كلمات: مطهر الإرياني
غناء: علي الآنسي
اللحن: علي الآنسي (تراث مطور)
"خطر غصن القنا"، التي كتب كلماتها الشاعر الراحل مطهر الإرياني، وظهرت أول مرة مغناة بصوت الفنان علي الآنسي في سبعينيات القرن الماضي، لم تزل حتى يومنا هذا واحدة من أيقونات الغناء اليمني (صوتًا ولحنًا)، وانطلقت في الأصل كنص شعري من إعادة تطويع الحكاية الشعبية (الدودحية)، التي تشير إلى تمرد الفتاة على سلطة العائلة، وهروبها مع من تحب، غير أنّ السلطة الأكبر لم تنتصر لقرار الفتاة، وانتصرت في حكمها لسلطة العائلة، التي قالت إنّ العيب طاردها.
الحكاية واقعية وترد في أكثر من مصدر، غير أنّ المخيال الشعبي أضاف إليها كثيرًا، وكأنه كان يحاول الانتقام من السلطة الاجتماعية وتغولها؛ لأنّ أسرة الفتاة كانوا من كبار ملاك الأراضي في المنطقة الوسطى لليمن. وغير الشاعر الإرياني، تلقف الحكاية شعراء آخرون وكتبوا نصوصًا وجدت طريقها لأصوات المغنين، ومن هؤلاء الشعراء عبدالله سلام ناجي وقصيدته "الدودحية"، التي غنّاها، وبلحنين مختلفين، الفنانان "فرسان خليفة" و"محمد عبده زيدي"(1).
يقول الشاعر الإرياني أنه استلهم نصه البديع بتفعيلاته وقوامه المعماري من أغنية شعبية رائجة في المناطق الوسطى من اليمن، اسمها "الدودحية"، وعن اللحن قال في مدخل القصيدة: "هذا لحن شعبي فولكلوري جميل جدًّا، وقد ظهر أول ما ظهر في منطقة (وادي بَنا)، تلك المنطقة الساحرة بجمالها الطبيعي:
خَطَر غُصن القَنا
وارِد على المَا نزل وادِي بنا
ومَرّ جنبِي
وِباجفانِه رَنا
نَحوي وصوَّب سِهامه واعتنى
وصاب قلبي
أنا يا بُوي انا
أمان يا نازلَ الوادي أمان
أنا يا بوي انا
* *
أخذ قلبي وراح
وشَق صَدري بالأعيان الصحاح
يا طول هَمِّي
ويا طولَ النواح
مِن حُبّ مَن حل هجري واستباح
قَتلي وظُلمي
أنا يا بُوي انا
أمان يا نازل الوادي أمان
أنا يا بوي انا
* *
لِمَه تقسى لِمَه؟
وتُهجر ابصر حبيبك ما ارحمه!
هايم بحبّك
جمالك تيّمه
وطول صدك وبعدك سمسمه
ما أشد قلبك!
أنا يا بوي انا
أمان يا نازل الوادي أمان
أنا يا بوي أنا
* *
وذكرك في فَمه
غُنوَةْ وحبَّك جرى مجرى دَمه
يحلم بقربك
ترفَّقْ وارحَمه.. لا تعدمه بالجفا شا تِعدَمه
والذنب ذنبك
أنا يا بوي انا
أمان يا نازل الوادي أمان
أنا يا بوي أنا(2)
* * *
عن الشاعر
مطهر علي الإرياني (1933-2016)، هو أديب وشاعر ومؤرخ ومحقّق يمني. ولد عام 1933 في مديرية القفر في محافظة إب. تلقى تعليمه على يد فقهاء قريته. وفي 1953، انتقل إلى عدن، ومن ثَمّ إلى القاهرة والتحق بجامعة القاهرة عام 1955، وتخرج منها في 1959. بدأ كتابة الشعر في 1947. أصدر ديوان شعر بعنوان "فوق الجبل". وله دراسات في الأدب والتاريخ اليمني القديم.
يعد مطهر الإرياني واحدًا من أبرز دارسي الخط اليمني القديم (المسند)، وقد تلقى تعليمه في مجال الخطوط القديمة، ومنها العبرية والحميرية على يد حسين فيض الله الهمداني، وقد استثمر قدرته تلك في رفد المكتبة العربية بالكثير من القراءات العلمية والتاريخية واللغوية لخط المسند، وتدوين ما اكتشف من هذه الكنوز على يد المستشرقين والمنقبين والباحثين.
التنوع والغنى اللغوي الفريد الذي عرف عن الإرياني، وخصوصًا في مجال اللغات واللهجات اليمنية القديمة والمعاصرة، إضافة إلى خبرته في مجال التراث الشعبي وإلمامه بالعروض والقوافي، أسهم في إصدار المعجم اليمني في اللغة والتراث «حول مفردات خاصة من اللهجات اليمنية»(3).
عن الفنان
وُلد الفنان علي بن علي الآنسي عام 1933م، في حي الباشا بصنعاء القديمة، وبعد ثورة 1948 الدستورية، انتقل مع جميع أسرته إلى مدينة تعز، حيث كانت عاصمة اليمن خلال فترة حكم الإمام أحمد حميد الدين.
