يعاني الطفل مهند جلال من مرض الفشل الكلوي، لكنه ربما يكون أحد القلائل من المرضى المحظوظين الذين يتلقون بعض الدعم والمساعدة الطبية من قبل مؤسسة مدنية في العاصمة صنعاء، وهو امتياز لا يحظى به الآلاف من المصابين بهذا المرض المزمن في طول اليمن وعرضها، إذ يعيشون أوضاعًا إنسانية معقدة ومخاطر متعددة تتهدد حياتهم على الدوام.
يقول الطفل مهند (13 سنة) في حديثه لـ"خيوط"، إنه يتلقى بعض الدعم العيني، مثل سلال غذائية والقليل من الدعم المادي من قبل مؤسسة خيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي في صنعاء. ويضيف أن هذه المساندة "القليلة" غير كافية لرفع معاناته الدائمة في ظل الصعوبات المستمرة في الحصول على جلسات الغسيل الاصطناعي، ناهيك عن التهديدات الإضافية التي شكلها تفشي جائحة كورونا والنسخة الجديدة منه حالياً، وغير ذلك من الأوبئة التي تفتك بالمصابين بالأمراض المزمنة أكثر من أي فئة أُخرى.
حوالي 5200 مريض بالفشل الكلوي على الأقل في اليمن، يواجهون خطر الموت المحقق بسبب نقص إمدادات غسيل الكلى
وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت من أن هناك حوالي 5200 مريض بالفشل الكلوي على الأقل في اليمن، يواجهون خطر الموت المحقق بسبب نقص إمدادات غسيل الكلى، موضحة في تقرير لها نشر على موقعها الإلكتروني بأن إمدادات غسيل الكلى لا تكفي لتغطية احتياج 700 ألف جلسة غسيل سنويًّا.
واستعرض الطفل "مهند" معاناة أمراض الفشل الكلوي في مؤتمر وطني عقد في مارس/ آذار 2019، في صنعاء، لكنه سقط مغمى عليه أثناء إلقاء الكلمة على منصة قاعة الاحتفال الافتتاحي بالمستشفى الجمهوري، في مشهد مصور ومؤثر تم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي. ظن الكثيرون حينها بأنه فارق الحياة، لكنه استفاق من غيبوبته ليواصل معاناته مع المرض، الذي يضيف المزيد إلى قائمة ضحاياه بشكل يومي، بسبب الحرب المتواصلة منذ أكثر من خمس سنوات، والتي ألقت بتداعياتها الكارثية على الوضع الإنساني والنظام الصحي تحديدًا.
الجدير بالذكر أن أكثر من خمسين ألف مريض بالفشل الكلوي وفق إحصائيات رسمية، يسكن معظمهم في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء (الحوثيين) يعيشون أوضاعًا في غاية الصعوبة، إذ أكد أطباء ومختصون لـ"خيوط" أن الحرب التي دخلت عامها السابع أدت إلى تدهور مخيف في النظام الصحي برمته؛ الأمر الذي أسهم في ارتفاع عدد مرضى الفشل الكلوي إلى أكثر من 50 ألف مريض ومريضة، وفق آخر إحصائيات للسلطات الصحية بصنعاء في مارس/ آذار 2019. ويرجح أطباء أن يكون العدد الفعلي لهؤلاء المرضى أكثر بكثير من الأرقام المعلنة، بسبب ضعف الإمكانيات وعدم وجود مسوحات ميدانية دقيقة، ناهيك عن انخفاض النفقات الرسمية في المجال الصحي عمومًا.
في صعيد متصل، أصيب قرابة 2000 يمني بـ"كوفيد-19"، وفق تأكيدات السلطات الصحية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، حتى نهاية أغسطس/ آب 2020، كان أكثر فتكًا بذوي الأمراض المزمنة، وهو ما يشكل خطرًا إضافيًّا وشبحًا دائمًا لمرضى الفشل الكلوي، الذين يواجهون خطر الموت من كل حدب وصوب.
على أن هذه الأرقام للمصابين محصورة بطبيعة الحال في مناطق سيطرة حكومة عدن، ولا تشمل المناطق الشمالية الأكثر كثافة سكانية.
وارتأت سلطات صنعاء عدم الإعلان عن الأرقام الحقيقية بحجة عدم الجدوى، بحسب تصريح وزير صحة صنعاء، طه المتوكل، لـ"خيوط"، في المقابل أيضًا يؤكد مراقبون أن الأرقام المعلنة رسميًّا من قبل حكومة عدن لا تعكس الأعداد الحقيقية للمصابين ولحالات الوفيات بهذا الفيروس الذي يفتك بالفئات الأقل مناعة، ما يجعل الوباء الذي أصاب العشرات من مصابي الفشل الكلوي هاجسًا لا يغيب عن نفوس وعقول المرضى، المثقلة بألوان من المصاعب والخطوب.
