تأليف: فاديم تريشوف
ترجمها بتصرف: د. أحمد سنان
بدأ تاريخ الممتلكات البريطانية في جنوب شبه الجزيرة العربية في السنوات الأولى من عهد الملكة فيكتوريا. ففي عام 1839، وبهدف ضمان السيطرة على الطرق البحرية إلى الهند، استولى البريطانيون على عدن... (دعنا من قصة داريا دولت). بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، أصبحت "عدن الحدباء" التي أشاد بها كيبلينج، أهمَّ نقطة عبور في الطريق إلى الهند وإلى الشرق. وحتى عام 1937، كانت المدينة خاضعة لإدارة الهند البريطانية.
ومن أجل تأمين الميناء الهامّ، تم وبشكل تدريجيّ، إنشاء طوق حوله من عشرات المشيخات والإمارات والسلطنات، التي ارتضت بالحماية الإمبراطورية. وقد تم دمجها جميعًا في تكوينين، هما: محميات عدن الغربية، ومحميات عدن الشرقية. ومع ذلك، لم تكن درجة السيطرة البريطانية على المناطق الداخلية من الجنوب عالية على الإطلاق. ولكن الاستخدام النشط لـ"القصف المحظور" في الثلاثينيات والخمسينيات من القرن الماضي، جعل من الممكن إلى حدٍّ ما إبقاء القبائل المتمردة تحت السيطرة وتقييد مزاعم الإمام يحيى بهذه الأراضي.
ثم حانت المرحلة الحاسمة لزوال الاستعمار التي هيّأته حركة التحرر الوطني العالمية، وبدأ البريطانيون يحضّرون أنفسهم لذلك. وبعد عدة سنوات من المفاوضات الصعبة، في أبريل 1962، شكّلت محميات عدن الغربية دولة جديدة سميت: "اتحاد الجنوب العربي". وفي يناير 1963، انضمت إليها مستعمرة التاج عدن. وأصبح الحاكم البريطاني المفوض السامي، وشكّل الحكام الإقطاعيون المجلس الأعلى وتقاسموا المناصب الوزارية، وحينها ظهر جيش وشرطة (اتحاد الجنوب العربي).
لكن الدولة التي تم إنشاؤها، لم تحظَ بدعم مجموعات كبيرة من السكان. وتبيّن أنّ المعارضة تشكّلت في جوهرها من سكان عدن، خاصة المثقفين العدنيين، المشبعين بالأفكار القومية العربية والجمهورية وروح عبدالناصر، إضافة إلى العديد من زعماء القبائل.
كانت للإطاحة بالنظام الملكي في شمال اليمن في سبتمبر 1962، ووصول القوات المصرية لمساعدة الجمهوريين، دورٌ في تغيير الوضع في الجنوب بشكل كبير. وقد صرّح الزعيم جمال عبدالناصر في تجمّع حاشد في صنعاء: "نؤمن أنّ الله سيُعيننا على طرد البريطانيين من جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية".
ساحة المعركة - عدن
أشار عبدالفتاح إسماعيل، الذي قاد حرب العصابات الحضرية للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، إلى أنّ "البريطانيين يمكن أن يتجاهلوا القتال في الجبال لسنوات. لكنهم لم يستطيعوا تجاهل ما كان يحدث في عدن". الحقيقة هي أنّ عدن في الستينيات كانت ميناءً دوليًّا رئيسيًّا، ومركزًا لتكرير النفط.
ولدت المدينة في فوهة بركان خامد، حيث كانت تقع في ظل جبل شمسان، حي كريتر العربي، وشكّلت متاهة حقيقية من الشوارع الضيقة، تحدّها الجبال من ثلاث جهات، والبحر من الرابعة. إلى الغرب، على الجانب الآخر من جبل شمسان، تقع "المدينة الأوروبية"، Steamer Point، هنا كانت الإدارة البريطانية. من "ستيمر بوينت"، اتجه الطريق شرقًا على طول الساحل الشمالي لشبه الجزيرة، عبر التواهي، منطقة التسوق الرئيسية في المدينة مع ميناء وحي عربي. يقع معسكر ردفان العسكري الضخم، القاعدة الرئيسية للجيش البريطاني في جنوب شبه الجزيرة العربية.
