مؤخرًا، رُفعت شعارات دعم الإنتاج وتشجيع الزراعة المحلية، عبر ما أُطلق عليه مشروع الزراعة التعاقدية، الذي ترعاه وزارة الزراعة والري في صنعاء الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، بالتعاون مع مجموعة من الشركات الاستثمارية وعدد من الجمعيات التعاونية الزراعية.
كان للثوم المحلي جزءٌ من هذا الاهتمام، حيث نُفّذت عددٌ من الحملات لتطوير قدرات ومهارات المزارعين قبل وأثناء زراعته، من خلال تقديم القروض البيضاء، والدعم والمساندة في أعمال الحراثة والحصاد وتوفير المبيدات والبذور والأسمدة لوقاية المحصول من الآفات الضارّة، فضلًا عن توفير المشتقات النفطية بالسعر الرسمي.
ضمن هذه المساعي، تعاقدت كلٌّ من جمعيات "البون الشمالي" وذيبين والجبل وخارف التعاونية الزراعية في محافظة عمران في سبتمبر/ أيلول 2022، مع مزارعين من تلك المناطق، على زراعة 1800 طن من محصول الثوم، وذلك عطفًا على اتفاق هذه الجمعيات مع إحدى الشركات الاستثمارية لشراء محصول الثوم المحلي، وَفقَ مواصفات مشروطة، إلّا أنّ الشركة أخلّت باتفاقها، بحسب إفادة هذه الجمعيات الموقّعة معها، لـ"خيوط".
يقول عبدالرحمن أبو ضربة، رئيس جمعية ذيبين التعاونية الزراعية، لـ"خيوط": "تم إنتاج محصول الثوم بالكمية وبالجودة المتفق عليها مع "شركة التلال"، بشهادة تقرير اللجنة المشكّلة من الشركة والجهات الرسمية المعنية في صنعاء، والتي كلفت بالاطلاع على مخازن الجمعيات وتقييم جودة المنتج، والذي أثبت مطابقة المحصول للمواصفات المحدّدة من قبل الشركة".
قامت الجمعيات بنقل 20 طنًّا من المنتج إلى مخازن الشركة بصنعاء، كمرحلة أولى، إلّا أنّ الشركة -بحسب أبو ضربة- رفضت استلام الكمية، معلِّلة ذلك بأنّ على الجمعيات تسويق المنتج على التجار مباشرةً، في تخلٍّ واضح عن مسؤوليتها في الوفاء بما وقّعت عليه في العقد.
في حين رفض التجار بدورهم، شراءَ المنتج، بحُجّة أنّ الجمعيات لم تتعاقد معهم، وأنّ شراء المنتج بموجب العقود من مهام الشركة، ولا علاقة للتجار بها.
من هنا بدأت معاناة المزارعين، بحسب مسؤولي الجمعيات الزراعية؛ ففي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، ومطلع يناير/ كانون الثاني 2023، كان المزارعون قد أوفوا بالتزاماتهم للجمعيات، التي بدورها بدأت في توريد ما يصلها من كميات الثوم أولًا بأول إلى مخازن الشركة في صنعاء، لكن الكميات تم رفضها.
وزارة الزراعة والري بصنعاء، بدورها، حدّدت 17 صنفًا، ضمن مشروع الزراعة التعاقدية عبر شركات أنشئت حديثًا متخصصة في الإنتاج الزراعي المحلي، والتي قامت بالتعاقد مع الجمعيات على إنتاج 1800 طن من محصول الثوم، بينما تقدّر بيانات زراعية وصولَ حجم الاستيراد من الثوم في العام 2021، إلى 13 طنًّا.
يقول منير المحبشي، مدير عام وحدة التسويق والتجارة بوزارة الزراعة والري في صنعاء، الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، لـ"خيوط"، إنّ الوزارة تعاقدت مع التجّار لاستيعاب الكمية في السوق المحلية، وَفقَ رؤية يتم خلالها خفض الاستيراد على مراحل.
إغراق السوق بالمستورد
يؤكّد لؤي عامر- مسؤول في اللجنة الزراعية والسمكية المنسقة للاتفاق بين الجمعيات والشركة المعنية، لـ"خيوط"، أنّ اللجنة نجحت عبر آلية التنسيق بين الأطراف، بتوقيع اتفاق بين الشركة والتجار في 2021، قضى بخفض الاستيراد الخارجي من الثوم بنسب تدريجية تبدأ بنحو 20% كمرحلة أولى.
على أنّ يتم في المرحلة الثانية استيعاب 50% من المنتج المحلي عن طريق الزراعة التعاقدية. بمقابل ذلك، تقوم الشركة والتجار بشراء هذه الكمية بالكامل.
