يُعدّ الاهتمام بالتعليم الوصفةَ السحرية للنهوض بالمجتمعات والارتقاء بالشعوب، إلّا أنّ التحديات التي تواجه هذا القطاع في اليمن أبطلت سحر الوصفة وزادت الوضع تعقيدًا.
نظرًا لفقر المحتوى العربي علميًّا، باتت اللغة الإنجليزية أوسع انتشارًا في الدول العربية، ووُجدت المدارس والجامعات التي تتبنّى اللغة الإنجليزية فقط في أنظمتها التعليمية، لكن اللغة الأولى عالميًّا تُصنَّف الأخيرة في قائمة اهتمامات وزارة التربية والتعليم اليمنية.
"بعض الأزمنة وشيءٌ من أسماء الحيوانات وأنواع الخضار والفاكهة، هي كل حصيلتي من المدرسة"، وَفقَ حديث أيمن الشجاع (20 عامًا)، لـ"خيوط"، مضيفًا: "أردت الحصول على شهادة التوفل، حتى يتسنّى لي التقديم على منحة دراسية، لكن القدر أراد شيئًا آخر".
معلم بديل
يقول محمد، طالب ثانوية، أنه يتقاسم مصروفه الشهري مع معلم بديل للغة الإنجليزية؛ كونه لا يتوفر معلم أساسي في مدرسته في منطقة الحوبان شرق تعز، وذلك مقابل حصة واحدة أسبوعيًّا.
تشترط بعض المؤسسات والمنظمات إجادةَ اللغة الإنجليزية على المتقدمين إلى العمل لديها، ممّا يقصي أصحاب الخبرات من أن يحظوا بما يتاح من هذه الفرص.
أمّا معلمة اللغة الإنجليزية، مرام أمين (اسم مستعار)، تبرر لـ"خيوط"، انقطاعها عن مزاولة التدريس، بإصابة ابنتها بطلق ناري إثر إحدى المواجهات المسلحة، واضطرارها للسفر إلى العاصمة صنعاء لعلاجها.
وتضيف بالقول، أنّها ملزمة بدفع مبلغٍ من راتبها الشهري بشكل دوري لمدير المدرسة، بحجّة المعلم البديل، نظرًا لعدم قدرتها على التنقّل إلى مدينة تعز.
وقد جاء في تقرير لمنظمة اليونيسف، أنّ الهيكل التعليمي في اليمن يواجه مزيدًا من العوائق تتمثّل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، وانقطاع كثيرٍ منهم عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى مدِرّة للدخل.
عوائق
يلجأ الكثير من خريجي الثانوية العامة إلى الالتحاق بمعاهد تعليم اللغة الإنجليزية، بغية الحصول على منح دراسية أو لتجاوز اختبارات القَبول في الجامعات اليمنية، لكن اختبار تحديد المستوى يشكّل عائقًا أمام البعض، وهذا ما تؤكّده صابرين محمود، مسؤولة التسجيل في معهدٍ خاص للغات، في حديثها لـ"خيوط"، حيث إنّ الكثير من الخريجين المتقدِّمين للمعهد لا يستطيعون تجاوز الدورة الأولى.
وتقول: "نرسل البعض إلى معاهد تقدّم دورات في كيفية كتابة حروف الأبجدية الإنجليزية، كون نظام المعهد لا يقدِّم دورات تحت الصفر".
صعوبة في التعليم
يعتبر قسم اللغة الإنجليزية، بكلية الآداب- جامعة تعز، الأكثر إقبالًا مقارنة ببقية الأقسام، وَفقَ حديث الدكتورة هدى سيف، رئيسة قسم اللغة الإنجليزية بالكلية، إلّا أنّ ذلك لا يعني سوى إشراك الكادر التعليمي بالصعوبات التي يعاني منها الطالب، والتي منشؤُها المدرسة.
تجد سيف صعوبةً بالغة في تغطية بعض المناهج؛ بسبب الفروقات الفردية الكبيرة التي يعاني منها الطلبة، وترى أنّ تأسيس الطلبة على أيدي معلمين غير مؤهلين وعدم اهتمام إدارات بعض المدارس باللغة الإنجليزية، أسبابٌ رئيسية لضعف مستوى الطلبة المنتسبين، مضيفة لـ"خيوط": "بمجرد أن ينقضي نصف العام الدراسي الأول، يتقلّص عدد الطلاب إلى النصف، بين متسرب وراسب"، تواصل: "بعض الطلبة يرسبون بكافة المقررات، وبدرجات لا تكاد تذكر".
تشترط بعض المؤسسات والمنظمات إجادة اللغة الإنجليزية على المتقدمين إلى العمل لديها، ممّا يقصي أصحاب الخبرات من أن يحظوا بما يتاح من هذه الفرص.
في هذا الصدد، يقول سليم الجرادي، حاصل على الشهادة الجامعية، لـ"خيوط": "كنت قاب قوسين من أن أحظى بفرصة عمل لدى إحدى المنظمات الأهلية، لكن يبدو أنّ أحد المجيدين للغة الإنجليزية كان أقرب مني".
لم يخسر سليم فرصة العمل هذه فقط، بل خسر أيضًا الرغبة في التقدّم لدى أيّ جهة أخرى تشترط احتراف اللغة الإنجليزية رغم مهاراته وخبراته الأخرى التي تميزه عن غيره.
تبعات وخيمة للجهل بمتطلبات سوق العمل وأهمية اللغة الإنجليزية، تبدأ من على كرسي المدرسة، وتنمو مع الشباب خلال مسيرتهم، لكنّها تحرمهم فرصًا علمية ومهنية كثيرة، قد تغيّر من وضعهم ووضع هذا البلد.