تعاني فئة المهمشين في المجتمع اليمني، وضعًا مأساويًّا صعبًا، لا سيما أنّها تعد أدنى طبقة في سلّم التراتب الاجتماعي المتخلف، وتواجه هذه الفئة صنوف الاستغلال والفقر من الطبقات الأعلى حسب ذات التراتب، وتضاعفت معاناتهم في سنوات الحرب جراء تردي الأوضاع الاقتصادية في البلد بشكل عام، واستغلال الكثير منهم من قبل أطراف النزاع الدائر في البلد المتشظي منذ تسعة أعوام، وذهب طرف بعينه إلى سبغ تسمية عنصرية عليهم، وتجنيدهم بألوية عسكرية تحمل هذه التسمية للدفاع عن مشروعه الابتلاعي.
مهن شاقة بعوائد بخسة
على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة عن عدد المهمشين في اليمن، فإن إحصاء للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا كشفَ عدد المهمشين في اليمن بما يزيد على ثلاثة ملايين وخمس مئة ألف نسمة، يتوزعون في مختلف محافظات البلاد، وكانوا قبل ثلاثة عقود يتوزعون على كل المناطق الشافعية ويطلق عليهم السكانُ تسميةَ (الأخدام)، وكان يقابلهم في المناطق الزيدية والهضبة العليا لليمن فئة مهمشة يطلق عليها اسم (المزاينة)، غير أنّ التداخل والهجرة والنزوح قادت إلى توزع كلا الفئتين على المحافظات اليمنية.
يمارس المهمشون مهنًا ثانوية متدنية المردود وشاقة الجهد، من خلال العمل في الحَمَالة للأشياء الثقيلة أو حياكة (العزف) وصناعة الحصير من سعف النخيل، ويعمل طيف منهم في خرز وترتيق الأحذية، والغالبية العظمى منهم يعملون بالأجر اليومي (متعاقدون) لدى أقسام وجهات النظافة في المرافق الحكومية أو الخاصة، في ظل حرمانهم من التوظيف الحكومي الدائم.
نهار كامل يساوي (7$)
على مدى 12 ساعة وفي أجواء شديدة الحرارة، يقضي (مثنى عامر) ساعات يومية في بسطة صغيرة على الرصيف أمام أحد محلات مدينة الحوطة عاصمة لحج، ويقوم بترميم وإصلاح الأحذية البالية والحقائب وغيرها.
لا عمل آخر ولا راتب ينتظره غير ما تبذله يده في هذه المهنة التي يستنكفها الكثيرون، مقابل القليل من المال الذي يبقى هو الآخر مشكلة، كون معظم المتعاملين معه هم من بسطاء الناس وفقرائهم، والذين يعيشون حالة الفاقة ذاتها. المبالغ التي يتحصل عليها، كما يقول، لا تساوي حالة الإرهاق والتركيز الذي يبذله ولا تغطي تكاليف شراء المواد الأولية مثل الخيوط والأصباغ، ومثل هذا الدخل المتدني ينفقه على أسرة كبيرة، تنتظر كل ليلة ما ستجود به عطاياه القليلة عليهم وعلى احتياجات المنزل.
يقول مثنى لـ"خيوط"، أنه يشعر بالرضا من دخله المتواضع، لأنه أفضل ألف مرة من التسول، أو الطلب من الناس قضاء حوائجه. وعن دخله اليومي، قال أن متوسط دخله اليومي يساوي 10 آلاف ريال يمني بسعر صرف عدن (7 دولارات)، ينفق نصفه على احتياجاته الشخصية من مأكل ومشرب واحتياجات خاصة، كونه يقضي كل نهاره في السوق، ولا يعود لمسكنه إلا ليلًا.
محمد المضربي، مهمّش في الستينيات من عمره، يعتمد في مصدر دخله على قطع الأشجار وصناعة أنواع بسيطة من الحصير المنزلي والمكانس من شجر النخيل، ليقوم ببيعها، لكنه يبيعها بأسعار متدنية أو بخسة، كما يقول لـ"خيوط"، من أجل توفير لقمة العيش.
تعد الأعراس متنفسًا لبعض المهمشين أو من يسمّون بـ"الأخدام"، لزيادة دخولهم الشحيحة، حيث يقومون بضرب المرافع والدفوف وآلات الإيقاع البدائية في طقوس الأعراس ببعض الأرياف، وتقوم المهمشات بالغناء والرقص في ذات الأعراس والحفلات نظير الحصول على بعض الهبات التي يقوم بتوزيعها بعض المشاركين في الشرح (الرقص) من وضع بعض المال في أوانٍ معدنية أو أغطية قماشية يتقاسمه في نهاية العرس المهمّشون المشاركون بحسب تقديرات كبيرهم.
لا يذهب بمنتجه إلى الأسواق، ولكنه يعتمد على ما يطلبه الزبائن من منتوجاته البسيطة، وهذا العمل ليس دائمًا، لكنه خياره الوحيد في الوقت الراهن في الكفاح من أجل لقمة العيش. وتتراوح أسعار الحصير بين (2000-3000) ريال، والمكانس بين (200-500) ريال، والأَسِرّة الخشبية 6000 ريال، لكن لا تحقق هذه المداخيل له أي شيء غير تغطية بعض المتطلبات، في ظل الغلاء وتآكل أسعار العملة.
الأعراس هي المتنفس
تعدّ الأعراس متنفسًا لبعض المهمشين أو من يسمّون بـ"الأخدام"، لزيادة دخولهم الشحيحة، حيث يقومون بضرب المرافع والدفوف وآلات الإيقاع البدائية في طقوس الأعراس ببعض الأرياف، وتقوم المهمشات بالغناء والرقص في ذات الأعراس والحفلات نظير الحصول على بعض الهبات التي يقوم بتوزيعها بعض المشاركين في الشرح (الرقص) من وضع بعض المال في أوانٍ معدنية أو أغطية قماشية، يتقاسمه في نهاية العرس المهمشون المشاركون بحسب تقديرات كبيرهم.
النظافة والعتالة
سعيد مخرز، مهمش متعاقد منذ ثماني سنوات في صندوق النظافة في الحوطة، يقوم بواسطة هذه الوظيفة بأعمال النظافة في شوارع مدينة الحوطة.
يقول مخرز لـ"خيوط"، أنه ينتظر التثبيت الدائم في الوظيفة؛ لأنّ الراتب التعاقدي زهيد لا يساعده على توفير متطلبات أسرته، وهو ما دفعه للعمل حمّالا (عتالًا) لبضائع المحال التجارية في المدينة إلى جانب عمله، مقابل الحصول على مبالغ زهيدة تساعده على مجاراة أعباء الحياة اليومية التي تزداد ضراوة، كما قال.