بإعلانها تقديم موعد اختبارات النقل المدرسي لنهاية الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الجاري 2020-2021، إلى يومي 27 مارس/ آذار (الأساسي)، و3 إبريل/ نيسان 2021 (الثانوي)، بدلًا عن تاريخ 5 يونيو/ حزيران، تكون وزارة التربية بصنعاء قد اقتطعت بذلك قرابة 60 يومًا من الأيام الدراسية المقرّة لهذا العام.
الأيام المستقطعة من الفصل الدراسي الثاني تكاد تتساوى مع إجمالي الأيام الدراسية المخصصة للفصل الدراسي ذاته والبالغة 60 يومًا، وفقًا لقرار الوزارة رقم 126 لسنة 2020، (وثيقة رقم 1)، وسط توقعات بتدني مستوى التحصيل، وإرباك أولياء الأمور، وتكرار أزمة استرداد رسوم المدارس الخاصة.
وزارة التربية والتعليم في صنعاء الخاضعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، أقرّت من جانبها باقتطاع 15 يومًا فقط من أيام الفصل الدراسي الثاني، محتسبةً فيما يبدو أيام الإجازات والعطل لهذا الفصل والبالغة 35 يومًا بما فيها شهر رمضان، ليظهر الفصل الدراسي -بهذه الحسبة- كما لو أنه اقتصر على فترة الاختبارات.
"كوفيد-19" يعصف بالتعليم
منذ ظهوره أواخر 2019، تسبب فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، في أضخم اضطراب تعليمي، وطال تأثيره نظمًا تعليمية برمتها حول العالم، غير أنّ تأثير الجائحة على قطاع التعليم في اليمن أشدّ وطأة بالنظر إلى عوامل عديدة متداخلة، مثل شحّة الكتاب المدرسي، وتوقف/تقطع صرف مرتبات المعلمين/ات، والانقسام السياسي والإداري الحاصل.
في 23 فبراير/ شباط الماضي أصدرت وزارة الصحة في الحكومة المعترف بها دوليًّا، تعميمًا (وثيقة رقم 2) لمدراء مكاتب الصحة في المحافظات الواقعة في نطاقها برفع الجاهزية لمواجهة موجة ثانية من فيروس كورونا المستجد cotid-19.
اختصرت القرارات الأخيرة التي فرضتها إجراءات الوقاية من فيروس كورونا عدد الأيام الدراسية للفصل الدراسي الثاني إلى 51 يومًا، ما يعادل 7 أسابيع تقريبًا، وبخصم يومي الإجازة الأسبوعية البالغ عددها 14 يومًا، يتبقى 37 يومًا فقط أيام دراسية افتراضية، ما يعني أنه أقصر فصل دراسي في تاريخ التعليم في اليمن
واستند التعميم إلى " التزايد الملحوظ في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد خلال الأيام القليلة الماضية في عدد من المحافظات"، موجهًا مدراء مكاتب الصحة برفع الجاهزية في جميع المرافق الصحية ومراكز العزل.
وبالمثل جاء تعميم وزارة الصحة بصنعاء (وثيقة رقم 3)، في 14 مارس/ آذار 2021، موجهًا مدراء مكاتب الصحة بالمحافظات، ومدراء المستشفيات الحكومية والخاصة، برفع الجاهزية والاستعداد لاستقبال حالات الالتهابات التنفسية، وخصوصًا كوفيد-19.
وأقرّ تعميم صحّة صنعاء بـ(ظهور بعض الحالات التي أظهرت نتائج الفحوصات المخبرية اشتباهها بفيروس كوفيد-19)، مطالبًا المستشفيات برفع جاهزية استقبال حالات الالتهابات التنفسية، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لحماية العاملين والكادر الطبي، وتوفير أدوات الحماية الشخصية والمعقمات اللازمة للوقاية من فيروس كورونا.
تعجيل مفاجئ لاختبارات النقل
انطلاقًا من مخاوف انتشار كوفيد-19 في أوساط الطلاب/ات في المدارس، جاء قرار وزارة التربية في صنعاء برقم 27 لسنة 2021، وتاريخ 17 مارس/ آذار، (وثيقة رقم 4)، ليقضي بتعديل التقويم المدرسي للعام الدراسي 2020-2021، والتعجيل باختبارات صفوف النقل الأساسي والثانوي، فيما أبقى مواعيد اختبارات الشهادة العامة كما هي.
وحسب وثيقة رسمية -حصلت "خيوط" على نسخة منها- فقد استند القرار إلى جملة من الحيثيات دونما التصريح علنًا بمخاوف كوفيد-19، مكتفيًا بالإشارة إلى أن القرار يأتي "تحقيقًا لمصلحة أبنائنا الطلاب والطالبات"، وتعميم سريانه على كافة مؤسسات التعليم الحكومية والأهلية، من تاريخ صدوره.
