البُطولي للوَلِي الشَّمْسِي بتخليص القرية من طغيان شيطان عظيم يستوطن الجبال (الرواية 2: يسكن في بئر) كان يفْرِض على الأهالي في كلِّ عام أن يمنحوه فتاةً عذراء، وفي رأس السنة الزراعية يكْسون الفتاة بثياب عروس ثم تُحْمَل على هودج ويرسلونه بعد الغروب إلى الجبل فيستلمها الشيطان ثم يقتلها (الرواية 2: يأخذها معه أسفل البئر). حين نزل الشَّمْسِي بالقرية كجارٍ جديد قادم من الغرب ورأى معاناة الأهالي ذَهَبَ في اليوم الموعود خلف الفتاة وصارع الشيطان وقطع رأسه بسيفه (الرواية 2: طعنه بحربته) ورُميتْ جثته بعيدا، وعاش الشَّمْسِي بقية حياته في القرية كجارٍ عزيز، ولذلك يحتفلون بذكرى هذا اليوم الذي وقعت فيه الحادثة وفي موضع مقتل الشيطان، ويذبحون الذبائح لإكرام ضيوفهم.

     حين تأمّل دوم القصة لاحظ أنها تلتقي مع العديد من الحكايات الخرافية التي سجَّلها في كتابه "حكايات من اليمن"، فمكونات قصة الشَّمْسِي نمطٌ أو ثيمة تتكرر في الحكايات ذات ارتباط بالمياه والخصوبة. ويتمثل هذا النمط في وجود شيطان تُقدَّم له عروس كلَّ عام لضمان الحصول على مياه الوادي، وإذا لم تقدم فسوف يحبس المياه، ثم يأتي شابٌ نوراني فيقتل الشيطان ويؤمِّن تدفق المياه، ثم يتزوج بالفتاة التي تكون في الغالب ابنة الحَاكم وبعد موت الأخير يتوارث الشاب ونسله الحُكم. ومع أن رواة القصة نفوا أن الشَّمْسِي تزوّج بالفتاة، غير أن مشهد الاحتفال بالعمودين – كما يقول دوم – ليس سوى تمثيل رمزي لزواج الشَّمْسِي بالفتاة فالعمود الأطول الشَّمْسِي والأقصر الفتاة، وما يسبق عملية نصبهما من غَسْل وحِنّاء وزينة هو عملياً ما يحدث في الأعراس اليمنية حاليا فهناك يوم للغسل ويوم للحناء ثم الوليمة. فطقوس الشَّمْسِي هي تمثيل لأحد أشكال الزواج الأُمُومي الذي يقوم على استقرار الزوج في موطن زوجته، ويكون الغرض من وليمة الزواج هذه «خصوبة الأرض (من خلال المياه المُحَرَّرة) وخصوبة الذُّرية (من خلال تسلق الأطفال للعمودين)» (ص185). من الواضح أن هذا طقس وثني يعود إلى عصور ما قبل الإسلام، ونسبته إلى تلك الفترة تؤكدها إشارةُ أوردها الأزرقي (متوفى 250ه) في كتابه "أخبار مكة" عن وجود خشبتين كانتا ضمن كنيسة أبرهة في صنعاء إحداهما يُقال لها كُعيب والأخرى امرأة كُعيب كانوا يتبركون بهما في الجاهلية. وباستناد دوم إلى ملاحظة بيستون أن نظام الزواج الأُمُومي «كان شائعاً – إن لم يكن الأصلَ – في المجتمع السَّبئي» (ص189)، فإن طقس الشَّمْسِي يغدو تمثيلاً نادراً ومستمراً من الحِقْبة السبئية.

    وبناء على هذا المعطيات، يعْمَد دوم إلى تأثيل هذه الأسطورة لتخمين شكلها الأصلي اعتماداً على بعض الإشارات الواردة في النقوش القديمة والسياق التاريخي المعروف لدينا عن الحِقْبَة السبئية. إن طقوس الشَّمْسِي وإشارة الأزرقي ترجحان أن الأسطورة كانت شائعةً في غير مكان ثم اندثرتْ في مناطق المرتفعات (صنعاء) وبقيتْ في تهامة، ولا بد أن لها أصلاً قديماً عبَّرتْ عنه النقوش أو أَلْمحتْ إليه. ويعتقد دوم أن تلك الإشارة هي عبارة "ذات/ حميم/ عثتر/ يجر"، وقد وردت العبارة في نقش سبئي ونقشين قتبانيين (ص310)، وكانت مثار اختلاف بين الباحثين لصعوبة تحديد معنى الفعل فيها بسبب عدم معرفة طبيعة العلاقة بين الإلهة "ذات حميم" (الشمس) والإله "عثتر". ويُرجّح دوم أن الترجمة الأنسب لها بعد أن عرفنا أسطورة الشَّمْسِي هي: "ذات حميم (الشمس) التي يَدْخُلُ بِها عثتر".