كما شملت عدن منطقة "عدن الصغرى"، على الجانب الآخر من الميناء، نشأت حول مصفاة البترول البريطانية التي بنيت بعد الحرب العالمية الثانية. وإلى جانبها ثكنات مشاة البحرية.
عملت وحدات الجيش البريطاني (ثلاث كتائب مشاة) في عدن على مدار ستة أشهر. كانت جزءًا من لواء المشاة المنفصل الرابع والعشرين، المسمى "العدني". تمركزت فرقة الكوماندوز الخامسة والأربعون من مشاة البحرية الملكية بشكل دائم في القاعدة، في عدن الصغرى. كما تمركز أسراب من أفواج الفرسان هناك، لدعم المشاة إذا لزم الأمر بعرباتهم المدرعة "صلاح الدين" و"فريت".
حرب العصابات الحضرية
كان على الجيش البريطاني في عدن أن يواجه لأول مرة حرب العصابات الحديثة في بيئة حضرية. وكان إلقاء القنابل اليدوية على الدوريات شكلًا شائعًا من أشكال التمرّد الذي يقاتل ضد المحتلين. منذ منتصف عام 1966، تم استبدال قنابل المطاحن البريطانية، التي ترك البريطانيون مخزونًا كبيرًا منها للمصريين عند مغادرتهم السويس، بالقنابل السوفييتية "ليمونكا"F-1، والصينية "النوع 42" (نسخة من السوفيتيةRG -42 ).
و(تنامت حدة النضال) في عام 1964، ضد البريطانيين، واستخدمت بشكل نشط قذائف الهاون المصنوعة من أنابيب المياه التي يمكن التخلص منها، والطريقة الأخرى التي قاتلت بها الجبهة القومية في عدن كانت استهداف المسؤولين البريطانيين، بادئ ذي بَدء، شنّ المتمردون حملة لتدمير القسم الخاص لشرطة عدن. كتب عبدالفتاح إسماعيل فيما بعد أنّ هذا "كان شرطًا ضروريًّا لتطوير نضالنا". في هذه المواجهات استُخدمت تكتيكات متعددة أحدثت التأثير المنشود: "فقد أُصيبت أنشطة المخابرات البريطانية في عدن بالشلل التام".
في صباح يوم 4 سبتمبر 1965، قتل مسلحو الجبهة القومية رئيسَ القسم الخاص البريطاني، هاري باري، بإطلاق النار على سيارته في أحد أزقة كريتر. وبعد خمسة أيام، تُوفِّي آرثر تشارلز، رئيس الهيئة التشريعية في عدن وعضو اللجنة العليا للخدمة المدنية. وبعد بضعة أيام، توقفت الرئيسة المستقبلية لجهاز Mi-5، ستيلا ريمنجتون في عدن، وكانت تمرّ من هنا في طريقها (للعمل) في السفارة البريطانية في الهند. لقد شعَرَت بالفزع من الرعب الذي ساد بين البريطانيين المحليين، الذين أدركوا أنّ أيًّا منهم يمكن أن يصبح الضحية التالية للجبهة القومية: "سوف يطلقون النار علينا مثل الكلاب".
لقد نفّذ الجنود البريطانيون بشكل دوري مداهمات بحثًا عن مخابئ الأسلحة. وتم القبض على المشتبه بهم بشكل جماعي، واقتِيدوا إلى سجن المنصورة ومركز الاستجواب في رأس مربط. وسرعان ما أصبحت أساليب الاستجواب التي يستخدمها الجيش البريطاني في هذه المراكز موضع انتقادات حادّة من منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي.
