لم يدر بخلد عقيل علي عبدالرحيم، مدير مدرسة "التربة" للتعليم الأساسي، في مضاربة لحج، أنّ حلمه الذي بناه على مدى سنوات طويلة في العمل كمعلم، سيتلاشى بمجرد دخوله أول مدرسة عقب توظيفه في العام 2011، بعد عودته من رحلة الاغتراب بالمملكة العربية السعودية .
مدير المدرسة والمعلم المتخصص في تدريس مادة الأحياء، وهو خريج كلية التربية بطور الباحة، تحقّق حلمه بعد سنوات من الانتظار ليعود من بلد الاغتراب راسمًا في ذهنه انتهاء المعاناة، وأنّ الوظيفة الحكومية ستحقّق له الاستقرار في وطنه وبجوار أسرته.
لم يكترث فور توظيفه بمرتبة البالغ 40 ألف ريال، فكان يرى أنّ بعضًا من الامتيازات التي حرم منها مع مجموعة من زملائه الموظفين في تلك الدفعة، سيجدها بمرور الزمن، لكن سنة بعد أخرى انقضت حتى بلغ الصبر منتهاه.
تخفيف عبء المعيشة
يقود عقيل حاليًّا أعرق مدرسة في المضاربة بلحج، التي يعود تأسيسها للعام 1956، وبعد أن يكمل يومه الدراسي، ينتقل إلى معمل صغير لصناعة المواد الخرسانية، والتي يعمل بها بعد عودته من المدرسة كي تساعده في تحسين وضعه، فمرتبه الثابت يعجز عن توفير متطلبات احتياجات أسرته المعيشية اليومية.
يوضح ناصر غازي الذي يعمل كمعلم في المدارس الحكومية منذ نحو 5 أعوام، أنّ الوظيفة التي انتظرها 23 عامًا لا توفر احتياجات أسرته المعيشية لمدة أسبوع واحد، حيث وصل إلى قناعة باستحالة تسوية الوضع خلال فترة الحرب والصراع الدائر في اليمن.
يقول عقيل لـ"خيوط"، إنّ الوعود التي لم يتم الوفاء بها، أجبرته على العمل في هذا المصنع رغم مشقة العمل وارتفاع أسعار مواد البناء، من أجل تسيير أمور أسرته، فجهد ما يقرب من عقد من إدارة مدرسة، لم يحقق له أدنى عيش كريمٍ يحلم به.
ويستغرب عقيل من الجهات التي تهاجم المعلم الذي صمد في ظل هذه الفترة الصعبة التي يمرّ بها الوطن، في وقت لم يصمد فيه أحد على مرتب زهيد أو منقطع، وغلاء أجهز على أسر المعلمين وفرضَ عليهم البحث عن أعمال أخرى تسهم في تخفيف عبء المعيشة.
الأجيال في خطر
لا يختلف وضع زميل عقيل، معلّم اللغة العربية في مدرسة "التربة" التابعة لمنطقة المضاربة بلحج (جنوب اليمن)، ناصر غازي، الذي يقضي ساعات اليوم إلى جانب المدرسة في التنقل تارة في جمع "النايس" (نوع من الصخور المستخدمة في البناء)، وتارة أخرى في حمل "البلك" (نوع من أحجار البناء المنتجة من الأسمنت). غير أنّه مؤخرًا أصبح متفرغًا لمثل هذه الأعمال التي يمارسها بعد أن أبلغ إدارة مدرسته بالبحث عن بديل له، بالنظر إلى المبلغ الزهيد الذي يتقاضاه كراتب من عمله في التدريس، والبالغ 30 ألف ريال.
يقول غازي لـ"خيوط"، إنّ الراتب الزهيد لا يكفي شيئًا لإطعام أطفاله وأسرته الكبيرة التي يصل عددها إلى 10 أفراد، لذا قرر مغادرة القاعات الدراسية بحثًا عن العيش الأفضل، في ظل ظروف معيشة صعبة وحرجة.
يوضح ناصر غازي، الذي يعمل كمعلم في المدارس الحكومية منذ نحو 5 أعوام، أنّ الوظيفة التي انتظرها 23 عامًا، لا توفر احتياجات أسرته المعيشية لمدة أسبوع واحد، حيث وصل إلى قناعة باستحالة تسوية الوضع خلال فترة الحرب والصراع الدائر في اليمن، إذ إنّ الحصول -وفق حديثه- على ما يقارب 100 ألف ريال شهريًّا في عمل شاق يسهم في إطعام أطفاله وأسرته أفضل من 30 ألف، والذي يؤكّد أنه طوال سنوات العمل في المدرسة، يستلم هذا المبلغ ويقوم بتسليمه مقابل ما عليه من دين للبقالة (المتجر الخاص ببيع المواد الغذائية).
ويستغرب غازي من العلاوات التي تعِد بها الحكومة معلمي الدولة؛ كونها لا تحقق كذلك أي استقرار، فأغلب المعلمين تتفاوت علاواتهم بين (7000-18000) ريال، وهو مبلغ ضئيل للغاية، مقارنة بالأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار؛ لذا فإنّ الحل من وجهة نظره يتمثل في صرف بدل غلاء المعيشة أو سلة غذائية تشجّع المعلّم على العطاء والاستمرار وإنقاذ أجيال المستقبل.