كلمات: أحمد رحيم بومهدي
ألحان: محمد مرشد ناجي
غناء: أمل كعدل
قليلة جدًّا هي أعمال التعاون الفني بين الشاعر أحمد رحيم بومهدي والفنان محمد مرشد ناجي، ومن هذه الأعمال أغنية (لقيت يا امّاه)، التي لحّنها وغنّاها أول مرة المرشدي، ثم قدّمها للفنانة أمل كعدل التي حقّقت بها رواجًا كبيرًا، وتلقّفها بعد ذلك العديد من الفنانين الشبان، ومنهم هاجر نعمان التي أعادت تقديمها بصوتها الفتي.
تقول كلمات الأغنية:
لقيت يا امّاه ذي سالت دموعي عليه
ريته يجي عندنا (طارش) وبحلف عليه
بامُدّ له ثوبي الغالي ويجلس عليه
ريته يقع دهن في رأسي وامردد عليه
والا يقع كحل في عيني واغمِّض عليه
والا يقع خاتم اليُمْنَى واقبّض عليه
يا ريتني الّا سحابة دوب اظلل عليه
من لفحة الشمس باغطيه واحافظ عليه
يا امّاه ما تصدقي إني حريصة عليه
ما يهمني قول من يحسد ويحقد عليه
لو يطلب الروح يا امّاه مش كثيرة عليه
هو معترف بي وانا وكلت أمري إليه
هو كل آمالي ومهما انتو جُرْتوا عليه
يزداد حبي واعجابي وشوقي إليه(*)
الأغنية بصوت المرشدي:
عن الفنانة
تبقى الفنّانة أمل كعدل، واحدةً من أهم أصوات الغناء النسوي في تاريخ اليمن. صمودها القوي لأكثر من خمسة عقود يجعل منها مكافحة كبرى، عملت على إيصال رسالتها العظيمة في أقسى الظروف في جنوب اليمن وشماله. أمرُ الاهتمام بها وهي اليوم على فراش المرض، واجبٌ أخلاقيّ ووطنيّ، من قبل المؤسسة الرسمية، وقبل ذلك من قطاعات المجتمع المختلفة التي أطربتها وعبّرت عنها أمل سنوات طويلة.
تقول الفنّانة أمل أنّها من أسرة ذات جذور فلاحية فقيرة وقاسية، وكانت لها جدة مكافِحة تُنفق على أربع أُسر، وكانت هذه الجدة منذ المساء تقوم بعجن المقصقص الحالي (فطائر معجونة بالماء، من الدقيق والبيض والسكر، وتنضج بالزيت، ويسمى أيضًا بالخمير)، ثم تصحو في الثانية بعد منتصف الليل لتحضيره، ثم تُنهِض حفيدتها أمل، التي لم يكن يتجاوز عمرها الخامسة، وتحملها زنبيل المقصقص لإيصاله إلى (مقهى القميري) بالقرب من مكتب مأمور الشيخ عثمان (الشوكي) قبل خروج المصلين من المساجد، وتجلس جوار بائعي الخمير لبيع محصول الجدة حتى السادسة قبل أن تعود للبيت، وبقيت تقوم بهذه المهمة حتى دخولها المدرسة وهي في السابعة من العمر.
شهدت المدرسة الابتدائية في الشيخ عثمان منطلق مشوارها الفنّي، حينما كانت تقلّد أصوات الفنّانين في حفلات المدرسة، قبل أن يقدّمها الإذاعي الراحل علوي السقاف في برنامج المواهب في تلفزيون عدن، وغنّت فيها أغنية المرشدي المعروفة (دار الفلك دار)(*).
وحين صارت طالبة في الثانوية، قدّمها الإعلامي الراحل عبدالقادر خضر، في برنامج مسابقات كان يحكِّم فيه الفنّان الراحل محمد سعد عبدالله وسعيد عولقي وآخرون، حيث غنّت في البرنامج أغنيتين من ألحان الفنّان أنور مصلح، هما: "أهل الهوى"، و"مش لوحدك"، وقد اختيرت بوصفها أفضل صوت واعد حينها.
اختارها بعد ذلك الموسيقار الكبير أحمد قاسم لمشاركته دويتو أغنية "الوحدة اليمنية"، وقدّمها للجمهور بذات كيفية تقديمه لصباح منصر ورجاء باسودان وأم الخير عجمي، أوائل الستينيات في فريق أطلق عليه (فريق الثلاثي اللطيف)، بموازاة فريق آخر تشكّل في مدينة الشيخ عثمان برعاية من الفنّان سعيد عبدالله الشعوي، وأطلق عليه اسم (الثلاثي اللامع)، وتكوّن من الفنّانات الشابات: نادية عبدالله، أسمهان عبدالعزيز، ومنيرة شمسان.
اشتركت أمل كعدل في بداية حضورها مع الراحل الكبير محمد مرشد ناجي في أداء أغنية "بامعك"، وهي التي أطلقتها في عالم الغناء بصوتٍ شابٍّ قويٍّ متعافٍ. (بامعك بامعك يا حبيبي وخلِّي/ بامعك بامعك نارك ولا جنة أهلي/ شلني يا حبيبي إلى حيث باتظلي/ حطني وسط ثوبك طير بي وعلِّي/ فك قلبك لقلبي يا حَسيِن القِبالي/ اسقني المرّ من كاسك وباقول حالي).
