تضيق عينا المزارع السبعيني عامر مهدي، من مديرية شرعب الرونة شمال تعز، وهو يتأمل الحقول الصفراء متمتما بكلمات فُهِم منها أنه يتوقع عاما من القحط القاسي.
آذار، هذا الشهر الذي يرقص على حافة فصلي الربيع والصيف، يرتدي عباءة من الغموض عند المزارعين اليمنيين، خاصة في المحافظات الوسطى، فبينما يرى البعض فيه نبيا صادقا يبشر بغزارة الأمطار طوال العام، يعتبره آخرون كاذبا ينذر بجفاف قادم.
قصص من رحم الأرض
التقت "خيوط" عددا من المزارعين في محافظتي تعز وإب، وتناقشت معهم حول هذا الشهر الزراعي.
يقول المزارع عامر مهدي: "إذا صدق آذار أخرج الماء من الجدار"، تعبيرا عن تفاؤل المزارعين بغزارة الأمطار طوال العام إذا انهمرت في شهر آذار. "وإذا كذب آذار نزّف الماء من الجرار" يعني توقع المزارعين عاما مجدبا حال قسا الطقس خلال شهر آذار.
وتشير المُزارعة أم سُهيل من صبِر، في تعز، إلى أن "آذار صدق مع المزارعين في العام السابق، فكان عاما ممطرا وفيه سُقي الناس والزرع، وتؤكد أن المزارعين يعتمدون على الأمطار بشكل رئيس في أودية تعز، ومعظم أودية اليمن.
يفيد المزارع الستيني، أمين الحاج من وادي بنا، إب، أن لشهر آذار قداسة خاصة عند المزارعين، وأنه أصيب بخيبة أمل بسبب جفاف شهر آذار هذا العام، الأمر الذي ينذر بخفة الأمطار وتأخرها في فصل الصيف القادم، وهذا ما سيحدث وفقا لقوله.
في وادي الضباب، جنوب تعز، المُزارعة الخمسينية أم حسناء قالت مشيرة إلى الوديان: "مستوى الإنتاج والاخضرار ليس بقوة العام السابق، فالأمطار خفيفة"، لكنها مع ذلك "لم تتشاءم، بل متفائلة دوما بكرم الله كما تقول، مضيفة أن "فصل الصيف غالبا ما يمطر ويكرم تعب المزارع الذي بذل جهده بإخلاص لحراثة الأرض وتشذيبها منتظرا كرم الله بعيدا عن معتقدات الناس بشهر آذار. تأكدنا بعد هذه الجولة من عدم تفسير مزارعي ريف اليمن لهذا التوقع علميا، لكنه اعتقاد متوارثٌ عن أسلافهم، حسب قولهم.
رأي علم الفلك
رغم أن آذار عام 2022 كان جافا، فقد فند عالم الفلك أحمد محسن الجوبي معتقدَ المزارعين المتصل بهذا الجفاف. فمنشور الفلكي الجوبي -في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) - قد تعارض مع معتقدات المزارعين. فقد كتب في الثامن من مايو 2022 "تسمى هذه الأيام بالمروح وتتميز بحرارة شمسها والمثل يقول (شمس المروح تشل العقل والروح)، وهذه الرياح هي رياح كاملة وعادة ما تكون أمطارا مفاجئة". وبالفعل كان عام 2022 ممطرا رغم جدب شهر آذار من نفس العام.
وتوضح الدائرة الفلكية الزراعية لليمن التي أعدها الباحث يحيى بن يحيى العنسي أن بدء كل شهر زراعي يتزامن مع ليلة الـ15 من كل شهر ميلادي، وعليه فإن شهر آذار الزراعي يبدأ في منتصف شهر مارس الميلادي من كل عام، وحسب المعلومات الواردة في الدائرة فشهر آذار يختم فصل الربيع ليبدأ بعده فصل الصيف، فإذا اكتمل فصل الربيع ولم تهطل خلاله أية أمطار يشعر المزارعون بخيبة أمل لانتظارهم حسب معتقداتهم فصلا صيفيا نادر الأمطار.
أما إذا اهتزت السحب خلال شهر آذار وهو قفلة فصل الربيع فيستبشر المزارعون التقليديون بأمطار غزيرة وسيول تسقي الحرث والنسل، وهذه لها جذورها ومجربة بالملاحظة حسب قولهم، إلا أن متابعتنا السنوية للواقع تثبت العكس.
يعتمد المزارعون على معتقدات تقليدية لتوقع هطول الأمطار، بينما تُشير الجهات العلمية إلى أن هطول الأمطار مرتبط بعوامل أخرى مثل الرياح واستقرار السحب.
