تسبّبت الحرب والصراع في اليمن منذ ما يزيد على سبع سنوات في أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم بحسب تصنيف الأمم المتحدة، في ظل تدهور اقتصادي ومعيشي كبير يطال النسبة الغالبة من السكان، علاوة على توسع رقعة الجوع والفقر والبطالة وتفشي حالات سوء التغذية الحادّ والوخيم في أوساط الأطفال ما دون سن الخامسة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد ابتُليت البلاد بواحدة من أسوأ أزمات الغذاء في العالم، وغالبًا ما يكون الآباء غير قادرين على إحضار أطفالهم إلى المنشآت العلاجية؛ لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الانتقال أو نفقاتهم الخاصة أثناء مساعدة أطفالهم.
وتتزايد معدلات سوء التغذية الحادّ بين الأطفال والأمهات في اليمن. ومن بين المحافظات الأشد تضررًا، محافظات حَجّة والحُديدة وتعز، حيث يتعرض الأطفال المصابون بسوء التغذية الحادّ الوخيم لخطر الوفاة إذا لم يتلقوا مساعدة تغذية علاجية مناسبة.
ويشير تقرير صادر عن أربع وكالات أممية في مارس/ آذار الماضي 2022، اطلعت عليه "خيوط"، إلى استمرار ارتفاع مستوى سوء التغذية الحادّ بين الأطفال دون سن الخامسة في اليمن، إذ يعاني 2.2 مليون طفل من سوء التغذية الحادّ، بينهم ما يقرب من أكثر من نصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم ممّا يهدّد حياتهم. هذا بالإضافة إلى حوالي 1.3 مليون امرأة، حامل أو مرضع، يعانِين من سوء التغذية الحادّ.
وتشكو عديد من الأسر في مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، تعيل أطفالًا مصابين بسوء التغذية، من تدهور حالتهم الصحية وإصابتهم بالأمراض والضعف والهزال، مع تدهور الوضع إلى حافة الجوع الشديد، حيث تشرح أمّ الطفل كريم شوقي، وهو أحد المصابين بسوء التغذية الحادّ، لـ"خيوط"، أنها غير قادرة على إرضاع طفلها الذي يبلغ من العمر بضعة أشهر لجفاف الحليب الطبيعي لديها، وعدم القدرة على توفير الحليب الصناعي لتردي وضعيتهم المعيشية؛ فزوجها عاطل عن العمل، وليس هناك أي مصدر دخل آخر يعيلهم كأسرة تعيل 8 أفراد معظمهم أطفال، حيث لا يمتلكون الطعام الكافي والمناسب في منزلهم، باستثناء الشاي الذي لجأت له لإرضاع طفلها لرخص ثمنه مقارنة بالحليب.
تسبّب شرب "الشاي"، وهو خيار تلجأ له كثير من الأسر الفقيرة والمعدمة لإرضاع أطفالها أو لتهدئة بكائهم وجوعهم، في مختلف مناطق اليمن -وفق حديث هذه الأم (تعمل في تنظيف المنازل)- بتفاقم حالة طفلها كريم الصحية؛ ممّا أدّى إلى إصابته بسوء التغذية الحادّ، في ظل عجزها عن تقديم الرعاية المناسبة له.
يبرز نقص الرعاية الصحية، خصوصًا للأطفال ما دون سن الخامسة، في طليعة الأسباب التي تضاعف سوء التغذية الحادّ الوخيم وما ينتج عنه من أمراض والتهابات معوية وفقدان الشهية مع مشاكل في العيون والصدر، بالإضافة إلى إسهال وتقيؤ
تؤكّد أمّ كريم، الذي يرقد حاليًّا في مستشفى المظفر بتعز (حكومي)، أنّ إهمالها له زاد من معاناته وأنها لا تستطيع الاهتمام به طوال اليوم، ويجب عليها الذهاب إلى العمل لكي تحصل على المال لأجله وإخوته، كما أنّ العمل في تنظيف المنازل لا يكفي لشراء كل احتياجاتهم المعيشية.
كريم واحد من مئات الحالات التي استقبلها هذا المرفق الصحي من أجل الحصول على الرعاية الطبية، في ظل تزايد مستمر للأطفال المصابين بسوء التغذية الحادّة، مع وصولها إلى نحو (2140) حالة خلال عام واحد، إضافة إلى 173 حالة شديدة الخطورة.