بدأت الاهتمامات الفنية للآنسي بالظهور في مدينة تعز منذ أن كان طالبًا في المدرسة الأحمدية في خمسينيات القرن الماضي، وقد أصبح طلاب هذه المدرسة من أوائل رجال الدولة قبل الثورة وبعدها.
امتلك الآنسي حينها أول عود أهداه إياه أحد المعجبين بفنّه، وهو المرحوم محمد السراجي، وعندما علم والده بامتلاكه عودًا في المنزل، قام بإحراقه في التنور بسطح المنزل. غير أنّ عزيمة الشاب وشغفه الكبير بالفنّ لم تثنِه عن مواصلة حلمه، فقد بدأ حياته الفنية هاويًا للفنّ، ثم محترفًا حتى وصل إلى مستوى كبار الفنانين في اليمن والوطن العربي.
أول زيارة له لمدينة عدن كانت عام 1961، حيث تعرّف على كبار الفنّانين المشهورين في ذلك الوقت، أمثال: محمد مرشد ناجي، وفضل محمد اللحجي، وأبو بكر بالفقيه، وحسن فقيه، ومحمد صالح همشري، وأحمد يوسف الزبيدي، وغيرهم من فنّاني عدن ولحج.
وخلال هذه الزيارة أدَّى الآنسي أغنية عدنية للفنان محمد صالح همشري "اشهدوا لي على الأخضر، شل عقلي مني وأنكر"، والتي كان دائمًا يتغنّى بها، وقد تم تسجيلها لاحقًا في إذاعة صنعاء بصوت الفنان علي السِّمَة "اشهدوا لي على الأسمر".
عند قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، انطلق صوت الآنسي يشدو بأنشودة "باسم هذا التراب والفيافي الرحاب"، كلمات: الشاعر الكبير صالح نصيب، لحن: الفنان المبدع حسن عطا، ثم سُجّلت في إذاعة صنعاء. ولقيَت صدى كبيرًا لدى الجمهور اليمني شمالًا وجنوبًا، وكانت أكبر حافزٍ لانخراط الشباب بالمقاومة الشعبية من كل مناطق اليمن، فقد ظلت نشيد الصباح في مدارس الجمهورية، حتى تم تأليف وتلحين النشيد الوطني للجمهورية العربية اليمنية آنذاك.
سافر إلى صنعاء، وهناك انطلق يشارك الجنود والضباط في مواقعهم ويتغنّى بالثورة ليبثّ روحها فيهم، حتى أصيب بحادثة صدام مريع، وأسعف إلى القاهرة للعلاج عام 1963، وهناك كان له لقاء مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في مستشفى غمرة بالقاهرة، حيث كان الموسيقار محمد عبدالوهاب مع مجموعة من الفنانين المصريين يزورون المرضى القادمين من اليمن، سواءً كانوا مصريين أو يمنيين، وبحسب طلب الموسيقار عبدالوهاب، غنّى الآنسي أنشودة "باسم هذا التراب"، وأعجب عبدالوهاب بصوت وعزف الآنسي وشجّعه كثيرًا، وفي اليوم الثاني خرجت الصحف المصرية، ومنها (مجلة المصور) تشيد بهذا اللقاء البديع "عبدالوهاب مِصر يلتقي عبدالوهاب اليمن".
في مشواره الطويل غنّى لعشرات الشعراء اليمنيين المعاصرين، منهم: مطهر بن علي الإرياني، وعباس المطاع، وعلي بن علي صبرة، وأحمد العماري، ومن أشهر أغانيه: "وقف وودّع"، "خطر غصن القنا"، "مسكين يا ناس"، "الحب والبن"، "ممشوق القوام"، "أهلًا وسهلًا بالروح داخل الروح"، "وا مغرد بوادي الدور"، "قد علّموه"، "قمري صنعاء جنّني"، وغيرها.
وغنّى من كلماته العديدَ من الأغاني، منها: "يا عيباه"، "ليلك الليل يا ليل"، "قلتوا عتنسوني"، "سجدت سبحت لله"، "فلت يد المخلوق"، "ما في معلّم خير".
ظلّت أُنشودته "في ظل راية ثورتي"، التي كتب كلماتها الشاعر أحمد العماري، نشيدًا وطنيًّا للجمهورية العربية اليمنية، حتى صباح 22 مايو 1990.
تُوفِّي في صنعاء، في 19 أبريل 1981، بعد رحلة طويلة كان فيها الجنديَّ الشجاع المدافع عن الثورة ومكتسباتها، والفنانَ والشاعر الذي ترجم وعبَّر خير تعبير عن كل ما يخالج الوجدان الإنساني من عاطفة وشعور(4).
__________
(1) من هنا مر الغناء دافئًا- شعراء ومطربون يمنيون، محمد عبدالوهاب الشيباني، منشورات مواعيد- صنعاء، 2023، ص 31.
(2) فوق الجبل (شعر)، مطهر علي الإرياني، الطبعة الثانية 1991، مؤسسة العفيف الثقافية- صنعاء.
(3) ينظر: https://hournews.net/news-53686.htm
(4) ينظر: https://www.khuyut.com/blog/mq