"المقالح.. حياة في الرحيل" هو عنوان الكتاب التذكاري الذي صدر مؤخرًا، تأبينًا لذكرى الراحل الكبير الدكتور (عبدالعزيز المقالح)، الذي تُوفِّي بصنعاء، أواخر نوفمبر الماضي.
الكتاب بطبعته الأنيقة، وصفحاته التي تتجاوز خمسَ مئةٍ وخمسين صفحة، اشتمل على عشرات المقالات الرثائية والنصوص والتعازي والبيانات، التي كُتبت في الشاعر والمفكر اليمنيّ الراحل من قبل كتّاب وأدباء ومفكرين عرب ويمنيّين، إلى جانب عشرات الصور النادرة له معهم.
كتب الشاعر والمفكّر الكبير علي أحمد سعيد (أدونيس) من باريس، يرثي صديقه:
"وحدها يد الحرية تستطيع أن تظفِّر جدائل الريح، وسوف تواصل حلفنا مع هذه المخيلة.
أصغِ إليها، تكاد تهمس في أُذنيك:
تغيب أيُّها الصديق الحبيب، ورأسك مليءٌ بالشموس".
الناقد والأكاديميّ كمال أبو ديب، كتب من أكسفورد:
"لن تسكن الموت، بل ستظلّ هنا تنبض في هذا القلب، وفي كل قلبٍ يخفق بحبّ الحقيقة والجمال والفنّ والإبداع، ويزخر باليقين، بأنّ هذه الأمة الفاجعة المفجوعة ستبتكر ذات يوم عالمًا كنتَ تحلم به، وغرست الحلم به في قلوب الملايين".
الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، كتب من القاهرة:
"كان الدكتور عبدالعزيز من أقرب أصدقائي إلى قلبي، وأنا أتمنى له دوام الذكر والخلود في اليمن وخارجه، لأنّه ليس شاعرًا لليمن فقط، ولكنه شاعر لكل الناطقين بلغة الضاد".
الناقد الدكتور حاتم الصكر، كتب من الولايات المتحدة الأمريكية:
"تتقطر أعوام صنعاء الستة عشر، وما قبلها، جواره وقربه حتى في أعوام الاغتراب الأخيرة. صوته عبر الهاتف بالهدوء ذاته والحميمية واللهفة التي تعرف... الصديق والزميل والمعلم المبدع".
الشاعر والأكاديمي جودت فخر الدين، كتب من بيروت:
"تصدَّر عبدالعزيز المقالح المشهدَ الثقافيّ اليمنيّ عقودًا عدّة، ولما كانت اليمن في هذه العقود تعاني من العزلة والبعد عن مراكز النشاط الثقافي في العالم العربي، فقد شكَّل المقالح نافذةً ثقافية لليمن على الخارج".
الشاعر محمد بنّيس، كتب من المغرب:
"جعل عبدالعزيز المقالح من اليمن منارة عربية منفتحة على العالم. ما زلت أذكر رؤيته الكونية حينما أقدمنا، هو وأدونيس وأنا، على تنظيم لقاءات الحوار مع شعريات عالمية، افتتحناها باللقاء بين الشعراء العرب والفرنسيين بمناسبة الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية".
الشاعر سيف الرحبي، كتب من مسقط:
"يرحل عنّا الضوء الكاشف، والأب الشاعر الأكاديميّ، بمعرفته الشمولية التي سخّرها جسدًا وروحًا في سبيل اليمن ومحيطه العربي المنكوب".
الدكتور علي جعفر العلاق، من العراق كتب:
"ما أن وصلت إلى مكتبه حتى استقبلني بحفاوة غامرة؛ أيّة وداعة فيّاضة وأي حياء آسر؟ لم أكن أتصور أنّ هذا الاسم المدوي الذي يتقلّد أكثر من منصب رفيع، يمكن أن يجلس في مكتب متواضع إلى هذا الحدّ".
الدكتور وهب رومية، كتب من دمشق:
"وهل ينسى الشعراء العرب الشباب احتفالك بهم ورعايتك لهم؟ هل ينسون تقديمك لهم ودراساتك عنهم وعن إنتاجهم في كتبك، وهل ينسى الشعراء اليمنيّون كتابك "بدايات جنوبية"، وهل... وهل... وهل...؟".
