لم يختلف شهر مارس كثيرًا عن سابقه فبراير، من حيث تشابه الأحداث التي أصبحت منذ أشهر عديدة مكرورة وتسير في اتجاه واحد، عنوانها الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر وباب المندب؛ حتى جاء التاسع عشر من الشهر بأخباره الكارثية، عندما هزّت اليمن جريمة صادمة شهدتها مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء (وسط اليمن).
في حين استحوذ صراع البنكين المركزيين في صنعاء وعدن، على أهم الأحداث في اليمن خلال هذا الشهر، الذي شهدت نهاية الأيام العشر الأولى منه حلول شهر رمضان، الذي حمل ذكرى ليست بالبعيدة لليمنيين، عندما استبشروا خيرًا بانفراج أزمة الصراع الدائر في البلاد منذ العام 2015، حيث شهد شهر رمضان الذي صادف الثاني من أبريل/ نيسان من العام 2022، الإعلانَ عن اتفاق الهدنة بين الأطراف المتصارعة، التي كان يتم تجديدها كل شهرين حتى أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام.
جريمة رداع
كانت "جريمة رداع" التي حدثت في 19 مارس/ آذار، أبرز أحداث هذا الشهر، حيث صحا اليمنيون صباح هذا اليوم، على جريمة مروعة شهدتها رداع في محافظة البيضاء (وسط اليمن)، راح ضحيتها نحو 15 مدنيًّا، معظمهم من النساء والأطفال، وجرح ما يقارب 30 آخرين، بينهم نساء وأطفال، وذلك بعد إقدام قوات أمنية تابعة لسلطة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بتفخيخ أحد منازل المدينة، بعبوّات شديدة الانفجار.
ردود أفعال واسعة ندّدت بهذه الجريمة، وطالبت منظمات حقوقية بسرعة فتح تحقيق جنائي فوري، في مقتل 15 مدنيًّا، معظمهم من النساء والأطفال، وجرح نحو 30 آخرين، بينهم نساء وأطفال، في مدينة رداع بمحافظة البيضاء، إثر إقدام قوات أمنية تابعة لسلطة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بتفخيخ أحد منازل المدينة، بعبوّات شديدة الانفجار، وتفجيره، عند الساعة السابعة من صباح الثلاثاء، الموافق 19 مارس/ آذار 2024.
إذ تسبب ذلك بتدمير المنزل، وتدمير 6 منازل مجاورة، على رؤوس ساكنيها، بالإضافة إلى الأضرار الواسعة التي طالت عددًا من المنازل الأخرى.
كان اليمنيون يأملون أن يحل عليهم شهر رمضان هذا العام، باتفاق دائم لوقف إطلاق النَّار في جميع أرجاء البلاد، واتخاذ تدابير لتحسين الظروف المعيشية، وأن يكون موظفو القطاع العام في جميع أنحاء البلاد قد تقاضوا رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية، وكان من المفترض أن تُستَأنَف صادرات النفط، مما كان يمكن أن يسمح بتوفير الخدمات بفاعلية أكبر وبتحسين الظروف الاقتصادية.
ودفع السخط الشعبي العارم وردود الأفعال المنددة بهذه الجريمة البشعة، التي تضمنت أيضًا قيادات محسوبة على "الحوثيين"، سلطةَ الجماعة في صنعاء، للقيام بإجراءات تأديبية لمرتكبي هذه الجريمة من القيادات الأمنية التابعة لها. إلى أن أكّدت في 30 مارس/ آذار، أنها استكملت جبر الضرر في الأنفس والمصابين من ضحايا جريمة مسلحيها في رداع بمحافظة البيضاء، بينما يجري العمل بوتيرة عالية، وفق تصريحات منسوبة لمحافظ المحافظة المعين من قبل سلطة صنعاء، من أجل جبر الضرر في المساكن والأثاث، في حين يسود الغموض مصيرَ القيادات الأمنية والمسلحين الذين ارتكبوا هذه الجريمة.