لتأتي بعدها مرحلة معهد الفنون وتكوين الفرق الفنية، لتصير أمل كعدل واحدة من الأصوات الأساسية والرائدة في فرقة إنشاد عدن، التي شكّلتها وزارة الثقافة، إلى جانب فرقة وزارة الداخلية التي كانت تعمل فيها الفنّانة، وكانت الفرقة الأخيرة تستقطب العديد من الفنّانين المعروفين للتعاون معها في إنجاح الحفلات في المناسبات الوطنية والأعياد الموسمية، كما تقول.
لعبت أمّها، ذات الجذور اللحجية، دورَ المدرسة الأولى في تحبيبها بالفنّ والطرب، حين كانت تشدو أمامها بعديدٍ من الأغاني والألحان الشعبية المشهورة أثناء مزاولتها أعمال المنزل، لكن تبقى أغنية "مرايا الشوق" التي كتب كلماتها الشاعر الراحل القرشي عبدالرحيم سلام، ولحّنها الموسيقار أحمد بن غوذل، أهمَّ أغنية صريحة لها، بعيدًا عن الإنشاد الجماعي الذي كانت تقدّمه مع الفرقة الرئيسية.
الأغنية بصوت الفنانة أمل كعدل:
عن الملحن
عمل الفنان الراحل محمد مرشد ناجي أكثر من ستة عقود، على التأصيل للفن اليمنيّ بكل ألوانه، وغنّى لمعظم شعرائه الروّاد، لهذا عرفته اليمن بسهولها وجبالها ومدنها وقراها، غنَّى للإنسان والأرض والثورة والعشاق، أطرب وأرقص ونوَّر وثوّر.
لم يكتفِ بالتلحين والغناء، بل نظر للفنّ وألوانه، وهو الذي حُرم من منحةٍ لدراسة الموسيقى لأسباب سياسية اتصلت بمواقفه الوطنية المناهِضة للاستعمار.
غنَّى من اللون اليافعي قصيدة "يحيى عمر قال يا طرفي لمَه تسهر"، وغنّى من اللون البدوي قصيدة أحمد الجابري "على مسيري على مسيري أَلَا بسم الله الرحمن".
هو أحد الملهمين الكبار للون الغنائي التعزي بخصوصيه الحجرية حين غنّى باكرًا للدكتور سعيد الشيباني "يا نجم يا سامر"، ثم لأحمد الجابري "أخضر جهيش مليان"، وعبدالله سلام ناجي "قطفت لك كاذي الصباح بكمّه"، وسلطان الصريمي قصيدة السياسية "نشوان".
وغنّى باللون اللحجي الكثير، ومنها رائعتَا الشاعر عبدالله هادي سبيت: "يا بن الناس حبيتك"، و"لا وَين أنا لا وَين".
وهو أولًا وقبل كل شيء، أحد مجدِّدي اللون الغنائي العدني، حين غنّى الكثير من قصائد لطفي جعفر أمان والجرادة وغيرهما. إنه باختصار، المرشدي الصوت الذي تقطَّرت اليمن في ألحانه وغنائه، ولهذا سيبقى صوتًا صدّاحًا خالدًا.
عن الشاعر
أحمد رحيم بومهدي، من مواليد مدينة الشحر، في العام 1936، وتُوفِّي بعدن 1997، شاعر وباحث ومؤلف، ارتبط بشكلٍ مباشر بالفنّان محمد صالح عزاني، الذي شكّل معه ثنائيًّا فنيًّا وغنّى له: "يا أهل ذا الساكن"، "شلني يا دريول"، "ألا يا طير يا الاخضر"، "ظن أني نسيته"، وأنشودة "بلادي"، وغيرها من الأغاني.
وغنَّى ولحّن للشاعر بومهدي عديدٌ من الفنانين، منهم: محمد مرشد ناجي، في رائعته (لقيت يا امّاه، ذي سالت دموعي عليه)، وعوض المسلمي (هب لك)، وكرامة مرسال (ما عرفنا لك قياس)، ومحمد محسن عطروش (برضك حبيبي)، وفتحية الصغيرة (ربنا با يصلح الشأن)، وعوض أحمد (يا سعد قلبين)، وتعرف أيضًا باسم (بالله شلوا)، وعبدالكريم توفيق (كيف يصفى لك)، وعصام خليدي (منتظر لك)، و(اعشق وصالك) وغيرهما، ونجيب سعيد ثابت (يخلف الميعاد)، و(زهرة الجُلَّاس)، وأنور مبارك (اطمئن أنت حبيبي)، ونوال حسين (الحلو يتمخطر)، و(تقول لي إننا غلطان)، وفضل كريدي (مشتاق لك)، وغيرهم من المطربين.
____________
(*) موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، دائرة التوجيه المعنوي، 2005، الجزء الأول، ص203.