مصر يا عرب، مصر يا عرب
قلناها أكثر من مرة؛ إن مصر فيما لو حصل ونجحت المؤامرات من كل ناحية يتحول العرب إلى أم ثكلى لا أم لهم، لكن الحاكم العربي لا يأبه لذلك، وقد علمنا التاريخ الحديث الذي نراه أن عرب البترول، ومن أجل عيون أسر، تعبث بمقدرات شعوبها، فتحس أن مصر وجيش مصر هما العقبة الكأداء في طريقها، فلا بد -والأمر كذلك- من إزاحتها وتحويلها إلى جمهورية موز لا تأثير لها.
مصر -يا سادة- تاريخ، تاريخ عظيم وعميق وعبدالناصر خير الشاهدين، عبدالناصر الذي لم يكن يعبث، بل كان يدرك ماذا تعني مصر لشعبها، لمن حولها، للأمة العربية وبقية الدوائر.
عندما أدرك ذلك وبدأ يخرج إلى الدوائر الثلاث، ضخوا أموالهم إلى جيب العم سام، وضخت وسائل إعلام العم سام في رؤوس الناس والسذج، منهم أن عبدالناصر له طموحات استعمارية.
عندما جاء المحامي محمد عبدالعزيز، رئيس فرع الوفد في القاهرة -إن لم تخني ذاكرتي- ممثلًا لحزب الوفد لزيارة صنعاء، ضمن وفد ضم ممثلًا لحزب العمل إبراهيم شكري والحزب الوطني، أثناء انعقاد المؤتمر الثالث للمؤتمر الشعبي العام، رافقتهم أنا وعبدالجليل الماوري وعبدالكريم عبدالإله.
ذهبنا بهم إلى مأرب، وهنا زرنا بهم مقبرة الشهداء المصريين والجندي المجهول لشهداء الجيش المصري العظيم في عصر -والذي يهمل الآن- وهناك من يحاول الإطاحة به، كما تمت الإطاحة بنصب الجندي المجهول لشهداء القوات المسلحة اليمنية في ميدان السبعين! وجلنا بهم الأسواق الشعبية، وذهبنا بها إلى المقايل، ليلتقوا بالناس مباشرة.
أدرك محمد علي وعبدالناصر أهمية التاريخ؛ لأنهما كانا قارئين جيدين للتاريخ، كان أمن مصر لا يزال هناك، يبدأ في سوريا وينتهي في باب المندب التي لعبت دورًا رئيسيًّا في انتصار أكتوبر 73
أذناي ظلتا مفتوحتين على ما يقوله المحامي محمد عبدالعزيز، الذي ظل يردد: "احتلال عبدالناصر لليمن"، كانت العبارة تستفزني جدًّا، لكن متطلبات الضيافة أجبرتني على الصمت، لكن الشارع فعل فعله، فحيث كنا والوفد نتواجد، كان الرجل للأمانة يسأل عن رأي معظم المتواجدين في مصر وجيشها وناصرها، فيجد جوابًا واحدًا لا ثاني له: "تعيش مصر"، و"لولا مصر وجيشها وناصرها ما انتصرت ثورة 26 سبتمبر الخالدة".
أكون أمينًا أن أقول إن الرجل وفي آخر أيام الزيارة، لاحظت أولًا أنه لم يعد يكرر ويقول تلك العبارة المستفزة، وقالها وقد طلب شخصيًّا زيارة مقبرة شهداء الجيش المصري مرة ثانية، قالها أمامنا جميعًا: "سأعود إلى مصر وأقول إن التواجد المصري في اليمن لم يكن احتلالًا، بل ضرورة قصوى". كم أحسست لحظتها بالراحة، إذ ليس من المعقول أن تهدر دماء رجال أبطال مسلمين وأقباط من جيش مصر جاؤوا ينصروك، فيأتي من يقول احتلوك لمجرد انتماء سياسي.