الصراع المصرفي
سجّل 20 مارس/ آذار، نقطة تحول في الصراع المالي والنقدي المتجدّد في اليمن، بصورة لافتة ومتصاعدة منذ مطلع هذا الشهر الذي استحوذ فيه الصراع الدائر في القطاع المصرفي على أهمّ أحداثه، والدائر بين البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن، والبنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين).
في هذا التاريخ من مارس/ آذار، أصدر مركزي عدن، تعميمًا موجهًا إلى كافة البنوك وشركات ومنشآت الصرافة ووكلاء الحوالات، ينص على إيقاف التعامل الكامل مع البنوك التي قال إنها مخالفة لتعليمات البنك المركزي بما في ذلك الشبكات التابعة لها.
ونبّه البنك المركزي الحكومي في عدن، إلى أنّه سيتم اتخاذ الإجراءات الرادعة حيال المخالفين لما نص عليه هذا التعميم الصادر، إذ يأتي ذلك، في أعقاب قرارات مماثلة صادرة عن البنك المركزي في صنعاء، بمنع التعامل مع شركات وشبكات التحويلات المالية التي أنشأها البنك المركزي في عدن، بحجة أنها غير مرخصة. فيما شهد 27 مارس/ آذار، تراجعًا مؤقتًا لهذه الأزمة بتراجع "البنكين" عن قراراتهما دون الإفصاح عن السبب في ذلك، وسط تكهنات عديدة تشير إلى وساطة خارجية.
قبل أن يتأجج الصراع بين "البنكين" مرة أخرى في 30 مارس/ آذار، بإعلان "بنك صنعاء" عن طرحه عملة معدنية من فئة 100 ريال للتداول، لمعالجة مشكلة العملة الورقية التالفة، في حين جدّد "مركزي عدن" رفضه لهذا الفعل الذي وصفه بالتصعيدي الخطير وغير القانوني، الذي لا يأخذ بالاعتبار أيَّ شكل من مشاكل المواطنين، مشيرًا إلى أنه يحتفظ بحقه في اتخاذ الإجراءات القانونية الاحترازية لحماية الأصول المالية للمواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية.
الكوليرا، وتأهيل المدن التاريخية
إلى ذلك، ساورَ القلق كثيرًا من اليمنيين، خصوصًا في صنعاء، مع ظهور أنباء متواترة عن انتشار حالات الإصابة بمرض الكوليرا، الذي تزامن مع ما كشفه تقرير أممي صادر في 14 مارس/ آذار، عن تسجيل أكثر من 500 إصابة جديدة بالكوليرا في اليمن، خلال الشهرين الأولين من العام الجاري 2024.
وتعدّ اليمن كما ورد في التقرير، ضمن 8 بلدان في إقليم الشرق الأوسط، و20 دولة حول العالم تشهد تفشيًا لحالات الإصابة بالكوليرا، وذلك عبر ثلاثة أقاليم تابعة لمنظمة الصحة العالمية.
إلى ذلك، في سياق رصد لأهم الأحداث الملفتة خلال شهر مارس/ آذار، تابعت "خيوط" في 29 مارس/ آذار، إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) بدءَ مرحلة جديدة من إعادة تأهيل المدن التاريخية في اليمن، عبر مشروع" توظيف الشباب من خلال التراث والثقافة"، الممول من الاتحاد الأوروبي.
وقالت المنظمة إنّ أعمال المشروع، تتمثل في القيام بإعادة تأهيل المدن التاريخية والتراث والبرامج الثقافية، مع التركيز على إعادة تأهيل المنازل الخاصة التاريخية والمساحات العامة والتجارية، وفي الوقت نفسه معالجة البطالة في هذه المدن عبر توفير فرص العمل للشباب، إضافة إلى معالجة الفجوات الإدارية في المؤسسات الثقافية، من خلال توفير الدعم التنظيمي والتدريب المخصص لمنظمات المجتمع المدني، الاجتماعية والثقافية في اليمن.