    وعلى ضوء هذه الخطوة واستناداً إلى ما صار معروفاً عن الآلهة اليمنية القديمة خاصة الثالوث السَّبئي الشهير: "إلمقه" ("إل")، و"عثتر"، و"ذات حميم" (الشمس)، يُجْري دوم موازاةً أو مطابقةً بين هذه الآلهة السبئية والشخصيات الثلاث في أسطورة دير الخِدَامَة [الشيطان، والشَّمْسِي، والعروس]، فيغدو "إل" نظيراً للشيطان، و"عثتر" نظيراً للشَّمْسِي، و"ذات حميم" (شمس) نظيرةً للعروس. وبذلك يكون الشكل الأصلي للأسطورة – وفق تخمين دوم – على النحو التالي: «يحبس "إل" [إله المياه الغزيرة] المياه إذا لم تُقَدَّم له عروس، فيأتي "عثتر" من مكان بعيد (من الشرق)، ويقوم بقتل "إل" ويتزوج "شمس" زواجاً أُمُومِيَّاً باستقراره في موطن أهلها» (ص188).

كُتبت مقالات هذا الكتاب في عقود متباعدة وبأقلام مؤلفين تباعدت جنسياتهم وثقافتهم، وما يجمع بين هذين التباعدين هو الاهتمام باليمن والاشتغال على تاريخها الثقافي، والظاهر أن هذا الخيط لم يكن الحافز الأساسي للمترجمَين لضمها في هذا الكتاب

بقايا من الماضي

كُتبت مقالات هذا الكتاب في عقود متباعدة وبأقلام مؤلفين تباعدت جنسياتهم وثقافتهم، وما يجمع بين هذين التباعدين هو الاهتمام باليمن والاشتغال على تاريخها الثقافي، والظاهر أن هذا الخيط لم يكن الحافز الأساسي للمترجمَين لضمها في هذا الكتاب. أظن أنه بوسع أي قارئ ملاحظة شبكتين من العلاقات بين محتويات الكتاب: خارجية أو سطحية محورها عنوان الكتاب، وأخرى عميقة محورها تلاقح الأفكار وتطويرها بين مقالةٍ وأخرى واستلهام النماذج والسعي إلى اختبارها في نصوص أخرى. يظهر سيرجنت كقُطب مهم في هذه البنية العميقة فيما يقوم به من تطوير لأفكاره وتعديل لآرائه بين دراسةٍ وأخرى وكذلك إحالة الدارسين إلى أعماله والاتكاء على بعض أفكاره وتطويرها على نحو ما يظهر في العديد من مقالات الكتاب كمقالة روديونوف "احتفال صيد الوعل في حضرموت اليوم" (1994) أو مقالتي ستون ودوم المذكورتين سابقاً. وفي السياق ذاته يُشيد دانيال ماسيتيلي في مقالته "زواج الهدهاد والحرورى: لمحات من الوثنية في الجزيرة العربية" (2018) بأهمية نموذج دوم في تحليل أسطورة الشَّمْسِي، ويعترف أنه حين قرأ في المصادر الإسلامية قصة زواج الهدهاد بالجِنّية "الحرورى" والدة الملكة بلقيس اعتبرها مجرد قصة خرافية عن الأصول الخارقة لبلقيس، وبعد قراءة تحليل دوم تبيَّن له أن القصة تحمل معنى أعمق تَتَصَادَى فيه وتتشابك رؤى الدين القديم وسياقات ذات صلة بالبيئة والاقتصاد (ص236).

