لعلكم تتذكرون تلك اللقطة المعبرة والتي تم تداولها كثيرًا، اللقطة لطفلين يسيران في اتجاهين متعاكسين؛ أحدهم يرافق والده وعلى كتفه رشاش كلاشينكوف يكاد يلمس الأرض لقصر قامته، والطفل الآخر يحمل كتبه المدرسية وينظر مستغربًا للآخر محملًا سلاحه!
علقت على اللقطة بما يفيد استنكاري أن يحمل الآخر سلاحًا يفوق قدرته، حتى على استيعاب المعنى لحمل السلاح! وغيري كثيرون قالوا ما قلت، مستنكرين، وأجمعوا على أن مكانه في ذلك السن الروضة والأول ابتدائي. إحداهن غردت خارج السرب: "بل إن لقطة طفل السلاح، هي ما نريده لأطفالنا"، لم أستغرب تعليقها، لغرض في نفسها، تريد أن تدفع الأخريات للسير بأطفالهن عليه !
لم تدرك تلك الأخت، أنه عندما يحمل السلاح بدون وعي فقد يقتل الحياة، عكس الذي يحمل السلاح بوعي فيدري كيف ولماذا يدافع عن وطن. ستدخل في جدل عقيم لو طرحت الأمر للنقاش، ببساطة لأن ثقافة السلاح تغلبت أولًا وأخيرًا على كل ما يتصل بالحرف، فصار حاصل القلم غريبًا بين أهله.
ذلك يجرّنا إلى أهم ما يشكل وعي الطفل اليمني، وبالتالي الوعي العام، بمآلات أدت إلى أن شيخ الدنيا وشيخ الآخرة ظلا واقفين حجر عثرة في وجه قانون تنظيم حمل وحيازة السلاح والذي قد عششت بين صفحاته العنكبوت في أروقة ما يسمى مجلس النواب! لا تدري في ملف مجلس صنعاء أو مجلس سيئون! وقد وقفا في وجه القانون الذي يقول بـ" تنظيم حيازة السلاح" وليس بمنعه، لكنهما اعتبرا أنه في حالة إقراره يعني أن المؤامرة على الشعب اليمني نجحت! ولو كانا يعلمان بمآلهما شخصيًّا وبسبب السلاح، فربما وافقا على التنظيم وتركا أمر الدفاع عن الوطن للجيش، الذي يفترض أنه كان مؤسسة وطنية يحق لكل شاب يمني أن يكون جزءًا منها، جنديًّا وقائدًا.
المنظومة التعليمية في أي بلد يسعى إلى المستقبل بنية صادقة، هي البوابة الوحيدة التي تدلف منها إليه، ذلك الحلم الذي بدده السلاح!
الآن وفي المستقبل، لعل الزمن الذي يحل أن يفكر ألف مرة في أمر إشاعة السلاح بلا ضامن ولا رقيب! على الأقل؛ لكيلا يخرجوا من الحكم والحياة كما خرج الأولون قبلهم! دعونا نقول: يا رب.
انظر، عندما تسأل طفلك عن اللعبة التي يريد منك أن تهديها إليه، يجيء رده سريعًا ليتساوى بأقرانه في الشارع وبيت "أبو فلان": أشتي آلي .
ولو ذهبت إلى دكاكين ألعاب أطفال، لرأيت لعبًا تنمي حسهم الاستهلاكي، وتعظم نزعتهم العدوانية!
يذهب نفس الطفل إلى الروضة والمدرسة، في مناطق كالجوف، بأسلحتهم، فكيف لمدرس أن يحدثهم عن القانون!
المنظومة التعليمية في أي بلد يسعى إلى المستقبل بنية صادقة، هي البوابة الوحيدة التي تدلف منها إليه، ذلك الحلم الذي بدده السلاح!
في بلد عاد عظيمًا بعد أن خرج مهزومًا من الحرب العالمية الثانية، بدأ بإصلاح المنظومة التعليمية جوابًا على السؤال الملح: كيف ومن أين نبدأ؟
نحن إذا ما جاءت دولة حقيقية تسأل عن الباب الذي منه نذهب إلى المستقبل، علينا أن نبدأ من الطفل، فلنشكل وعيه من اللعبة والحديقة أولًا.
وإذا رؤي وهو ما يبدو جليًّا من أجل استمرار نفس أسلوب الحكم، فعلى الدنيا السلام .
الطفل وإصلاح المنظومة التعليمية وتسييد العلم على الحياة، الطريق الأوحد إلى الحلم إن كان لا يزال باقيًا في الرؤوس.