توقعات علمية
رغم أن اليمن تعيش أزمة إنسانية حادة، لتصنفها منظمات أممية بأنها واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وأكثرها تعقيدا، فقد شهدت تحسنات موسمية في الأمن الغذائي من أكتوبر إلى نوفمبر 2023، بسبب زيادة توافر الغذاء وتحسن الدخل من العمل الزراعي والحصاد في المرتفعات الجبلية البعيدة عن مراكز النفوذ وأحداث الصراع، إضافة للاستقرار النسبي في أسعار المواد الغذائية.
وتصنف الفاو محافظتي حجة والجوف بأنهما أكثر المحافظات التي تعاني انعدام الأمن الغذائي (49.3% في حجة، 43.8% في الجوف).
ودعت الفاو إلى توسيع نطاق المساعدات الغذائية في المحافظات الضعيفة، خاصة حجة والجوف، لا سيما في ظل الأزمة المناخية وانخفاض معدل تساقط الأمطار سنويا، الأمر الذي ينعكس بالسلب على الإنتاج الزراعي.
وشهدت اليمن تغيرات مناخية أثرت على سبل العيش، إذ سُجل 2022 باعتباره ثالث أكثر الأعوام جفافا خلال العقود الأربعة الماضية، بعد عام 2014 (الأكثر جفافا) والعام 2000. كما شهد 2022 تناقصا في هطول الأمطار بمعدل 0.3 ملم في السنة، وأنماطا متطرفة من تغيرات المناخ، وارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، والفيضانات، لتزداد النسبة قليلا في العام 2023 لكنها لا تلبي المطلوب لزراعة معظم أراضي اليمن، ومن المتوقع لعام 2024 التناقص لدرجة الجفاف أو الارتفاع لدرجة الفيضانات، ما يعني تطرفا مناخيا يضر الزراعة في كلتا الحالتين، حسب تقارير الأرصاد والفلك، بصرف النظر عن طقس آذار الجاري.
شهر آذار هو موسم لحراثة الأرض، وتقليب تربتها، وتوزيع الأسمدة البلدية المستخدمة من مخلفات الحيوانات، استعدادا لقدوم الأمطار الصيفية. دون هذه الاستعدادات فإن الزراعة تكون ضعيفة ومحصولها خفيف
جهود رسمية
بالنسبة لإسهامات مكتب الزراعة في إب فيقتصر على الإرشاد والتوعية، والمساعدات الفنية للمزارعين - حسب نائب مدير مكتب الزراعة محمد الزنن- وتوفير وحدة الحراثة التي تقوم بالتعاقد مع بعض أصحاب الحراثات للعمل مع المزارعين بأسعار مناسبة، حسب الزنن.
وتشير مختصة الإرشاد الزراعي تهاني عبيد، من مكتب الزراعة في محافظة إب، إلى أن المدة الممتدة بين آذار مارس ومايو هي فصل الربيع، وتبدأ فيه الأزهار بالتفتح، والاستعداد للزراعة وغرس الأشجار المثمرة، وأشجار الزينة حتى يأتي حصادها خلال فصل الصيف، وعندما تهطل الأمطار في آذار يعتبر بداية خير للعام كبداية البذرة، ومن هنا جاء المعتقد وتوارثه المزارعون أبا عن جد.
وتوضح تهاني أن المعتقدات بشهر آذار تقليدية ومتوارثة وليس لها أساس علمي سوى أن الشهر يسبق فصل الصيف، وهذا المعتقد يصيب أحيانا ويخطئ في أعوام أخرى إن أردنا الدقة، مضيفةً أن التطير والتشاؤم من عادات الجاهلية، لتنصح المزارعين بالتفاؤل في كل الأحوال، وأن الأمطار ترتبط بحركة الرياح واستقرار السحب وبقدرة الله تستقر السحب وتمطر حيثما أراد الله لها أن تكون، ولولا ذلك لما سن الله صلاة الاستسقاء إذا أصيب العباد والبلاد بالقحط والجفاف المتوسط أو الشديد.
تختم عبيد "إن شهر آذار هو موسم لحراثة الأرض، وتقليب تربتها، وتوزيع الأسمدة البلدية المستخدمة من مخلفات الحيوانات، استعدادا لقدوم الأمطار الصيفية. دون هذه الاستعدادات فإن الزراعة تكون ضعيفة ومحصولها خفيف".
معتقدات آذار لا تسود في ريف اليمن فقط، بل تشتهر في عدة دول عربية، ومنها قولهم:"إذا أمحلت وراها آذار، وإذا أقبلت وراها آذار" و"خبي حطباتك الكبار لعمك آذار" و"مطر آذار بينبت الحشيش بين الأحجار"، تتواكب معهم المقولة اليمنية "إذا صدق آذار خرَج الماء من الجدار، وإذا كذب نزَفه من الجِرار"، وكلها معتقدات غير علمية، حتى إذا أصابت أحيانا، حسب العلماء.