بين حيطان المنزل، على سرير الموت، يقضي سيف حسن (أحد سكان منطقة الصريح بمحافظة لحج)، ما تبقَّى من حياته المؤلمة، بعد إصابته بورمٍ في قدمه اليمنى، لتتحوّل حياته وحياة أسرته لجحيم لا يطاق، بسبب إصابته بالسرطان، الذي زادته الظروف المعيشية الصعبة تعقيدًا ومرارة.
يحكي سيف حسن، جانبًا من معاناته، لـ"خيوط"، قائلًا: "بعد إصابتي بوَرم في القدم، انحدرت حياتي كليًّا للأسوأ، إذ عجزت عن توفير القوت اليوميّ لأسرتي المكونة من ثلاثة أبناء وأمّهم وأنا".
يضيف: "كنتُ أعمل قبل إصابتي في رَعي الأغنام، مقابل مبلغٍ ضئيلٍ من المال، أحفظ به كرامتي وكرامة أسرتي، أمّا الآن وبعد إصابتي، بتُّ لا أستطيع الاستمرار في الرَّعْي؛ الأمر الذي جعل الحال يقصر تمامًا عن توفير أي شيءٍ مهما كان بسيطًا، حتى العلاج لا أستطيع شراءه".
وتقول منظمة الصحة العالمية، إنّ الأمراض المزمنة، مسؤولة عن 57% من إجمالي الوَفَيَات في اليمن. ويؤثِّر السرطان على جميع الفئات العمرية في البلاد، بنسبة 60% ممّن تبلغ أعمارهم ما بين 30 إلى 60 عامًا، في الوقت الذي تعدّ فيه الوقاية من السرطان أمرًا أساسيًّا.
وباء متفشٍّ
أصبح السرطان يشكّل تهديدًا على الآلاف من سكان منطقة الصريح الواقعة في محافظة لحج، على بعد 120كم شمالًا من مركز المحافظة، مئات المواطنين أصيبوا بالسرطان، وسطَ عجز الجميع عن فهم واستيعاب أسباب تفشي وانتشار هذه الظاهرة.
الدكتور علي صالح- مدير الوحدة الصحية في منطقة الصريح، يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ عشرات المواطنين من أبناء منطقة الصريح بمحافظة لحج، أصيبوا بالسرطان، ما جعل من هذا الانتشار الغريب قضيةً تشغل الأهالي، ومحيّرة للأطباء والمجتمع.
ويكشف صالح عن تجاوز عدد حالات الإصابة بالسرطان في هذه المنطقة، (30) حالة معظمها فارق الحياة، توّزعت بين أورام في المبايض والغدد والرحم، وأماكن أخرى.
كما تنتشر أكثر هذه الإصابات بين أوساط النساء، حيث تُوفِّيَت بعضُ هذه الحالات أثناء تلقّيها العلاج، بينما البعض الآخر توفّيَت في منازلها لعدم قدرتها على دفع تكاليف العلاج والجرع المطلوبة.
بحسب مدير الوحدة الصحية في منطقة الصريح، فإنّ الأمر يستدعي بالضرورة، نزولَ فريقٍ ميدانيّ خاص للتعرف على هذه الظاهرة الغريبة، بهدف استكشاف الأسباب وراء توسّعها، لحثّ الأهالي على اتخاذ التدابير الضرورية للوقاية منه.
ويستطرد في شرح الأوضاع الصعبة لهؤلاء المرضى بالقول؛ إنّ "معظم المصابين يعيشون دون عمل أو يتقاضون -في أحسن الأحوال- أجورًا محدودة، وهو ما يُفاقم من تدهور أوضاعهم الصحية، خاصة في ظلّ غياب الدعم الحكومي وشحة وجود خيّرين".
وبالرغم من افتقار الوحدة الصحية في منطقة الصريح لأبسط الإمكانيات والأجهزة الطبية، فإنّها ساهمت في إرشاد العديد من الأشخاص المشتبه إصابتهم بالسرطان، إلى سرعة الذهاب إلى الأماكن المخصصة، للكشف المبكّر، كما يفيد صالح.
هذا وكان أهالي منطقة الصريح، قد ناشدوا مكتب الصحة في المحافظة، ووزارة الصحة، بالنزول للاطلاع والبحث عن أسباب انتشار هذا المرض، وعمل دراسات، ومتابعة الوضع المقلِق؛ لمعرفة كيفية مجابهة هذا المرض أو الحدّ من تفشيه.
انتشار ونقص في الإمكانيات
يقدّر عدد سكان منطقة الصريح التابعة لمحافظة لحج، بنحو 250 نسمة، جُلّهم يعتمدون بشكلٍ رئيس على الزراعة والرعي، خاصة رعي الإبل والأبقار، في حين يعتمدون على الشرب من مياه الآبار والبرك.
وبحسب منظمة الصحة العالمية؛ لا ينبغي أن يعد السرطان بمثابة عقوبة إعدام، لكنّه في اليمن أصبح كذلك، فالكثير من اليمنيين لا يستطيعون تحمّل تكاليف العلاج، ويضطرّون للبقاء في منازلهم دون علاج، في انتظار الموت الذي قد يوقف آلامهم.
ويعاني حوالي 35000 مريضٍ بالسرطان في اليمن، وَفقَ "الصحة العالمية"، بزيادة تُقدّر بحوالي 20% عمّا قبل الحرب، منهم أكثر من 1000 طفل؛ أي ما يقارب 12% من 11000 حالة جديدة يتم تشخيصها كلَّ عام في البلاد.
ويؤكِّد المركز الوطني لعلاج الأورام في عدن، أنّ عدد الحالات التي استقبلها المركز منذ إنشائه، بلغت 78 ألف حالة، منها 37 ألف حالة خلال السنوات القليلة الماضية.
وتشكو الجهات والمؤسسات المعنية بمرضى السرطان في اليمن، من نقصٍ حادّ للأدوية الخاصة بعلاج مرضى السرطان، التي لا تتوافر في الأسواق المحلية، وخاصة الأدوية الموجّهة والكيماوية.