اشتدت الانتقادات بعد نشر مقابلة مع عسكري بريطاني في فبراير 1966، حيث تحدث العريف جورج لينوكس لصحيفة "صنداي تايمز"، عمّا حدث في المراكز؛ من الضرب الوحشي للسجناء، والاستهزاء بهم، والدماء التي تُنزف من الخراطيم في الفناء. اضطرت الحكومة إلى تعيين تحقيق برلماني، لكن السلطات رفضت السماح للخبراء المستقلين بدخول مراكز الاحتجاز.
وردًّا على الانتقادات، أمرت القيادة البريطانية في خريف عام 1966، الجيش "بمحاولة اللحاق بـ"الإرهابي" والقبض عليه حيًّا في حالة إلقاء قنابل يدوية عليهم، وعدم إطلاق النار عليه. للقيام بذلك، كان عليهم أن يشقوا طريقهم عبر الحشد الذي تجمع على الفور في مكان الحادث.
ثم بدأت الوحدات البريطانية في كريتر والشيخ عثمان منذ عام 1966، بتنفيذ "عمليات سرية". فتم إنشاء "وحدات خاصة" في كتائب المشاة، كان أعضاؤها متنكرين بزي العرب ومسلحين بمدافع رشاشة من طراز براوننج أو ستيرلنج 9 ملم، يصطادون المسلحين في الأزقة الضيقة ليلًا، ويحاولون العثور على مخابئ الأسلحة.
فشلت القوات الخاصة التي كانت تحاول تعقّب "فرق القتل التابعة للجبهة القومية" التي نفّذت هجمات بارزة، وعملت في مجموعات من 2-3 أفراد، متنكرين بزي العرب. كانت المشكلة أنه (فقد التنسيق بينه) وبين وحدات المشاة النظامية. وفي عدة مناسبات، اعتقلت الدوريات البريطانية الكوماندوز، واعتقدت خطأ أنّهم من السكان المحليين "المشبوهين". وفي ليلة 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1966، في الشيخ عثمان، فتحت دورية تابعة -لتلك القوات- النار على مجموعة من "العرب المسلحين" اتضح أنّهم مقاتلون من "الوحدة الخاصة".
في 28 فبراير 1967، أظهر مقاتلو الجبهة القومية عدم فعالية المخابرات البريطانية بتفجير قنبلة في حفل الاستخبارات في المعلا. حيث قُتلت امرأتان، بما في ذلك زوجة رئيس محطةMi-5 .
"وايت هول" على الرمال
إلى جانب القتال ضد الثوار، حاولت السلطات البريطانية، برئاسة المفوض السامي ريتشارد تورنبول، الملقب بـ"ماو ماو هامر"، إنشاء دولة جديدة. في المؤتمر الدستوري الذي عُقد في لندن في يونيو 1964، أُعلن أنّ اتحاد الجنوب العربي سيحصل على الاستقلال بحلول عام 1968. ومع ذلك، ستلتزم الدولة الجديدة باتفاقية دفاعية مع بريطانيا العظمى، وستبقى قاعدة عسكرية بريطانية في عدن، لكن تغيير السلطة في لندن أدّى إلى تغيير هذه الخطط.
وعلى عكس التصريحات السابقة حول الحفاظ على القاعدة العسكرية في عدن، فقد تقرّر أن تغادر القوات البريطانية أراضيها بالكامل. وتخلّت بريطانيا، التي كانت تمرّ بظروف مالية صعبة، عن فكرة تحويل عدن إلى "غوانتانامو بريطانيّ".
"قانون أرغيل" في كريتر
انتشرت (الأخبار) بأنّ البريطانيين كانوا يستعدون لعملية لنزع سلاح القطاعات غير الموثوقة من جيش وشرطة اتحاد الجنوب العربي. وانتفض بعضهم في 20 يونيو 1967. وأصبحت كريتر تحت سيطرة مقاتلي الجبهة القومية والشرطة المتمردة. وخلال النهار خسر البريطانيون 22 جنديًّا وجُرح 27. لقد كانت أحداث كريتر بمثابة صدمة لبريطانيا بأكملها.