ازدياد أعداد المرضى
هذا وكانت حالات الإصابة بالفشل الكلوي في اليمن قد شهدت تزايدًا كبيرًا، بلغت ذروتها خلال الخمس السنوات الماضية، زيادة تقف وراءها عدة أسباب، بحسب واثق القرشي، رئيس مؤسسة الشفقة لرعاية مرضى الفشل الكلوي والسرطان بصنعاء؛ أهمها: استمرار الحرب بصورة رئيسية، وانخفاض النفقات الرسمية على القطاع الصحي بشكل كبير.
ويضيف القرشي في حديثه لـ"خيوط"، بأن معاناة هؤلاء المرضى تفاقمت مؤخرًا بصورة أكبر؛ بسبب قلة وندرة المراكز الصحية المتخصصة بعمل الغسيل الكلوي في المحافظات، وتوقف 10 مراكز من إجمالي تلك المراكز، ناهيك عن انتهاء صلاحية الأجهزة المستخدمة في عدد من مراكز الغسيل، وخاصة في المحافظات الشمالية ذات الكثافة السكانية الأكبر.
8 آلاف مريض فقط منأصل خمسين ألف مصاب بالفشل الكلوي يخضعون لجلسات الغسيل الكلوي
ويشير القرشي الذي تقدم مؤسسته -الواقعة في العاصمة صنعاء- خدمات طبية ولوجستية لعشرات من مرضى الفشل الكلوي والسرطان، إلى أن التراجع الكبير لمعدل تمويل المحاليل والأدوية والمستلزمات الطبية التي يوجد بها مراكز للغسيل الكلوي -المحدودة والمقتصرة على العاصمة صنعاء وبعض مراكز المحافظات الرئيسية- تسبب في التزاحم وكثافة الإقبال من قبل المرضى على تلك المراكز، بشكل يفوق قدراتها وطاقاتها الاستيعابية، موضحًا أن هذا هو السبب الحقيقي في أن 8 آلاف مريض فقط من أصل خمسين ألف مصاب بالفشل الكلوي، يخضعون لجلسات الغسيل الكلوي.
ويضطر عدد كبير من مرضى الفشل الكلوي -رغم ظروفهم المادية الصعبة- إلى ترك مناطقهم وقراهم النائية، قاصدين العاصمة ومراكز المدن الرئيسية التي يتواجد بها مراكز الغسيل، لكنهم يجدون أنفسهم في مواجهة معاناة كبيرة للعيش في هذه المدن، فيلجأ الكثير منهم من الذين لا أقارب لهم في هذه المدن إلى افتراش الطرقات والعيش في ظروف بالغة السوء، ما حدا بالقرشي رئيس مؤسسة "الشفقة" لإنشاء مؤسسته، إذ استطاعت -رغم إمكانياتها المحدودة- تقديم خدمات المأوى والسكن لـ120 من مرضى الفشل ومرافقيهم إلى جانب بعض الخدمات الطبية البسيطة، بحسب القرشي.
مصاعب أخرى
من ناحية أخرى يواجه القطاع الصحي، وخاصة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، تحديات مضاعفة باتت تلقي بآثارها الكارثية على مئات الآلاف من المرضى، وفي طليعتهم ذوو الأمراض المزمنة على غرار المصابين بمرض الفشل الكلوي.
حيث تتهم حكومة صنعاء الأممَ المتحدة وتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، بمنع دخول المشتقات النفطية إلى مناطق سيطرتهم، ما يضاعف من تردي الأوضاع الصحية وتعريض حياة مئات الآلاف من المرضى لخطر الموت.
من جانبها أعلنت شركة النفط اليمنية التابعة لصنعاء، في وقت سابق، نفاد مخزونها من المشتقات في الحديدة بشكل كامل، ما ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة.
وفي وقت سابق قالت وزارة الصحة العامة والسكان بحكومة صنعاء، إن انعدام المشتقات النفطية يؤثر على 80% من المرضى ممن يعانون من الأمراض المزمنة والحوادث والحالات الطارئة، الذين يعيشون في الأرياف ويعجزون عن الوصول إلى الخدمات الصحية اللازمة في مراكز المدن. فيما يشكل وباء كوفيد-19 شبحًا وتهديدًا إضافيًّا لحياة أكثر من 50 ألف يمني من مصابي الفشل الكلوي، والذين تقطعت بهم السبل، وأصبحوا تحت رحمة معاناة متنوعة المصادر. ومع توسع الموجة الثانية من الجائحة، فإن معاناة هؤلاء المرضى سوف تتضاعف في حال وصولها إلى اليمن.
* تحرير خيوط