في كل مرّة يضطر فيها للسفر من صنعاء إلى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت (شرقي اليمن)، يلجأ ناصر أحمد (45 سنة)، لاصطحاب زوجته في رحلة هي بالتأكيد شاقة ومحفوفة بالمخاطر، لكنها بالنظر إلى الأعراف المجتمعية المتوارثة تبدو أكثر أمانًا.
قطعت الحرب ممرات اليمنيين بين المحافظات، وباعدت النزاعات المسلحة بين أسفارهم، فالطريق الذي كان ناصر يسلكه من صنعاء إلى محافظة مأرب في غضون ساعتين فقط، سيحتاج اليوم لأكثر من 12 ساعة انطلاقًا من صنعاء - باتجاه ذمار جنوبًا ثم البيضاء شرقًا، والانحدار منها غربًا باتجاه مأرب، ليكمل رحلته فيما بعد شرقًا باتجاه سيئون.
يخشى ناصر -وفق حديثه لـ"خيوط"- من اعتقاله من أحد طرفي الصراع التي تتعدد سيطرتهم على المناطق على طول خط هذا السير، بشبهة الانخراط في صفوف جبهة أي من الطرفين، وفقًا لقصص عديدة مشابهة، ولذلك يعتقد ناصر أنّ اصطحاب زوجته يبعده عن هذه الشبهة كلما أجبره التنقل للعمل إلى سيئون، ويقيه الكثير من العراقيل والاستجوابات في عشرات النقاط المنتشرة بطول الطريق المستحدث، والممتد لنحو 700 كيلو متر (صنعاء - ذمار - البيضاء - مأرب)، مقابل 137 كيلو مترًا هي المسافة التي كان يقطعها ناصر في الطريق الأصلي بين صنعاء ومأرب قبل الحرب.
من جانبه، يؤكد أحد المواطنين أن التنقل من صنعاء إلى مأرب لزيارة أقاربه هناك يتطلب القيام برحلة شاقة ومضنية على الطرق الوعرة البديلة والخطيرة، والتي يتطلب اجتيازها أكثر من 10 ساعات بعد أن كانت لا تتجاوز أكثر من ساعتين.
عبر الطريق البديل لـ(صنعاء – الفرضة - مارب)، يتجرع المسافرون المغادرون إما للعلاج أو التعليم، مشاقًّا ومتاعبَ كثيرة منذ تفاقم النزاع في اليمن عام 2015، آملين أن يشمل اتفاق الهدنة المعلن مطلع أبريل/ نيسان 2022، فتح هذا الطريق واختصار رحلاتهم الشاقة من 20 ساعة إلى 120 دقيقة
ويعاني كثير من المواطنين من تسبُّب الحرب وقطع الطرق في حرمانهم من زيارة أقاربهم في المناطق والمحافظات الأكثر تأثرًا بالحرب والتي يتقاسم السيطرة عليها طرفا الصراع؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا، وأنصار الله (الحوثيين).
كوارث الطريق البديل
يضطر سائقو سيارات النقل والمركبات العامة، العابرون في الطريق البديل لطريق (صنعاء - فرضة نهم - مأرب) لحمل صفائح مشتقات نفطية، كمخزون وقود إضافي على متن سياراتهم، مخافة نفاد الوقود بسبب طول الطريق وانعدام وجود محطات تعبئة على طول الطريق المستحدث.
الإجراء الاحترازي هذا زاد من معدّل الخطر على حياتهم عند وقوع حوادث مرورية، وفقًا للناشط الاجتماعي، طعيمان جعبل طعيمان، الذي يروي لـ"خيوط"، وقوع حادث صدام مروع يوم الإثنين 23 أيار/ مايو 2022، ما بين محافظتي الجوف - مأرب، بين سيارتي نقل خفيف، أسفر عن وفاة سائقي السيارتين، وإصابة 3 آخرين إصابات بليغة، واحتراق السيارتين.