     وتتمثل الشبكة الخارجية في التجاور الواضح بين كلمتي "دين" و"بقايا" في عنوان الكتاب، فاستمرارية الدين أو بقايا الماضي لا تقتصر على المعتقدات والطقوس بل تمتد لتشمل الجوانب المادية المرتبطة بالدين أو بشؤون الحياة عامة. ويتبدى هذا الاهتمام بالبقايا المادية في مقالتي فينستر "المساجد اليمنية المكعبة" (1991) ويونج "القطع الأثرية المعاد استعمالها في المساجد اليمنية" (2021). تعتقد فينستر أن البناء المكعب شكل مستوحى من المعابد اليمنية القديمة وتذهب إلى أن صَفّ الأعمدة في المساجد المكعبة القديمة في عدد من المناطق تجعلنا نفترض أنها إما كانت نُصَبَا ثم استخدمت في بناء المساجد أو أن الأخيرة كانت معابد وجرى تكييفها لتغدو مساجد في المرحلة المبكرة من الإسلام. أما يونج فيستعرض ما احتوته بعض المساجد الشهيرة من مكونات وموتيفات قديمة كإعادة استخدام الأعمدة والتيجان المزخرفة والأحجار المنقوشة، كالأعمدة السابقة على الإسلام في مسجد سليمان في مأرب (ص387). ومن بقايا الماضي المفردات المستخدمة في مختلف شؤون الحياة اليمنية المعاصرة، وهذا ما يتعرض له فالتر مولر في مقالته "بقايا معجمية سبئية" (ص 323 – 349). 

     لا ريب أننا مدينون للمترجمَين بضم هذه المجموعة من المقالات المهمة بتلاحمها وتشابكها المفيد، وبدوري أتراجع عن اعتراضي في بداية المقال على كلمة "فريق"، فمؤلفوها بالفعل بمنزلة فريق وإنْ باعدتْ السنوات والمسافات بينهم. إن كل مقالة في هذا الكتاب جديرة بالتوقف عندها، ولكن ليس بوسع مقال الوفاء بذلك، والغاية هي إظهار مشاغل الكتاب المعرفية وعرض الخطوط العامة التي تبرز عنوانه وأهم محاوره.

بدتْ مواضع في الكتاب مفتقرةً إلى حدٍ ما إلى التحرير، والأمر لا يقتصر على ما تفلَّتَ من أخطاء طباعية ولغوية، لكن الأكثر أهميةً ما يدخل في دائرة التلقي، أي تأدية النَّص على نحو يُجنّبه سوء الفهم وإرباك القارئ في الوصول إلى مقاصد المؤلف.

كلمة أخيرة عن الكتاب

    أخيرا، أرجو لهذا الكتاب أن يكون موضع عناية الباحثين والمهتمين ليس فقط من باب تشجيع مبادرة الشباب في الترجمة بل أيضا لما اشتملتْ عليه ترجمتهما من قِيَمٍ تُبرز خصوصية سياقها، وأولها أنها تسُدُّ نقصاً في ميادين لا تزال مُسيّجةً بمحاذير لطبيعة موضوعاتها وما تثيره من مواقف تُحْجِم معها المؤسسات والباحثون (والمترجمون أيضا) عن الاقتراب منها. والثانية تتعلق بالمؤلفِين الذين ازدانتْ بأبحاثهم خاصةً سيرجنت ومولر ودوم، فهؤلاء (إضافة إلى بيستون) كان لهم دور محوري في إقامة صرح الدراسات اليمنية عبر مئات الأوراق البحثية (ببليوجرافيا بيستون وَحْدها تضم 325 مادة علمية ما بين بحث ومَدخَل ومُراجعة)، وللأسف ظلت أبحاثهم حتى اليوم حبيسةَ لغاتها الأصلية. والثالثة اضطلاعهما كيمنيَين بالترجمة، فما تُرْجِمَ عن اليمن بأقلام عربية كثيراً ما كان يأتي محمّلاً بالأغلاط في أسماء الأعلام والمواقع وسوء الفهم للمحتوى الخاص بثقافة البلد. وقد تنزّهتْ هذه الترجمة عن هذه الأغلاط وزُوِّدتْ بحشد مهم من شروح وتعليقات موضِّحة تكشف عن مدى حرص المترجِمَين وإلمامهما بعوالم ما رَاْدَتْهُ مقالاتُ الكتاب. 

