قد لا تكون هذه الأيام رحيمة على المدنيين في محافظة مأرب شرقي اليمن، كما أنها على مدار ستة أعوام لم تستقر أبدًا بعد سيطرة أنصار الله (الحوثيين) عليها في 2015.
تشهد مأرب منذ حوالي ثلاثة أسابيع متتالية معارك مستمرة بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا والقبائل من أبناء محافظة مأرب وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، بالتزامن مع إيقاف الدعم الأمريكي للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، وإخراج جماعة أنصار الله (الحوثيين) من قائمة الإرهاب، بعدما تم تصنيفها في الأيام الأخيرة من عهد ترامب كجماعة "إرهابية".
في الوقت الذي تستقبل فيه المحافظة أعدادًا كبيرة من النازحين، من مختلف المحافظات اليمنية منذ بداية عام 2014، حيث بلغت أعدادهم قرابة مليونين ونصف المليون، بمعدل استقبال 60% من إجمالي النازحين في الجمهورية منذ بداية الصراع.
إضافة إلى النازحين من مديريات المحافظة الفارين من مناطقهم التي تشهد كل حين وآخر توترات تصل إلى اشتعال مواجهات جديدة، حيث كانت ظروف الحرب لهم بالمرصاد، لتضاف المعارك الأخيرة والهجمات على القرى والمخيمات إلى قائمة مآسيهم، ويخطوا بمأساتهم خريطة من النزوح المستمر حفاظًا على حياتهم التي أصبحت هي والخطر يسيران في اتجاه واحد وعلى الدوام.
تستمر هذه الأرقام بالارتفاع يوميًّا في ظل احتدام المواجهات وتدهور الوضع الإنساني في مخيمات النزوح، لتتشكل موجات نزوح جديدة من مناطق المواجهات والمخيمات التي تحاذيها جبهات القتال بين الطرفين.
تطورت المواجهات بشكل سريع وشرس على امتداد جبهات القتال في مأرب، مما جعل من مخيمات النازحين التي تكتظ بمليونين ونصف منذ بداية الحرب إلى الآن، في مواجهة مدفعية الموت.
جمال علي، شاب نازح من محافظة الحديدة، يحكي لـ"خيوط": "يقلقني استمرار القصف الصاروخي على المدينة، لا شك أن استمراره سيؤدي إلى حكاية أخرى من النزوح بعدما استقريت مع عائلتي في مأرب، لم ننسَ إطلاقًا المعاناة السابقة من الانتقال والكلفة التي تحملناها"
وضحى ربيع، ناشطة مجتمعية في صرواح تقول لـ"خيوط": منذ بداية الحرب ومديرية صرواح تدفع الثمن أرضًا وإنسانًا، فالمعارك تدور في كل جزء من المديرية على امتداد فترة الحرب.
تضيف وضحى، أنه لا يمر يوم دون أن تنتهك الإنسانية بحق المواطنين وسكينتهم، خسر المواطنون منازلهم وخيامهم التي تؤويهم، وفقدت المديرية الماء والكهرباء والمرافق التعليمية والصحية، إضافة لانعدام الدخل لدى النازحين الفارين من المحافظات التي ينتمون إليها، وضآلة المساعدات الإنسانية بسبب قلة دور المنظمات الدولية العاملة في المحافظة، التي إن جاءت فما هي إلا كمخدر مقارنة بما يعيشه ويفقده النازحون من بداية سلسلة النزوح.
تشير وضحى إلى أن الحرب تركت النساء والأطفال للعراء، كما يقال بالضبط "يفترشون الأرض ويلتحفون السماء"، ما يحدث الآن من قصف لمخيمات النازحين إجرام حقيقي، فخلال الأسبوعين المنصرمين شملت الاعتداءات على المخيمات في صرواح انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، القصف المدفعي والصاروخي وحصار المخيمات أرعب النساء والأطفال، بل إنهم فروا هاربين منتصف الليل حيث كانت جماعة أنصار الله (الحوثيين) تستهدف مخيماتهم ومنازلهم بلا مراعاة لكونهم مدنيين ألقت بهم الحرب في العراء. وتقول وضحى لـ"خيوط"، "لكم أن تتخيلوا الوضع المأساوي هنا، الحرب تدمر كل شيء الإنسان والأرض والحيوان، كل شيء بلا استثناء".
ازدياد موجة النزوح آخر أسبوع
تسبب التصعيد العسكري من جهة مديرية صرواح ومديرية رغوان وأطراف مديرية بني ضبيان من محافظة صنعاء، بنزوح جديد لأعداد هائلة من الأسر النازحة في هذه المناطق، حيث إن معظم الأسر النازحة خاضت نزوحها الثاني منذ بداية التصعيد الأخير، بعد الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها الأسر النازحة.
بدأت موجات النزوح من مخيمات مديرية صرواح (الزور، الهيال، الصوابين، لفج الملح، وادي العطيف) وأطراف من مديرية بني ضبيان، إضافة لنزوح داخلي في مديرية رغوان.
بلغ عدد النازحين منذ السادس من فبراير/ شباط المنصرم إلى الواحد والعشرين من فبراير/ شباط، 12,005 أفراد، 1,517 أسرة نازحة، بحسب الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، حيث تركزت موجات النزوح من مديريتي صرواح ورغوان إلى أماكن آمنة في مديرية صرواح ومديرية مدينة مأرب.
ترقب المجهول
تحدثت خيوط لمجموعة شباب وشابات في مدينة مأرب، أتوا مع عائلاتهم من محافظات مختلفة بداية الحرب، حيث استقروا وبدؤوا حياتهم من جديد داخل المدينة.
عبروا لـ"خيوط" عن قلقهم من ازدياد التصعيد العسكري على مدينة مأرب، تحديدًا، وأن المدينة تعرضت خلال الأيام الماضية لقصف بصواريخ بالستية كانت بالتزامن مع اشتداد المواجهات على أطراف مديريات مأرب.
جمال علي، شاب نازح من محافظة الحديدة، يحكي لـ"خيوط": يقلقني استمرار القصف الصاروخي على المدينة، لا شك أن استمراره سيؤدي إلى حكاية أخرى من النزوح بعدما استقريت مع عائلتي في مأرب، لم ننسَ إطلاقًا المعاناة السابقة من الانتقال والكلفة التي تحملناها من الحديدة لمأرب ومعاناة الطريق والتنقل علاوة على ذلك الكلفة المادية والمعنوية، كل هذا سيكرر إذا استمر القصف الصاروخي على المدينة، ولا نعلم كيف سيؤول بنا الحال حينها".
قلق جديد
احتدام المعارك في مأرب بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا والقبائل من أبناء مأرب وبين جماعة أنصار الله (الحوثيين) يضع النازحين في مرمى الخطر والخوف، تحديدًا بعدما تم استهداف مخيماتهم من قبل جماعة أنصار الله بقصف مدفعي، بحسب سكان محليين.
تأتي هذه المعارك بمثابة تجديد للقلق العام في المجتمع اليمني، حيث إن مأرب تعتبر آخر محافظة من المحافظات الشمالية لا تخضع لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، وهذا ما جعل المواطنين يخافون من تطورات خطيرة قد تغير في كفة ميزان الحرب.