الدكتور عبدالعزيز السبيل، كتب من الرياض:
"معظم مؤلفاته ذات صلة بتاريخ اليمن، وأدبه وشخصياته، اليمن الواحد بجغرافية شمولية، عبرت كتبه الحدودَ السياسية الشيقة، وأهداها للقارئ العربي الذي ظلّ متعطشًا لمعرفة ثقافة أرض سبأ، أما دواوينه الشعرية فمعظمها يحمل رائحة اليمن".
الشاعر قاسم حداد، كتب من البحرين:
"منذ عاد إلى صنعاء، من دراسته الجامعية في القاهرة، صار يدعو العالم الثقافي إلى اليمن، فيما يجلس بجوار باب صنعاء لا يغادرها. حتى إنّ معظم الكتّاب والمبدعين ربما عرفوا اليمن وحضارته قبل البلدان الأخرى في جزيرة العرب والخليج".
الشاعر منصف الوهايبي، كتب من تونس:
"تعرفت على عبدالعزيز المقالح شخصيًّا عام 1989، في ملتقى الشعر العربي الفرنسي في صنعاء، لكن علاقتي به وبأدبه، كانت قد انعقدت قبل ذلك بسنوات قليلة، إذ كان الراحل الكبير أول من بادر هو وأحمد عبدالمعطي حجازي بالكتابة عن كتابي الشعري الأول (ألواح) 1982، قبل أن يواصل الكتابة عن أعمالي الأخرى".
قدَّم المهندس محمد عبدالعزيز المقالح، الكتابَ بنَصٍّ شفيفٍ أسماه (تلك الأصابع المضيئة):
"كان بابُ غرفته موارَبًا حين دخلتُ عليه فجأةً وهو يكتب جالسًا كعادته على الأرض منحنيًا على قلمه، واضعًا أوراقَهُ على ركبته.
كنتُ في الخامسة من عمري، أتقافزُ بين أحضانهِ كاسرًا عليه خلوتَهُ ودقائقَ بَوحِهِ ووحيِه. كان يبتسمُ لي بعينيه وحنانِ يديه فحسب، قبل أن يعود لقلمه منحنيًا على أوراقه.
تلك الجلسة، تلك الركبةُ المنثنيةُ الواقفة، تلك الأصابعُ المضيئةُ العنيدةُ التي لا تتعب، انحناءة الظهر النبيّة أثناء الكتابة، كل ذلك لم يتغيّر طوال ستّين عامًا.
ستّون عامًا، ستّون كتابًا، ستّون حياةً، كلُّ ذلك انبثق من بين تلك الأصابع المضيئة المتّكئة على تلك الرّكبة المنثنية، ويشدُّ كل ذلك انحناءةُ ظهرهِ المتقوِّسةِ المنهمكةِ على قلمه وأوراقه، كأنّه يحملُ بلادًا على ظهره!
لم يجلس على مكتب ليكتب، طوال عمره.
وحتى حين كان يستقبل زوّارهُ وضيوفه وطلَبَتَهُ في المركز أو الجامعة، كان يجلس إلى جوارهم جنبًا إلى جنب.
في ظهيرةِ فاجعةِ رحيلِه، وبعد أن أضاءَ وجهُهُ بلقاءِ ربّه، وأضاءت شهقتُهُ الأخيرةُ المكان، مستلقيًا على جنبِهِ الأيسر، كانت أصابعُهُ تضيء على ركبتهِ التي أبَتْ إلّا أن تظل واقفةً منثنيةً كعادتها لحظة ميلاد القصيدة. حاولنا فَرْدَها بلا جدوى!
في روحي في روحنا جميعًا، في حنايا بلادٍ بأكملها، لن ينطفئ ضوءُ تلك الأصابع المضيئة أبدًا، ولن تتهاوى عزائمُ تلك الركبة المنثنية الواقفة المنتظرة، وسنظلّ حاملين على ظهورنا أحلامَ بلادٍ وآمالَ شعب، وكما تريد يا أبي الحبيب.