"الكارثة تفاقمت بوجود بترول في صندوق كل سيارة، أثناء الحادث انفجرت صفائح البنزين واشتعلت النيران بكثافة في السيارتين وفي السائقين المتوفَّين"؛ لذلك ينصح الباحث الاجتماعي طعيمان -وهو من أبناء المنطقة- "بتوخي الحذر وعدم السرعة".
ويرى طعيمان أن الضرورة تقتضي التخفيف من معاناة اليمنيين في مثل هذه المناطق التي يقتضي الوصول إليها استخدامَ طرق بديلة وعرة وساعات مضاعفة منهكة للغاية.
لا تقتصر معاناة المسافرين على طول الطريق ووعورته وكثرة نقاط التفتيش ومخاوف الاحتجاز، فانعدام الحماية الأمنية الكافية للطريق يجعل من المسافرين عرضة لقطّاع الطرق، حسب طعيمان، الذي يؤكد لـ"خيوط"، وقوع حالات نهب أموال مسافرين، "وفي بعض الأحيان قتل المسافر".
في السياق، لا توجد إحصائيات دقيقة بعدد سيارات النقل الخفيف المقدر مرورها عبر الطريق المأساوي البديل، إلّا أنّ مصادر محلية وقبلية في مأرب تصف حجم حركة سيارات النقل الخفيف بأنها كبيرة جدًّا، باعتباره الطريق الوحيد السالك لربط صنعاء بمأرب.
ويقدر طعيمان، الزمن المفترض لوصول سيارات النقل الخفيف بنحو 10 ساعات، "من الصباح الباكر إلى عصر ذات اليوم"، فيما تستغرق شاحنات النقل الثقيل ما بين يومين إلى 3 أيام، شريطة عدم تعطل الشاحنة أو تعرضها للانقلاب بسبب وعورة الطريق.
معاناة النقل
يأمل عبدالله سالم (اسم مستعار)، سائق نقل خفيف، من أبناء محافظة مأرب، أن يشمل اتفاق الهدنة فتح طريق صنعاء- نهم، مأرب؛ فهو وفق حديثه لـ"خيوط"، أسهل وأقرب طريق للربط بين صنعاء ومأرب.
يعتقد ناصر، الذي يعبر الطريق البديل أسبوعيًّا، أنّ فتح طريق فرضة نِهْم، أمام سيارات النقل الخفيف وشاحنات النقل الثقيل سوف يعود بالفائدة على المجتمعات المحلية، بما سيحققه ذلك من كلفة نقل أقل للوقود، وانعكاس ذلك إيجابًا على أسعار الغاز المنزلي والبنزين والديزل.
وعن مآسي الطريق البديل يروي هذا السائق وقوع جريمة قتل مؤخرًا لمسافر عائد من المهجر إلى اليمن، متوقعًا أن قطّاع طريق أطلقوا الرصاص على سيارة المسافر بهدف إفزاعه ونهب ما بحوزته من أموال، غير أنّ رصاص العصابة أصابت المسافر، الذي حاول مسافرون آخرون إسعافه قبل أن يفارق الحياة ويتضح أنّ مدخراته منهوبة.
ويرى كثيرون أنّ الطريق المقطوعة المحدد طولها بنحو 6 كيلومترات، بالإمكان فتحها بصفة مستمرة أو لساعات محدودة لرفع معاناة المواطنين، من خلال التنسيق والترتيب بين طرفي النزاع.
عبر الطريق البديل لـ(صنعاء- الفرضة- مارب)، يتجرع المسافرون المغادرون إما للعلاج أو التعليم مشاقًّا ومتاعبَ كثيرة منذ تفاقم النزاع في اليمن عام 2015، آملين أن يشمل اتفاق الهدنة المعلن مطلع أبريل/ نيسان 2022، فتح هذا الطريق واختصار رحلاتهم الشاقة من 20 ساعة إلى 120 دقيقة.
ويؤكد دستور الجمهورية اليمنية في المادة (57) على أن "حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنيـة مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة"، ويضيف: "ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعـه من العـودة إليهـا".