أدرك محمد علي وعبدالناصر أهمية التاريخ؛ لأنهما كانا قارئين جيدين للتاريخ، كان أمن مصر لا يزال هناك يبدأ في سوريا وينتهي في باب المندب، التي لعبت دورًا رئيسيًّا في انتصار أكتوبر73.
في اليمن أخرج الجيش المصري بذهب السعودية، وفي سيناء تم التآمر على الجيش المصري بذهبها، ولاحقًا دخلت الإمارات على الخط، وها هي الزفة مستمرة: الطاسة في تل أبيب، والبرعة في أبوظبي، والمزيكا في البحرين، وباقي الخليج باستثناء الكويت. أما قطر فتلعب على كل الحبال! وعمان لها أجندتها الخاصة والمفتوحة أوراقها بين ضفتي الخليج عربيًّا أو فارسيًّا!
الآن سد النهضة، والتي يراد به خنق مصر، مؤامرة كبيرة للخليج فيها دور تظهر ذهبه ودولاراته من خلال شركات هي غطاء لعبث عرب النفط والذهب.
في ليبيا لعبت الإمارات لعبتها، ولولا الأتراك لكنا رأينا أولاد زائد يعبث بها وبأمن مصر التي يراد حصارها من كل الاتجاهات.
الإمارات لعبت في تونس وظهرت لافتات تندد بها في مسيرات الشارع الجزائري، الإمارات وتحت يافطة العصرنة والعالمية تهيئ للعصر الإسرائيلي حماية للأسرة وتدميرًا للأمن القومي العربي الذي يمتد على الشواطئ من الكويت حتى الأطلسي. هم عُمي وظنوا أن أمريكا سترضى عنهم، ولم يدركوا أن ترامب وكوشنر سيذهبان، وأن أمريكا لها مصالحها، وإسرائيل من ضمن أدواتها. والآن تتبدل وتتغير قواعد الصراع، خاصة بعد حرب "الكوفيد" العالمية الثالثة.
الآن على مصر، وقد بدأت، أن تعود إلى روسيا وتمد يديها الاثنتين إلى الصين، وتعيد إحياء النفس القومي؛ فصنعاء لا تزال تقوم ولا تقعد لصورة لعبدالناصر، ولا تزال مصر حاضرة في الأذهان، والأمر كذلك في العالم العربي حتى الشارع الخليجي، خذ الشارقة مثلًا، وأن تعمل ما استطاعت على استرجاع سوريا ولبنان، وأن تفتح عينيها على ما يجري في السودان، فظاهر الأمر أن الإمارات تخشى طريق الحرير، لكن جموح السودان الرسمي باتجاه مالها قد يكون ثمنه مصريًّا. يكفي عواطف. الأمن العربي ينتهي بمصر ويبدأ بها، وأمنها أولًا واستقرارها.
على مصر أن تستعيد كويت العرب، وهي حاضرة، برغم ما ارتكبه العرب بحقها، وأولهم نحن! عرب النفط لا ينسون أن السفير الإسرائيلي، برغم مرور كل السنوات إلى اللحظة لا يعرف الشارع المصري، هذه هي مصر العرب.
الكويت لا تزال روحها قومية عربية، برغم متطلبات الجغرافيا، وهي مصر والجزائر والآن ليبيا وتونس خط سعيد ويمن واحد خط عربي قومي، يوفر الشروط أن تظل مصر قوية قادرة. على مصر أن تستعيد زمام المبادرة في لحظة يستعد العالم لصراعات نوعية غير التي عهدناها، وبالتالي ستوجد تحالفات انعكاسًا لضرورات الصراع، على مصر أن تجر ما بقي من العرب إلى العصر القادم بكل تفاصيله وصراعاته.
نقولها بالفم الملآن: ما لعرب النفط يتآمر على مصر العظيمة، التي نثق أنها ستنتصر؛ لأن التاريخ والجغرافيا يقولان بهذا.
حفظ الله مصر.