محمود علي الحاج كرمز أدبي وثقافي

من الجحود التفرج على مرضه الذي أقعده الفراش
عبدالباري طاهر
November 10, 2021

محمود علي الحاج كرمز أدبي وثقافي

من الجحود التفرج على مرضه الذي أقعده الفراش
عبدالباري طاهر
November 10, 2021

في منتصف الأربعينات من القرن العشرين الماضي، خرج الطفل محمود مع والده علي الحاج من قرية من قرى "المقاطرة" إلى عدن. التحق الصبي بالكتاب؛ لأن النظام الإنجليزي لا يقبل الطالب في مدرسة رسمية إلا بعد سن السابعة. ألحقه والده ذو المكانة الاجتماعية بمدرسة ابتدائية "الشرقية" في الشيخ عثمان. انتقل بعدها إلى مدرسة النهضة العربية، وأكمل فيها دراسته الابتدائية والثانوية، ثم درس في الكلية الفنية في المعلا نظام أربع سنوات.

تعين مترجمًا وكاتبًا في الجيش الاتحادي فترة ما قبل الاستقلال، وبعد الاستقلال عمل في صحيفة "14 أكتوبر" كمحرر، وفيما بعد كسكرتير تحرير.

تلقى عدة دورات صحيفة في سوريا، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، وأسهم في التحضير لمنظمة الصحفيين الديمقراطيين، وكان في قيادة التحضير لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين إلى جانب زملائه محمد سعيد جرادة، وفضل النقيب.

أُوفد الثلاثة من عدن إلى صنعاء والحديدة للتحضير للمؤتمر العام الأول لاتحاد الأدباء والكتاب عام 1973. كتبت عنه قبل بضعة أعوام مقالاً في صحيفة الأيام. أعيد نشره بمناسبة العمل لتكريمه في منتدى التنمية والحداثة.

أود أن أشير إلى أن النجم اللامع في سماء الأدب والفكر والثقافة، كثيراً ما عملنا معًا لفترات عديدة، وتجاورنا في السكن في صنعاء، وترافقنا في السفر، وكثيراً ما كان يحدثني عن دور خاله عبدالرحيم الأهدل، وعبدالرحيم الأهدل من جيل الرواد من زملاء الأستاذ محمد سعيد جرادة، والدكتور محمد عبده غانم، ولطفي جعفر أمان ومحمد علي لقمان، وله باع طويل في الحياة الأدبية والثقافية. وكان من الرعيل الأول المدرسين في كلية بلقيس ومن مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ومحمود الحاج ابن من أبنائه البررة، وتلميذ من أهم تلاميذه.

تولى مناصب ومواقع عديدة منها رئيساً لمؤسسة الثورة للصحافة والأنباء محتفظاً بالنزاهة ونقاء الضمير. لم ينحز للطغيان ولا للفساد ولا الاستبداد، وظل فقير الجيب، وغني الوجدان والضمير

محمود الحاج أديب كبير، متعدد المواهب، شاعر متمكن، وأبرز مبدعي القصيدة الغنائية. غنى له كبار الفنانين: أحمد فتحي، والسنيدار، وغيرهما.

نجم لامع في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. فقد رأس اللجنة التحضيرية للاتحاد إلى جانب زميله ورفيق دربه الأديب والشاعر والصحفي المبدع فضل النقيب في العام 1972، وهو من النجوم الأكثر إضاءة في التلفزيون؛ فقد كان على مدى سنوات عديدة نجماً في التحاور مع أدباء ومفكرين كبار، وكان برنامجه من أهم برامج التلفزيون في الـ ج. ع. ي. 

له باع طويل في الصحافة في الجنوب، وترأس في الشمال صحيفة «الثورة» و«اليمن الجديد»، وتبوأ مواقع في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب، ونقابة الصحفيين منذ التأسيس. اعتقلنا معاً في العام 1976، بسبب خطأ مطبعي في صحيفة «الثورة»، حينها كان ابن الحاج رئيساً للتحرير وكنت مدير التحرير، وأُطلِقنا لموقف الوزير الأستاذ يحيى العرشي الذي رفض العمل في الوزارة إلا بخروجنا؛ فخرجنا معاً من السجن ومن الصحيفة أيضاً، وكان الضغط لإبعادنا قوياً. يعرف الزميل محمود الحاج كل تفاصيل الاعتقال والتحقيقات وسخريتنا من خميس والعتمي حينها.

يمتلك محمود قلماً جباراً ومعرفة عميقة بالأدب والثقافة وحضوراً فاعلاً وحيَّاً في التأسيس للثقافة والأدب في اليمن شمالاً وجنوباً.

سيرة محمود الحاج العطرة وكفاءته ونزاهته وإخلاصه وإسهاماته الكبيرة على مدى عدة عقود، لم تشفع له في الحصول على منحة علاجية. فهو يعاني من أمراض أقعدته الفراش لأشهر عديدة. إنه جحود ما بعده جحود؛ فهذا الأديب والصحفي الكبير أفنى أزهى سنوات عمره مدافعاً عن الإبداع والحرية والتقدم. تولى مناصب ومواقع عديدة منها رئيساً لمؤسسة الثورة للصحافة والأنباء محتفظاً بالنزاهة ونقاء الضمير. لم ينحز للطغيان ولا للفساد ولا الاستبداد، وظل فقير الجيب، وغني الوجدان والضمير.

نناشد "الشرعية" وذوي الضمائر الحية في توفير منحة علاجية عاجلة وسريعة لرجل لا يمتلك في الحياة كلها غير مسلكه القويم، وعطائه الإبداعي منقطع النظير.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English