كفل القانون اليمني الحقَّ في التعليم للجميع دون تمييز، عدا أنّه لا توجد فرص متكافئة في الحصول على التعليم باليمن، إذ غالبًا ما تُستثنى الفئات المهمّشة من العملية التعليمية بسبب أمزجة القائمين على التعليم والحمولات العنصرية التي تعشش في أذهان البعض منهم، السبب الذي يقف خلف حرمان العديد من الأشخاص حقَّهم في التعليم.
ويعاني عددٌ كبير من المهمّشين في اليمن، من ارتفاع معدلات الأمية في أوساطهم التي تقدّر بنحو 93%، الأمر الذي لا تستطيع هذه الفئة الضعيفة مواجهته، بسبب أنّ الأغلبية منهم بلا مسكن، ودون عمل، وفي أحسن الظروف يعملون في أعمال النظافة، والصرف الصحي، وحياكة الأحذية، وقرع الطبول في الأعراس والمناسبات الاجتماعية المختلفة.
حتى على مستوى التعليم العالي، لا تحظى هذه الفئة بالحق في التعليم والالتحاق بالكليات المختلفة، إذ لا يتجاوز أعداد الملتحقين منهم بالتعليم العالي حاجز (196) طالبًا وطالبة، وَفقًا لإحصائيات الاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا (المهمّشين)، على الرغم من كثرة أعداد الجامعات الحكومية والخاصة في اليمن، والبالغ عددها 8 جامعات حكومية، و21 جامعة خاصة.
التنمية في مقابل التعليم
للتعليم الجامعي دورٌ في تنمية المهمّشين، إذ يحتل أهمية كبيرة في إحداث تغير اقتصادي وتنموي للفئات الأقل حظًّا في المجتمعات المهمشة، إضافة لإسهامه في صناعة أجيال متطلعة وطامحة، من خلال بعض النماذج الواقعية الموجودة في أوساط تجمعاتهم، فضمان حق التعليم ضمانٌ للتنمية.
سهير عاطف، أستاذة علم الاجتماع في جامعة صنعاء، تؤكّد لـ"خيوط"، أنّ تنمية هذه المجتمعات الأشد فقرًا (الفئات المهمشة) تبدأ من خلال إلحاقهم في التعليم الأساسي للذكور والإناث بدون استثناء، ومن ثَمّ ضمان مواصلتهم للتعليم الثانوي والجامعي، الذي يمكّنهم من الاندماج في المجتمع بحكم حصولهم على وظائف تساعدهم في الالتحاق بالوظيفة العامة للدولة، والترقي في السلم الوظيفي، وأخذ أعلى المناصب القيادية التي تنمّي قدراتهم العلمية وتغير مكانتهم الاجتماعية السابقة.
يقول المدير التنفيذي للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا (المهمّشين)؛ إنّ هناك جامعات، مثل تعز وصنعاء، كانت قد خصصت مقاعد مجانية للمهمّشين، لكن الحرب أثّرت على التحاق الطلاب بهذه المقاعد المجانية.
وتضيف عاطف: "ومن أجل تحقيق ذلك، يتطلب الأمر الأخذ بأيديهم عبر إعفائهم من الرسوم الدراسية والجامعية، ومنحهم مساعدات مالية تمكّنهم من المواصلة والمنافسة، وتوعية أسرهم بأهمية مواصلة أبنائهم للتعليم، عبر عرض قصص نجاح لنماذج من أبناء الفئة ممّن أكملوا تعليمهم الجامعي وحصلوا على وظائف مرموقة في القطاعين العام والخاص، إلى جانب الاستفادة من تجاربهم في كيفية تجاوز الصعوبات والتحديات التي واجهتهم إلى أنّ أتمّوا تعليمهم".
تحدٍّ وإصرار
يروي معمر الشميري، طالب حقوق (سنة ثانية)، في جامعة تعز، معاناته لـ"خيوط"، قائلًا: "أعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية والمالية بسبب عدم قدرة أسرتي (المهمشة) على توفير تكاليف ومتطلبات الدراسة الجامعية، إضافة لعجزي عن الحصول على فرصة عمل تساهم في تحمل مستلزمات ونفقات الدراسة من رسوم ومسكن ومأكل ومواصلات".