تمدد جغرافي
كل يوم ينام المزيد والمزيد من الأطفال في اليمن وهم جوعى، كما تؤكد "اليونيسف"، ممّا يضعهم تحت خطر الضعف الجسدي والإدراكي، إذ لم يعد بالإمكان التغاضي عن معاناة الأطفال في اليمن. فالأرواح معرضة للخطر بحسب المنظمة الأممية المعنية بالطفولة.
في حين، تتزايد المخاوف بشأن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن والمتزامنة مع نقص التمويل والمساعدات الدولية المقدمة للإغاثة الإنسانية، إذ يعد الأطفال ومختلف الفئات المجتمعية الضعيفة أبرز ضحايا هذه الأزمة الإنسانية التي تسببت بها الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ ما يزيد على سبع سنوات.
بمن فيهم الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، في ظل ما تشهده اليمن من انهيار في الأمن الغذائي، حيث تعاني عشرات الأسر في جميع المحافظات اليمنية، لا سيما محافظة تعز، والتي تسجل باستمرار عشرات الحالات لأطفال مصابين بالعديد من الأمراض الناتجة عن سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية.
مدير مستشفى المظفر بتعز (حكومي)، الدكتور فهد شوقي، يقول في هذا الصدد لـ"خيوط"، إن قسم سوء التغذية بالمستشفى يستقبل من 20 إلى 35 حالة شهريًّا من الأطفال ما دون الخامسة من أعمارهم، لافتًا إلى أنّ قسم سوء التغذية لا يتلقى دعمًا أو اهتمامًا من المنظمات والجهات المعنية، ويعتمد حاليًّا على الدعم المقدم من إدارة المستشفى والكادر الطبي.
وفي ظل تفاقم الوضع المعيشي للسكان في مناطق تعز، لا سيما الريفية منها، يؤكد شوقي أنّ أغلب الحالات التي يستقبلها المركز تأتي من بعض مناطق المدينة، كالقاهرة وصالة، إضافة إلى مديريات مثل: جبل حبشي، وريف المعافر، والوازعية، والمسراخ.
نقص الرعاية الصحية
يبرز نقص الرعاية الصحية، خصوصًا للأطفال ما دون سن الخامسة، في طليعة الأسباب التي تضاعف سوء التغذية الحادّ الوخيم، وما ينتج عنه من أمراض والتهابات معوية وفقدان الشهية مع مشاكل في العيون والصدر، بالإضافة إلى إسهال وتقيؤ. ويؤكد رئيس قسم سوء التغذية بمستشفى المظفر، الدكتور نشوان السامعي، لـ"خيوط"، أنّ سوء التغذية الحادّة والوخيمة لا تنتهي بسرعة، وإنما خلال فترات متعاقبة تبدأ من متوسطة، خفيفة ثم إلى طبيعي.
ويتابع السامعي: "في حال لم يحصل الطفل في مرحلة عمره الأولى على التغذية والرعاية الكاملة، يدخل بمضاعفات صحية، وتبدأ الأعراض الجانبية بالظهور عليه، كالإسهال والتقيؤ مع فقدان الشهية ومشاكل في العيون والصدر والأمعاء".
ويرى مختصون في التغذية أنّ هناك عوامل ساهمت في تفاقم حالات سوء التغذية لدى الأطفال في اليمن؛ أهمها لجوء الأمهات للحليب الصناعي بدلًا من الرضاعة الطبيعية، إلى جانب عدم التنظيم الأسري والإنجاب العشوائي لدى البعض في ظل الوضع المعيشي والاقتصادي المتدهور جراء الحرب.
يوضح السامعي، أنّ الحليب الصناعي التي تلجأ إليه بعض الأمهات في عملية الرضاعة لا يمكن أن يقدم التغذية المناسبة للطفل كما يقدمها الحليب الطبيعي للأمّ المرضعة، حتى إنّه لا يحتوي على نفس المواصفات والمعايير المركزة، كما أنّ الإنجاب العشوائي يساهم في زيادة سوء التغذية، خصوصًا لدى الأسر الفقيرة التي لا تستطيع تلبية احتياجاتها المعيشية، بسبب التدهور الاقتصادي الناتج عن الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015.