كما نصّ الاتفاق على التزام الشركة بالتعاقد مع الجمعيات لتوفير كميات الثوم بموجب مواصفات لحجم الثوم؛ الدرجة الأولى (4-5سم) بسعر 1050 ريال للكيلوجرام، الثانية من (3-4سم) بسعر 900 ريال، والدرجة الثالثة (1-2سم) بسعر 600 ريال، وعلى ضوء ذلك، باشرت الجمعيات والمزارعين، وتحديدًا في شهر يناير/ كانون الثاني 2022، الإنتاجَ الزراعي بموجب ما تمّ الالتزام به في الاتفاق.
لكن اللجنة المنسقة للاتفاق كما ينوّه عامر، فوجئت بإغراق السوق بكمية مستوردة، قُدِّرت بنحو 7 آلاف طن من منتج الثوم الخارجي، تم استيرادها بتصريحات رسمية، صادرة من الجهات المختصة، بناء على طلب مقدم من الشركة المعنية (تلال اليمن) في خطوة لإغراق السوق بالثوم المستورد في التوقيت الذي يفترض فيه أن يكونوا مستعدين لاستلام وتسويق المحصول المحلي المتعاقد على إنتاجه مع الجمعيات والمزارعين المحليين.
من هنا بدأت معاناة المزارعين، بحسب مسؤولي الجمعيات الزراعية؛ ففي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، ومطلع يناير/ كانون الثاني 2023، كان المزارعون قد أوفوا بالتزاماتهم للجمعيات، التي بدورها بدأت في توريد ما يصلها من كميات الثوم أولًا بأول، إلى مخازن الشركة في صنعاء، لكن الكميات تم رفضها.
مبرّرات مع تفاقم الأزمة
بالمقابل، يوضح المدير التنفيذي لشركة "تلال اليمن"، محمد علي شاش، لـ"خيوط"، أنّ العقود وُقِّعت بين الجمعيات والتجّار مباشرة، وليس بين الشركة والجمعيات، مشيرًا إلى أنَّ ضمّ الشركة لهذا الاتفاق كان مجرد حضورٍ إشرافيّ ينظّم إجراءات البيع والاستلام بين الجمعيات والتجار، بينما تلزم الآلية التي تم بموجبها إنشاء الشركة، التجارَ بشراء كميات المنتج المحلي، لكن ليس من صلاحيتها توجيه التجّار للشراء من أيّ طرف.
وَفقَ شاش؛ هناك محضر اجتماع موقّع ضمّ التجار والجمعيات وطرفًا من اللجنة الزراعية، وهذا المحضر موقّع من قبل جميع الأطراف، نصّ على التزام التجار الذين يمثّلون خمس شركات استثمارية بشراء إجمالي ما يتم إنتاجه من الثوم المحلي، بواقع 1050 ريال عن كلّ كيلوجرام الحجم الكبير، و900 ريال عن كيلو جرام الحجم المتوسط، فيما تبلغ قيمة الكيلو الصغير 600 ريال، لكن تم إغراق السوق فجأة بالمستورد.
من جانبه، يحمّل التاجر عبدالله الحمادي وزارةَ الزراعة، مسؤوليةَ إغراق السوق المحلية بالثوم المستور، كونها سمحت للتجار بإدخال ثلاثة آلاف طن منه، كان آخرها في شهر ديسمبر/ كانون الأول سنة 2022، منوّهًا أنّ ما وصل منها حتى الآن 900 طن.
ويشير تجار إلى قيامهم بتنبيه وزارة الزراعة والري في صنعاء، والجهات المختصة، بمنع استيراد الثوم بصورة نهائية، كون الصنف المستورد في غير موسمه، ولأجل إنجاح الزراعة التعاقدية. يأتي ذلك بالرغم من قيام تجار بالاستيراد، لكن بكميات قليلة.
بدورها، سمحت وزارة الزراعة والري بصنعاء، باستيراد 7 أطنان من المحصول، في الوقت الذي يجري فيه حصاد المحصول المحلي، في حين لم يتجاوز الإنتاج المحلي 5 أطنان، إذ يرجع مدير عام وحدة التسويق والتجارة بالوزارة، أسباب ذلك لسدّ فجوة العرض والطلب في السوق المحلية، وذلك بالتوازي مع إيقاف تصاريح الاستيراد خلال 2023، والتواصل مع الأطراف المتعاقدة لإزالة الخلاف أو سوء الفهم بينهما، والتوافق على ما تم التعاقد عليه.
تحرير خيوط