في الأشهر الأخيرة من الوجود البريطاني، كان من المقرر أن تسيطر على كريتر إحدى الوحدات الإسكُتلندية اللامعة في الجيش البريطاني- الكتيبة الأولى من أرغيل وساذرلاند هايلاندرز المقنعة، والتي سُجّلت في التاريخ على أنّها "خط أحمر رفيع". كان يقودها المقدم كولن كامبل ميتشل، الذي قاتل سابقًا في إيطاليا وفلسطين وكوريا وقبرص. (زار ميتشل) عدن أكثر من مرة، وتوصل إلى نتيجة مفادها أنّ (أداء) القوات كان غير فعّال: "أداء لواء عدن كان "ردعًا" كلاسيكيًّا، ولم يضمن هجومًا حقيقيًّا أو دفاعًا مضمونًا".
وكرئيس للكتيبة في أوائل عام 1967، شرع ميتشل على الفور في العمل على إعداد الوحدة لعمليات حرب العصابات المضادة في المناطق الحضرية. في7 يونيو 1967، وفي خضم حرب يونيو التي هزت الشرق الأوسط، وصلت طليعة الأرغيلين.
ناقش السياسيون والعسكريون ما يجب القيام به بعد ذلك. وأصرّ ميتشل على أنّ إعادة احتلال مدينة كريتر في وقت مبكر سيكون السبيل الوحيد لبقاء اتحاد الجنوب العربي على قيد الحياة. وإذا لم يحصل الخونة على ما يستحقونه، فيمكن وضع حدٍّ للاتحاد. نتيجة لذلك، تمكّنَ من إقناع وكسب المفوض السامي إلى جانبه. وقد وافقت شرطة عدن على العودة إلى موقعها قبل 20 يونيو، ولكن بشرط ألا يتعرّض أيٌّ من رجال الشرطة لأي عقوبة.
في ليلة 3/4 يوليو، دخل الأرغيليون، بدعم المدرعات "صلاح الدين" والسرب Aمن التنانين الملكية، مدينة كريتر. وظهرت ثلاثون نقطة تفتيش في المنطقة، معززة بكتل خرسانية وأكياس الرمل. وأغلقت مواقع المدافع الرشاشة عند نقاط التفتيش في الشوارع الرئيسية. وازداد عدد الدوريات بشكل ملحوظ. الآن تمت مرافقة سيارات لاندروفر العسكرية مدرعات "صلاح الدين" و"فريت"، أولًا حرس دراغون، ثم فرسان الملكة. كما تم تسيير دوريات راجلة نشطة. وأمر ميتشل على وجه التحديد الدوريات الراجلة بالتحرك في وسط الشوارع، ووبّخ مرؤوسيه إذا رأى أنّهم كانوا يلتصقون بجدران المنازل.
قال المقدم للصحفيين: "يجب أن يعرف (الإرهابيون) أنّ المدينة لديها الآن قانون". واخترع الصحفيون بسرعة اسم Argyle Law" " لقواعد ميتشل. لم يكن لميتشل الحق في فرض حظر تجول. و(لكنه) أخبر السكان ببساطة من خلال الشرطة العربية، أنّه من الساعة 7 مساءً حتى 7 صباحًا يجب ألّا يخرجوا. وخلاف ذلك، سوف يطلق الأرغيليون النار دون سابق إنذار.