الأمل المعلق على رمضان
كان اليمنيون يأملون أن يحل عليهم شهر رمضان هذا العام، باتفاق دائم لوقف إطلاق النَّار في جميع أرجاء البلاد، وتدابير لتحسين الظروف المعيشية، وأن يكون موظفو القطاع العام في جميع أنحاء البلاد قد تقاضوا رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية، وكان من المفترض أن تُستَأنَف صادرات النفط، مما كان يمكن أن يسمح بتوفير الخدمات بفاعلية أكبر، وبتحسين الظروف الاقتصادية، وكذا اتفاق آخر حول إطلاق سراح المحتجزين مما يتيح لهم العودة إلى ديارهم مع أحبائهم في رمضان.
على الرغم من أنّ هذه الآمال والتوقعات لم تتحقق بعد، فإنّ هناك جهودًا تسعى من أجل وضع الصيغة النهائية لخارطة الطريق الأممية وتنفيذها، تظل مستمرة بدون انقطاع، كما ورد في الإحاطة الشهرية التي قدّمها المبعوث الأممي إلى اليمن، السويدي هانس غروندبرغ، إلى مجلس الأمن الدولي في 12 مارس/ آذار.
واعتقد غروندبرغ أنّ "اليمنيين يشاركونني في الشعور بنفاد الصبر في سبيل تحقيق هذه التطلعات". إلا أن مجال الوساطة أصبح أكثر تعقيدًا، مُجدِّدًا التذكير أنّ ما يحدث على المستوى الإقليمي يؤثر على اليمن، وما يحدث في اليمن يمكن أن يؤثر على المنطقة.
في السياق، تشهد اليمن تصاعدًا متواصلًا للأحداث الجارية في البحر الأحمر وباب المندب ومختلف الممرات المائية اليمنية، إذ تحصي "خيوط" نحو 6 عمليات استهداف للسفن من قبل القوات البحرية التابعة لأنصار الله (الحوثيين)، شملت، وفق إعلانهم، ثلاث سفن إسرائيلية؛ سفينتين أمريكيتين وسفينة بريطانية، في حين أعلنت الجماعة في 14 مارس/ آذار، توجهها لاستهداف السفن في المحيط الهندي، فضلًا عن استمرار الولايات المتحدة وبريطانيا بقصف صنعاء ومحافظات أخرى تحت سيطرة سلطة صنعاء، من وقت لآخر خلال هذا الشهر.
ولفت المبعوث الأممي إلى أنّ تركيزه منصبٌّ على بلوغ وقف لإطلاق النَّار والبدء بعملية سياسية، فما من سبيل غير ذلك لحل النِّزاع في اليمن، مؤكدًا أنّ جهود الوساطة التي يقوم بها تركز على العمل مع الأطراف لسد الفجوات وتحديد سبل بدء وقف إطلاق النّار وتحسين الظروف المعيشية وإطلاق عملية سياسية، وذلك بناءً على الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وقد شملت هذه الجهود اجتماعات عدة، عقدها مكتب المبعوث الأممي مع كبار المسؤولين الأمنيين في عدن وتعز، للتحضير لوقف إطلاق نار على مستوى البلاد في المستقبل.
كما قال غروندبرغ إنّ هذا الشهر، مارس/ آذار، يصادف يوم المرأة العالمي الذي يذكِّرنا بالأثر غير المتناسب للنِّزاع على النِّساء في اليمن، وبأهمية تمكين مشاركتهن الحقيقية في عملية السلام، ذلك أنَّ النِّزاع زاد من تفاقم انعدام المساواة بين الجنسين وقيّد وصول المرأة إلى التعليم وخدمات الرعاية الصحية، وحَدَّ من تمتعها بحرية الحركة. وتحدّ شروط الوصاية المفروضة، من قدرة المرأة ومشاركتها في جهود السلام.