قرر عبدالله محمد، مع تراكم مبالغ الإيجارات الشهرية التي عجز عن دفعها، بعد الاتفاق مع مالك العقار، مغادرةَ المنزل الذي كان يستأجره، مقابل إعفائه عن دفعها.
بعد مغادرته ظل لفترة طويلة يبحث عن مكان مناسب للسكن في بعض الأحياء بصنعاء، إلا أنه لم يجد المكان المناسب له من حيث الإيجارات المرتفعة بشكل كبير، لا سيما أنه أصبح معتمدًا على الدخل اليومي، منذ حوالي أكثر من خمس سنوات بعد أن تخلت عنه إحدى الشركات الدولية التي أوقفت نشطاها وغادرت اليمن بسبب الحرب الدائرة منذ العام 2015.
يقول محمد في حديثه لـ"خيوط"، إنه ظل فترة كبيرة يبحث عن سكن بسعر مناسب له، وفي النهاية وجد منذ حوالي عام ونصف دكانًا صغيرًا (محلًّا) في حي الزراعة وسط العاصمة صنعاء مقابل 25 ألف ريال، ولا يتجاوز مساحته 6 أمتار طولًا على 4 أمتار عرضًا دون أي منافذ للتهوية أو حماية للخصوصية، ويتبع هذا الدكان حمام صغير لا تتجاوز مساحته 2×2 متر.
عمل محمد الذي يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد، إلى تقسيم هذا المحل إلى مساحات صغيرة جدًّا، منها مساحة خصصها للطبخ، وأخرى للنوم والراحة وتناول الطعام.
مساكن غير صالحة
أدت أزمة السكن التي تشهدها صنعاء ومدن أخرى في اليمن منذ بداية الصراع القائم إلى تفاقم حال المواطنين المستأجرين، لا سيما الموظفين المدنيين، والفئات محدودة الدخل، والذين لم يكونوا يتوقعون الوضعية الصعبة التي وصلوا إليها، وأصبح عليهم مواجهتها بعد تراكم الإيجارات عليهم والتي وصلت في معظم الأحيان إلى طردهم من قبل ملاك العقارات والمساكن.
أدى ذلك إلى زيادة الطلب من قبل هؤلاء الناس على المحال الشعبية و"الدكاكين" في حارات صنعاء، وهي في العادة مناطق غير صالحة للسكن الآدمي.
زيادة الطلب على هذه "الدكاكين" من أجل السكن، أدى إلى إقدام بعض ملاكها إلى رفع إيجاراتها، في استغلال واضح لحاجة الناس دون أي مراعاة لما يمر به المستأجر من ظروف إنسانية صعبة تجبرهم للرضوخ لطلبات ملاك هذه المحال والدكاكين.
وإلى ما قبل الحرب كانت هذه الأماكن تستخدم في معظم الأحيان كمخازن للتجار أو سكنًا للناس الأشد فقرًا، في حالات قليلة، وقد تحولت الآن إلى مساكن تقطنها كثير من الأسر، لا سيما الفقيرة والمعدمة والنازحة من مناطق أخرى تشهد توترات واشتباكات في إطار الحرب الدائرة في اليمن.
وتفتقر هذه المحال و"الدكاكين" لأبسط قواعد السكن الآدمي، ويعود ذلك إلى هشاشتها في معظم الأحيان، وإلى الطريقة البدائية في بنائها، إذ إن نسبة كبيرة منها مبنية بطرق شعبية.
يقول محمد المسعودي وهو مهندس معماري، في حديثه لـ"خيوط": "إن هذه الدكاكين مبنية في الأساس لأغراض تجارية بدائية ومعظمها قديمة، حيث إنها تعتمد على التهوية من خلال بابها الكبير فقط، وتصبح مكانًا غير صالح للحياة عندما تغلق أبوابها".
ويشير إلى أن الحياة والازدحام داخل هذه الأماكن يؤثر بشكل كبير على القاطنين بداخلها، إذ إن نسبة الهواء تقل بعد إغلاق الأبواب، تبعًا لعدد الأشخاص الموجودين داخل هذه الأماكن، ما يعرضهم للإصابة بأمراض كثيرة، خصوصًا أمراض الجهاز التنفسي والهوائي وغيرها.
استغلال حاجة الناس
زيادة الطلب على هذه "الدكاكين" من أجل السكن، أدى إلى إقدام بعض ملاكها إلى رفع إيجاراتها، في استغلال واضح لحاجة الناس دون أي مراعاة لما يمر به المستأجر من ظروف إنسانية صعبة تجبرهم للرضوخ لطلبات ملاك هذه المحال والدكاكين.
المواطن سعد علي، في الأربعينيات من عمره، استطاع الهروب وأسرته من جحيم الحرب في مدينة الحديدة نهاية العام 2018، لكنه وصل إلى جحيم آخر في صنعاء.
يؤكد لـ"خيوط"، أنه لم يجد مكانًا للسكن عندما وصل مع أسرته نازحًا إلى صنعاء، ولم يكن له أي أقارب يلجأ إليهم، فقرر السكن في "دكان" صغير في حي مذبح شمال غرب العاصمة اليمنية.
يشير إلى أنه منذ ذلك الحين لم يجد أي مكان آخر للسكن سوى المحل الذي استقر به بداية الأمر، مرجعًا السبب إلى ارتفاع أسعار الإيجارات إلى مستويات قياسية، في حين يعجز عن توفير القوت الضروري لأفراد أسرته، فكيف يستطيع أن يوفر إيجار شهر لمنزل مناسب.
بحسب حديث سعد علي، فإن المؤجر طلب منه 23 ألف ريال إيجارًا للمحل الذي يسكنه، إلا أنه بعد جهد شاق ومفاوضات وافق على تخفيض المبلغ إلى 18 ألف ريال، لكنه يهدده بالطرد إلى الشارع في حال لم يتم دفع الإيجار بداية كل شهر.
وأصبح سعر المحل الذي كان يتم تأجيره بحوالي 5 آلاف ريال، يؤجر حاليًّا بأكثر من 20 ألف، في أماكن تنعدم فيها أبسط الخدمات العامة من كهرباء ومياه وصرف صحي.
ريان الأكوع مالك مكتب عقاري يؤكد لـ"خيوط"، أن هناك أسرًا كثيرة تطلب منه البحث عن أماكن سكنية مقابل إيجارات بسيطة، ولا يتوفر سوى هذه المحلات والتي تتناسب مع ما قد تدفعه من إيجار.
أوضاع مأساوية
ويعيش اليمنيون أوضاعًا صعبة بسبب الصراع الدائر في البلاد، مع وصول وضعية الكثير إلى الفقر المدقع، وقد بات هناك 80% من السكان بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، وتعيش الكثير من الأسر حالة إنسانية صعبة، إذ تشهد اليمن أسوأ حالة إنسانية في العالم، حسب توصيف الأمم المتحدة.
وألقت الحرب بتبعاتها على هؤلاء البسطاء وحولت حياتهم إلى جحيم، لا سيما بعد موجة النزوح الجماعية التي استقبلتها صنعاء منذ العام 2017، حيث استقبلت صنعاء أكثر من نصف مليون نازح حسب الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث بأمانة العاصمة في العام 2019، من الحديدة وتعز وصعدة والجوف ومناطق أخرى، ما أدى إلى زيادة الطلب على منازل الإيجارات، أدى إلى أسعار الشقق والمنازل السكنية.