كما أمر ميتشل بعدم تشغيل أضواء الشوارع. وبعد أيام قليلة أمرت السلطات بإعادة الإضاءة الليلية. تم تشغيلها لفترة قصيرة، يومان كانا كافيَين للأرغيليين لإطلاق النار على الفوانيس. وتم فرض حظر على مصابيح السيارات الأمامية عالية الشعاع: لأنّها أعاقت رجال الدوريات (...) وبنفس الطريقة -تمت الرماية على عجلات السيارات- تم أيضًا حظر استخدام أبواق السيارات. وأعلن ميتشل لضبّاطه أنّه عند الهجوم عليهم، فإنّهم ملزمون بمهاجمة العدو دون انتظار الأوامر من أعلى: "إذا لم يكن لديك ذخيرة، فانتقل إلى استخدام الحربة". و(ردًّا على ذلك كثف) الثوار إلقاء القنابل اليدوية وقذائف الهاون. في 14 أكتوبر، استخدموا لأول مرة تكتيك تفجير السيارات المتوقفة بجوار دوريات أرغيل، (فزادت خسائر البريطانيين).
الجلاء
منذ صيف 1967، نقل البريطانيون مسؤوليةَ الأمن في جميع أنحاء اتحاد الجنوب العربي خارج عدن إلى السلطات الفيدرالية. ومع انسحاب القوات البريطانية، سيطرت الجبهة القومية على المشيخات والإمارات والسلطنات الواحدة تلو الأخرى. طار معظم الحكام الإقطاعيين إلى أوروبا أو دول أخرى دون انتظار ظهور الثوار. وحدث انهيار لهيكل الدولة السابق بسرعة وبأقل قدر من إراقة الدماء. وانتقلت قطاعات من الجيش والشرطة والمسؤولين في الأغلبية الساحقة إلى جانب الجبهة القومية. وبحلول أوائل سبتمبر، استولت الجبهة القومية على جميع أراضي اتحاد الجنوب العربي، باستثناء بيحان والعوالق، التي كانت تسيطر عليها جبهة التحرير المناهضة لها.
في 5 سبتمبر/ أيلول، اعترف المفوض السامي تريفليان، بحقيقة أنّ "الاتحاد في حالة تفكّك". وأعلن البريطانيون عن استعدادهم للتفاوض مع كل الجماعات باستثناء "الإرهابيين" من الجبهة القومية. ومع ذلك، فشلت محاولات تجميع أي هياكل قابلة للحياة من بقايا اتحاد الجنوب وجبهة التحرير.
وبحلول نهاية سبتمبر، غادرت القوات البريطانية المناطق الواقعة شمال قاعدة خور مكسر الجوية. وأصبحت المنصورة والشيخ عثمان على الفور مسرحًا للصراع بين الجبهة القومية والتحرير، الذي انتهى بحلول 7 نوفمبر بانتصار الأولى. وفي اليوم نفسه، أعلنت قيادة الجيش الاتحادي أنّها ستنضم إلى الجبهة القومية. في صباح يوم 8 نوفمبر 1967، أعلنت الجبهة القومية هدنة لمدة ثلاثة أسابيع كبادرة حسن نية. وتوقفت الهجمات على البريطانيين.
في 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، اعترفت الحكومة البريطانية بالجبهة القومية باعتبارها "السلطة القائمة" في أراضي جنوب الجزيرة العربية، ووافقت على التفاوض. وقد انعقدت المفاوضات في الفترة من 21 إلى 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 في جنيف. مثَّلَ بريطانيا الوزير بلا حقيبة، اللورد إدوارد شاكلتون(1).
بحلول هذا الوقت، كانت عملية سحب القوات البريطانية من عدن، وهي الأكبر منذ أزمة السويس عام 1956، تجري على قدم وساق. ولتغطية الانسحاب، تم تأسيس التشكيل التكتيكي 318 تحت قيادة الأدميرال إدوارد أشمور. شمل التشكيل القوات الرئيسية للبحرية الملكية. ووصلت سفنه من أجزاء مختلفة من الإمبراطورية السابقة. وغادرت بريطانيا في 7 سبتمبر حاملة طائرات الهليكوبتر "ألبيون" سي 42، وعلى متنها فرقة كوماندوز مشاة البحرية. وبسبب إغلاق قناة السويس، اضطرت إلى التجول في إفريقيا، ولم تصل عدن إلا في 12 أكتوبر. وغادرت حاملة الطائرات (إيجل) وحاملة طائرات الهليكوبتر الهجومية "Bulwark" سنغافورة في 23 أكتوبر، ووصلت إلى المدينة في أوائل نوفمبر. وفي الوقت نفسه، وصلت حاملة الطائرات "هيرميس" من هونغ كونغ. واقتربت من الخليج العربي أحدث سفن الإنزال Fearless and Intrepid.