وبالفعل بدأت يوم السبت 27 مارس/ آذار2021، امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني في الصفوف 1-8 من المرحلة الأساسية، لعدد قرابة 2 مليون و900 ألف طالبًا/ـة، في المحافظات الواقعة في نطاق حكومة صنعاء، ولوحظ خلال التدشين الرسمي عدم تقيّد مسؤولي التربية بالإجراءات الاحترازية الافتراضية.
وقاية وإشكاليات
على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) يعلّق الوكيل السابق بوزارة التربية والتعليم، جميل علي الخالدي، بأن قرار تقديم موعد اختبارات صفوف النقل الأساسي والثانوي، هو في الأساس إجراء احترازي "من أجل سلامة أبنائنا".
ويرى الخالدي، أنّ القرار كان لا بدّ منه في ظل عودة الموجة الثانية لفيروس كورونا، مضيفًا: "يختبروا الآن أفضل من أن لا يختبروا"، متمنيًا السلامة للجميع.
في تعليقه على القرار يتساءل محمد الشجاع -ولي أمر 3 طلاب- ما إذا كان سيترتب على تقديم الاختبارات، تخفيض الرسوم في المدارس الأهلية، وقال لـ"خيوط" "إن هذا القرار سيحتاج إلى قرار لإعادة الرسوم الدراسية"، متوقعًا وقوع إشكاليات بين أولياء الأمور وإدارات المدارس الأهلية.
أقصر فصل دراسي
حسب بيانات التقويم الدراسي للعام 2020-2021، في صنعاء فقد بدأ الفصل الدراسي الثاني لجميع الفصول الدراسية صباح السبت 6 فبراير/ شباط 2021، ليفاجأ أولياء الأمور بقرار التربية في 17 مارس/ آذار (أي بعد 41 يومًا من تاريخ بدء الفصل الدراسي الثاني)، بتقديم موعد اختبارات ذات الفصل إلى 27 مارس/ آذار 2021.
بهذه الحسبة يكون عدد الأيام الدراسية للفصل الدراسي الثاني 51 يومًا، ما يعادل 7 أسابيع تقريبًا، وبخصم يومي الإجازة الأسبوعية البالغ عددها 14 يومًا، يتبقى 37 يومًا فقط أيام دراسية افتراضية، ما يعني أنه أقصر فصل دراسي في تاريخ التعليم في اليمن.
يشكو أولياء أمور طلاب من أن الفصل الدراسي الثاني أصبح شهرًا واحدًا فقط، فيما الرسوم دفعت كاملة، وهو ما يتطلب إصدار قرار إعفاء ملزم للمدارس الأهلية مصاحب لقرار تعديل التقويم المدرسي بنسبة تخفيض 30% من قيمة الرسوم
وزارة التربية بصنعاء كانت احتسبت من جانبها (قبل التعديل) الأيام الفعلية للعام الدراسي 2020/2021، بمعدل (253) يومًا دراسيًّا، (8 شهور)، توزعت على 130 يومًا أيام دارسة فعلية، 36 يومًا اختبارات، 78 يومًا إجازات وعطل، 9 أيام للتهيئة والتسجيل.
تضارب مواعيد الاختبارات
الأخصائي التربوي والموظف بتربية صنعاء، أحمد الجمل، يرى في حديثه لـ"خيوط"، بصوابية قرار تقديم موعد الامتحانات لجميع صفوف النقل، لكنه يشير إلى أنّ بعض المدارس الخاصة والحكومية بدأت الاختبارات الشهرية خلال الفترة من 25-28 مارس/ آذار 2021.
مفترضًا لمعالجة هذه الإشكالية إصدار قرار مسبق بإيقاف الامتحانات الشهرية، واحتساب درجات الشهر الماضي، وبما يمنح الطلاب/ات فرصة لالتقاط أنفاسهم/ن "ليس من امتحان شهري يدخل على امتحان نهائي".
ومن أولياء الأمور، يرى عبدالله عاطف في حديثه لـ"خيوط"، أن الفصل الدراسي الثاني أصبح شهرًا واحدًا فقط، فيما الرسوم دفعت كاملة، مفترضًا إصدار قرار إعفاء ملزم للمدارس الأهلية مصاحب لقرار تعديل التقويم المدرسي بنسبة تخفيض 30% من قيمة الرسوم.
ويتفق مع هذا الرأي المدرّسة بمكتب تربية صنعاء، أروى الرصاص، لكنها تكشف لـ"خيوط" عن إشكالية ثانية بالتعبير عن أملها في إلزام المدارس الأهلية بدفع مرتبات المدرسين/ات، لشهري ٤ و٥، وعدم الالتفاف على حقوق المدرسين/ات بحجة إنهاء العام الدراسي قبل أوانه.