     ومع ذلك، فقد بدتْ مواضع في الكتاب مفتقرةً إلى حدٍ ما إلى التحرير، والأمر لا يقتصر على ما تفلَّتَ من أخطاء طباعية ولغوية، لكن الأكثر أهميةً ما يدخل في دائرة التلقي، أي تأدية النَّص على نحو يُجنّبه سوء الفهم وإرباك القارئ في الوصول إلى مقاصد المؤلف، فهناك جُمَل وعبارات تُجْهِد القارئ عند قراءتها (للاقتصاد الشديد في ترجمتها، وتجاوز المترجم لعلامات الترقيم في النص الأصلي)، وأُخَر – وهي "نادرة جداً" – يتعذَّر استيعابُها إلا بالعودة إلى أصل المقالة. وحتى لا يكون الكلام كمَن يلوّح بيده في الهواء، ولكي أُلْفِتُ عناية المترجِمَيْن الكريمين، فسأورد بعض ما عَرَضَ لي أثناء القراءة مما كان يشوِّش قراءة ذخيرة الكتاب المعرفية ومتابعة نفاذ بصيرة مُؤَلِّفِيه في العرض والتحليل. وإذ أُورد نماذج للأولى ونموذجاً جامِعاً للثانية فبترشيد اعتقاد شديد بأنه حتى الأعمال الكبيرة من الصعب أن تنجو من الأخطاء، وهذا الكتاب – بما تُمثِّله ترجمتُه من روح المغامرة في بلادٍ تتكالب عليها مقامرات السَّاسة الكارثية ويتراجع فيها الحراك الثقافي إلى حد النُّدرة – يندرج ضمن هذا الضرب من الأعمال.

  • "رائجا في خلالها" ص7: رائجاً خلالها.
  • "شاعرات العرب" ص113: شواعر. 
  • "وطالبو المتعة" ص171: الفُرْجَة.
  • "ثُبتت الشوكة في الخِرَق" ص173: فوق أو على (وفي مواضع ترد بعض حروف الجر في غير محلها كأن يرد الحرف "مِن" محل "عَن" أو العكس).
  • "قبائل القَحْرى" ص180، 183: القُحْرَى بضم القاف كما ترد في المصادر، ولهجيا تُعرف بالقُحْرَة.
  • ""عاد غير مستغرب" ص191، "عاد لا يكون لدي" ص216: لم يعد غير مستغرب، لم يعد لدي.
  • بلدة عدن القديم" ص203: القديمة.
  • "إحدى الناقات" ص208: النوق أو النياق.
  • "المتوفي" ص217: المتوفى.
  • "يمضي جمادى ويأتي بعده رجب" ص232: تمضي جُمَادَى ويأتي بعدها رجبٌ. لعلها في الأصول المخطوطة على ما أثبتناه وهو الصحيح؛ لأن شَهْرَيْ جُمَادى الأولى والآخرة مؤنثان وبقية الشهور مُذكّرة، والوزن يستقيم في كلتا الصيغتين. (وفي القصيدة أيضا ثلاثة مواضع أخرى تحتاج إلى إصلاح). 
  • "خرج إلى المياد إلى إصهار" ص233: خرج إلى الميعاد إلى أصهاره.
  • "يدخُلُ فيها عثتر" ص317، و"يدخل عندها عثتر" ص188: يدْخُلُ بِها (أو عليها) عثتر. يقصد المؤلفان بالعبارة الفعلَ الجنسي لزواج مقدس بين إله وإلهة، وحرف الجر "في" والظرف "عند" لا يؤديان هذا المعنى.
  • "في محافظة وصاب" ص379: منطقة وصاب. كلمة province الواردة في عنوان مقالة فينستر تعني مقاطعة أو إقليم والمستخدم عربياً مُحَافَظة، ووصاب مديريتان تابعتان لمحافظة ذمار، فالأنسب هو "منطقة وصاب".

"يحدث ذلك في ليلة البدر في الربيع، وتنزاح الأسطورة بالكامل في مرحلة لاحقة إلى بدر الاعتدال الخريفي، والتركيز يكون أكبر على ضمان مياه المطر، فيتحوّل البطل الشاب (القادم من الغرب) مُتخذاً سمات الفتاة (يصبح هو الشمس)، في حين تصير هي شريكة مُحارِبة حقيقية – في واقع الأمر عثتر أنثى – ويظل الزوج الأمومي على حاله". ص188: 

"حدث ذلك في ليلةٍ من ليالي الربيع حين كان القمر بدراً. وفي مرحلةٍ لاحقةٍ تنزاح مُجْمَل مكونات الأسطورة فَتَحِلُّ ليلة بلوغ القمر طور البدر في منتصف الخريف، ويصير الاهتمام منصبَّا على تأمين هطول الأمطار، كما يكتسب البطل الشاب (الذي يَقْدِم هذه المرة من الغرب) شيئاً من خصائص الفتاة (يصبح اسمه الشَّمْسـ[ـيّ])، وتغدو الفتاة شريكاً فاعلاً في ميدان الصراع كما لو أنَّها "عثتر" في صُورة أُنثى. أما الزَّواج الأمومي فيبقى على حاله دونما تغيير".

•••
ربيع ردمان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English