في 25 أكتوبر 1967، بدأ انسحاب القوات البريطانية، كل 20-30 دقيقة، أقلعت طائرة بريطانية جديدة من طراز C-130 Hercules من خور مكسر، لنقل ما يصل إلى 75 شخصًا و10 أطنان من البضائع إلى البحرين. وهناك، تم نقل الجنود إلى الباخرة BC-10 أو بريتانيا، التي كانت متجهة إلى ديارها.
و(قبيل رحيلها قررت قوات الاحتلال عدم) ترك مخزونات الأسلحة الضخمة والذخيرة وغيرها من المعدات العسكرية، التي تم إحضارها إلى عدن في العقود الأخيرة مع تراجع الإمبراطورية، التي لم يكن من الممكن سوى أخذ جزء صغير منها عن طريق السفن. فتم تدمير كل شيء آخر من قبل المهندسين الملكيين. وأغرقت سيارات اللاند روفر والأسلحة في الخليج. وتم إحراق الوثائق في اللجنة العليا.
في 7 نوفمبر، غادرت آخر "هنتر" من سلاح الجو الملكي خور مكسر متوجهة إلى الشارقة. بعد ذلك، انتقلت السيطرة على المجال الجوي لعدن إلى الأسطول البحري. وكانت كلٌّ من "القراصنة"، وثعالب البحر "Sea Vixens" و"Needle" و "Wessexes"و "Albion"و "Bulwark"تحلّق في الجو طوال اليوم، وتقوم بدوريات نشطة في المنطقة.
(ثم غادرت بقية القوات تباعًا) فرقة الكوماندوز 42 من مشاة البحرية التي كانت تؤمن محيط مطار خور مكسر. ظلت في مواقعها حتى منتصف يوم 29 نوفمبر، (ثم) غادرت آخر طائرة وكانت تقل المفوض السامي تريفيليان واللواء فيليب تاور، قائد القوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط. (أمّا) آخر من غادر المدينة قائد الكوماندوز 42، المقدم داي مورغان. وعادت جميع الطائرات والمروحيات إلى سفنها. في 29 نوفمبر 1967، وتوجّهت الوحدة 318 إلى الجنوب الشرقي.
في صباح يوم 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، توجهت قيادة الجبهة القومية برئاسة قحطان الشعبي من جنيف إلى عدن. وقوبلوا في خور مكسر بالأعلام الحمراء والسوداء والبيضاء للدولة الجديدة، جمهورية جنوب اليمن الشعبية، وهي ترفرف.
قال العسكريون البريطانيون بصراحة: "ركضنا نجر أذيالنا"، وحاول رئيس الوزراء ويلسون تقديم الانسحاب من عدن على أنه انتصار. وأعلن للبلاد، مقلدًا تشرشل بعد دونكيرك: "الآن نحن وحدنا". وتعني: بريطانيا أولًا.
ويعترف المؤرخون البريطانيون المعاصرون بأن انتصار الجبهة القومية في جنوب اليمن "كان الانتصار الوحيد في تاريخ الاستعمار البريطاني الذي ألحق مثل هذه الهزيمة بالجيش البريطاني والدولة البريطانية".
هوامش:
(1) في النظام البريطاني فإنّ الوزير بلا حقيبة هو بمثابة الجوكر في ورق اللعب، فهو يلي رئيس الوزراء ويقوم بمهمات استثنائية، لا يُكلف بها الوزراء العاديون- المترجم.
(2) النقط وما بين الأقواس للمترجم.
(3) مصدر المقال: https://warspot.ru/10572-poslednyaya-kolonialnaya-voyna-britanii-aden