احتجاز النتيجة حتى سداد الرسوم
توقعت وزارة التربية في صنعاء وقوع إشكاليات تعقيبًا على قرارها، فوجهت بتجريم حرمان "أي طالب من دخول الاختبارات مهما كانت الأسباب المتعلقة بالرسوم المدرسية".
وعلى عكس مطالب أولياء الأمور باستعادة/خفض الرسوم، جاء التعميم الرسمي (وثيقة رقم 5) -حصلت "خيوط" على نسخة منها- متجاهلًا هذه المطالب، ليمنح المدارس الحكومية والأهلية حق احتجاز نتيجة الاختبارات "حتى استكمال ما على أولياء الأمور من مستحقات مالية لها".
التعميم الموجه إلى مدراء مكاتب التربية في المحافظات، لفت إلى عدم تأثر مستحقات المعلمين والعاملين/ات بالمدارس، "كون العام الدراسي قد اكتمل ولم يستقطع منه سوى 15 يومًا للمصلحة العامة".
عبدالملك علي - المسؤول في إحدى المدارس الأهلية بصنعاء، يردّ من جانبه في حديث لـ"خيوط"، بالتعبير عن أمنياته بالنظر "للأمور من عدّة جهات وليس من جهة واحدة"، مذكّرًا بأن المدارس الأهلية تدفع إيجار سنة كاملة دون أي خصم، وقال: "من يتحدث عن الخصم يبحث عن الحلول المناسبة للجميع".
وفي تعليقه على قرار تقديم الاختبارات يتساءل الطالب بمدرسة معاذ بن جبل، علي حسان، "ما الذي درسناه؟ باقي لنا 3 وحدات"، مفترضًا كذلك إعلان المحذوفات بالتزامن مع قرار تقديم موعد الاختبارات، فيما يرى زميل له يقف بالجوار أنّ القرار موفق قائلًا: "بعد رمضان نكون قد نسينا المعلومات والدراسة في رمضان متعبة".
ويتوقع الخبير التربوي، على القارني، تدنّي مستوى التحصيل للطلاب/ات، "كلّ سنة يحذفون عليهم نصف المنهج لأسباب متعددة، منها كورونا"، مناشدًا في حديثه لـ"خيوط"، إدارات التربية إعادة النظر في "جيل كامل يتم اغتياله علميًّا، دون أن توضع حلول بديلة لتعويض النقص فيما تم حذفه من المناهج".
وفيما لا يعرف بالدقة عدد ضحايا كوفيد-19 في صنعاء، أعلنت لجنة مواجهة وباء كورونا في عدن، يوم الجمعة 26 مارس/ آذار الجاري تسجيل (84) إصابة جديدة بالفيروس، و(10) حالات وفاة، ليرتفع بذلك إجمالي الحالات المؤكدة إلى (3900) منها (820) وفاة و(1588) تعافٍ.
في سياق متصل بتداعيات الجائحة على قطاع التعليم عالميًّا، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شدد على ضرورة حماية التعليم باعتباره حقًّا أساسيًّا ومنفعة عامة عالمية، لتجنب وقوع كارثة تمس جيلًا كاملًا.
ومع دخول الجائحة عامها الثاني، دعت منظمة اليونسيف إلى عدم ادخار أي جهد لإبقاء المدارس مفتوحة، وأشارت المديرة التنفيذية لليونسيف هنرييتا فور، إلى أن "تكلفة إغلاق المدارس كانت مدمرة". إذ أثرت في ذروة حالات الإغلاق الوبائي على 90% من الطلاب في جميع أنحاء العالم.
وتوقعت اليونسيف مطلع العام الجاري ارتفاع عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بمقدار 24 مليونًا، وهو مستوى لم يشهده العالم منذ سنوات، مشددة أن "إغلاق المدارس يجب أن يكون آخر تدبير نلجأ إليه".
إذ تأثرت قدرة الأطفال على القراءة والكتابة وحلّ الرياضيات الأساسية، وهو ما يتطلب تجنب إغلاق المدارس على الصعيد الوطني كلما أمكن ذلك.
ودعت إلى أن تكون المدارس من بين أول ما يعاد فتحه بمجرد أن تبدأ السلطات في رفع القيود. وحثت على إعطاء الأولوية للدروس التكميلية لضمان عدم تخلف الأطفال الذين لم يتمكنوا من التعلم عن بعد، عن الركب.
وعقب إعادة فتح المدارس توصي منظمة اليونسكو بتوفير الظروف المناسبة للحد من انتقال الأمراض وتعزيز السلوك الصحي، وحثت على الممارسات التي تعوّض عن الوقت التعليمي الضائع.