تشاركه الطالبة، خولة المضي، (سنة ثالثة)- إعلام، بجامعة تعز، التي تحدّثت هي الأخرى لـ"خيوط"، قائلة: "نعاني من عدم توفر الموصلات التي باتت العائق الأكبر أمامنا، إضافة لعدم توافر السكن، وبالذات للطالبات القادمات من ريف تعز".
ومع ذلك استطاع البعض ممّن خدمهم الحظ والقدر وتخطّوا الصعاب، الظفرَ بالتخرج من الجامعة بتقديرات مختلفة، طامحين بعمل حكومي أو في القطاع الخاص من قبل ومن بعد.
مهيوب أحمد قاسم، أحد خريجي جامعة تعز 2007، قسم التاريخ، الذي تقدّم للخدمة المدنية بملفين الأول في تعز والثاني في شبوة، لكي يحصل على عمل حكومي، لكنه فشل للأسف ولم يحصل على وظيفة، ليس لأنّه غير مؤهل، ولا لأنّه لا يوجد مقعد وظيفي، ولكن بسبب اسمِراره وانحداره من فئة المهمّشين.
يقول قاسم لـ"خيوط": "النظرة الدونية تلاحقنا، أكُنّا في الشارع أو في الجامعات أو حتى خرجين، إذ نزلَت سنة 2011 ستون ألف درجة وظيفية، لم يكن من بينها وظيفة لي، حيث وُزعت الدرجات الوظيفية يمنة ويسرة لأبناء المسؤولين والمشايخ والعسكرين، بينما اتجهتُ أنا -المهمش، الخريج منذ 2007- للعمل في غسل السيارات للكسب الحلال وتوفير قوت أولادي، نحن مظلومون منذ القدم".
هذا وتشير دراسة سوسيولوجية قام بها الاستشاري، عبدالرحمن أحمد زيد، بدعمٍ من جمعية المستقبل الاجتماعية التنموية في مارس/ آذار - أبريل/ نيسان 2022، إلى أنّ مستوى التعليم الجامعي بين المهمّشين وغير المهمّشين من عينات الدارسة البالغ عددها 80 مبحوثًا من المهمشين بنسبة 42.5%، ونحو 103 من غير المهمّشين بنسبة 32,7%، وهو ما يعدّ مؤشرًا إيجابيًّا ينبغي البناء عليه.
مظاهر تمييزية وآثار حرب
المدير التنفيذي للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا (المهمشين)، مرتضى نعمان، يقول لـ"خيوط"، إنّ هناك جامعات مثل تعز وصنعاء، كانت قد خصّصت مقاعد مجانية للمهمشين، لكن الحرب أثّرت على التحاق الطلاب بهذه المقاعد المجانية.
وقامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالإعلان عن مقاعد مجانية على حساب المقاعد المخصصة لفئة المهمشين، واشترطت لجنة المقاعد المجانية المكلفة من الوزارة شروطًا مجحفة مقارنة بالاشتراطات التي وضعت بالفئات المستهدفة الأخرى، كالفقراء والنازحين وأبناء الشهداء ومن ذوي الإعاقة.
أبرز هذه الاشتراطات -وفق نعمان- إجبار الطلاب والطالبات المهمّشين على مقابلة اللجنة الخاصة بالمقاعد قبل اختيار الكفاءة المحددة كشرط للحصول على المقاعد المجانية، الأمر الذي لا يستطيع تحمل نفقاته أبناؤنا الطلاب والطالبات، خاصة أولئك القادمين من المحافظات الأخرى، ما تسبّب -في المقابل- عزوف بعض الطلاب والطالبات عن استكمال تعليمهم الجامعي.
تهميش المهمّش أصلًا يضع أمامنا -كمجتمع وكمختصين- مجموعة تساؤلات مهمة عمّا إذا كانت لدينا النية بالفعل لتنمية وتطوير هذه الفئة؟! وهل نحن مستعدّون واقعيًّا وعمليًّا على إحداث تغيير في بنية المجتمع التقليدية من خلال المشاركة في تحفيز هذه الفئة على التعلم والاندماج؟! باعتبار العلم والمعرفة مفتاح هذا التغيير والعصا السحرية لإزالة الفوارق والطبقية اللعينة.