"كاميليا" الأرملة القوية

من عاملة في مطعم، إلى خبيرة تصوير ومونتاج!
عدنان حجر
January 5, 2023

"كاميليا" الأرملة القوية

من عاملة في مطعم، إلى خبيرة تصوير ومونتاج!
عدنان حجر
January 5, 2023

أرملة في أواسط الثلاثينيات، لم تكن تعلم ما تخفي لها الأيام، ولم تكن تتوقع أنّ الأقدار ستضعها في فوهة الزمن الأقسى، لكنّها بإرادة قوية مضت بكفاحٍ متواصل وإنكار للذات، نحوَ الحضور والطموح والإنجاز. في مدينة الحُديدة وفي عام 1987م، كانت ولادة كاميليا محمد عبدالله سالم، لتعيش طفولتها في أسرة ميسورة الحال، لكنها لم تكن قد بلغت السنة الثانية من عمرها -كما قالت- حتى انفصل والدها عن والدتها، غير أنّ والدها وجدتها وعماتها تولّوا رعايتها هي وإخوتها، ومكّنوها من الحصول على شهادة الثانوية العامة 2005م. ثمّ تزوّجت وأنجبت، ومات زوجها، ليكون مشوار استكمال نضالها الحياتي هو لبّ موضوعنا. 

موت الزوج

تقول كاميليا: "بعد تخرجي من الثانوية العامة، التحقت بالجامعة، كلية الآداب، قسم لغة إنجليزية. وبعد سنتين من دراستي الجامعية تُوفِّي والدي في 2007م، وبسبب مصابها الجلل هذا بوفاة من يعولها ويرعاها هي وإخوتها توقفت عن الدراسة.

وفي 2008م تزوجت، وكان زوجها -كما قالت- يعمل في قناة عدن الفضائية في التنسيق والمكتبات، وبعده التحق بالمونتاج براتب تعاقدي (20 ألف ريال)، وعاشت معه في منزل أسرته بحافة الشولة بالتواهي في عدن. 

عاشت كاميليا مع زوجها -كما قالت- بظروفه وراتبه الهزيل، ورغم ذلك عاشوا متفقين ومتعاونين ومنسجمين، ولم يحدث أن اختلفا أو تشاجرا طوال زواجهما، بل كوّنا أسرة، وخلّفا بنتين وولد.

استمرّوا متزوجين سعداء، ولم يعكّر حياتهما عاكر، واستمرّ زوجها في عمله دون أن يتم ترسيمه موظفًا، حتى وافاه الأجل في 13 أبريل 2016م، تاركًا لزوجته: (حنين- 7 سنوات)، و(رنين- 5 سنوات) و(محمد- سنتان)، فأصبحت كاميليا أرملة مسؤولة عن نفسها وتربية أولادها.

بعد وفاة زوجها ظلّت تعيش في منزل أسرته، ظنًّا منها أنّ والد زوجها سيكون راعيًا لها ولأحفاده، غير أنّ والد زوجها المتزوّج بامرأتين تعيشان معه في نفس البيت إلى جانب بقية أولاده. لم يثبت والد زوجها أنّه عند مستوى المسؤولية الإنسانية تجاه زوجة ابنه الأرملة وأحفاده يتامى الأب ولم يحل الجد محل الأب، لذلك ومن أجل أن توفّر لأولادها كلّ شيء يحتاجونه، عملت في مطعم نسويّ تمتلكه إحدى صديقاتها، غير أنّ انخراطها في سوق العمل واجه اعتراضًا شديدًا ورفضًا من والد زوجها. يا ترى ما هو هذا الاعتراض وشكله؟

مغادرة المنزل

تقول كاميليا: "والد زوجي وأسرته رفضوا أن أعمل، وحاولوا منعي، ولكن دون جدوى". وهنا كما قالت كاميليا: "بدأت المشاكل مع أسرة زوجي تظهر، ومعاملتهم لي ولأولادي تتغير، وبأسلوب تطفيشي"، لدرجة أنّه كما قالت، كان يقطع الماء عليها وعلى أولادها، ويفرض عليهم قيودًا دكتاتورية للعيش معه في بيته. وحينما وجدت كاميليا نفسها تعيش وأولادها عيشة قاسية ومرفوضة وغير مرغوب فيهم من قبل كبير الأسرة، وأنها لم تذُق منذ رحيل زوجها يومًا حلوًا في بيت أهله، اتخذت قرارًا -بالنسبة لها، كما قالت- تاريخيًّا. ما هو هذا القرار التاريخي؟

تقول كاميليا: "في الظروف والمشاكل التي بدأت أعاني منها أنا وأولادي، قرّرت مغادرة بيت أهل زوجي، وأن أتحمّل مسؤولية نفسي وأولادي، وأن أثبت أنني لست مجرد أرملة. فغادرتُ المنزل أنا وأولادي". كيف غادرت وإلى أين غادرت؟

غادرت كاميليا وأولادها بيت أسرة زوجها حاملةً معها ذكريات زوجها، محتفظة باحترامها وتقديرها لأسرة زوجها، وخصوصًا المتعاطفين منهم معها. لم تستسلم للمشاكل والظروف، بل مضت بإيمان صادق وإرادة قوية لتخرج -كما قالت- من جوّ السواد الذي كان يخيم على حياتها وحياة أولادها، ولكي تنطلق وتبدأ رحلة نضالها وكفاحها لأجل أولادها، ولكي توفر لهم حياة وعيشة كريمة، وتجعلهم لا يشعرون بأنهم أيتام.

من المطعم إلى التجميل

ولكي تحقّق طموحاتها وتثبت وجودها، كما قالت، استمرّت في العمل في المطعم، وسكنت مؤقتًا في منزل عمتها أخت والدها، في حي القاهرة، مديرية المنصورة، بإيجار مشترك، معتمدة على رعاية الله وعنايته وعملها في المطعم وراتب زوجها الهزيل، وما تحصل عليه من مواد إغاثية وإيوائية من المنظمات الإنسانية، وكذا دعم الأوفياء من أصدقاء زوجها وزملائه، ووقوف عمتها أم زوجها إلى جانبها وعدم التخلي عنها.

غير أنّ صديقة كاميليا أغلقت المطعم، فاضطرت كاميليا كما قالت، إلى أن تبحث عن عمل آخر، فعملت مع ابنة عمتها في محل لأدوات التجميل، وزوج عمتها عاد إلى زوجته وأسرته، فاضطرت أن تستأجر بيتًا صغيرًا يضمّها هي وأولادها الذين لا شك أنّ احتياجاتهم وطلباتهم تزداد يومًا بعد يوم. وفي منزلها الأسري الجديد المستقل ومع استمرار عملها في محل التجميل، واستمرار تواصلها بأقاربها والمتعاطفين معها، كانت على موعد مع تحقيق طموحها وحلم زوجها بجهد الإبداع والتألق والإنجاز والتفوق. فما هو هذا الطموح، وما هو الإنجاز والتفوق الذي ستحققه كاميليا؟

كاميرا ولاب توب

كاميليا الأرملة وأم الأيتام كان لها طموحات مشروعة تريد أن تحقّقها، وهو البروز والإبداع والتفوق والعيش الكريم، كما كانت تحمل على عاتقها تحقيق حلم زوجها، وهو دراسة المونتاج وممارسته. فجاءت الفرصة، كما قالت كاميليا، بواسطة فاعل خير، فتم إشراكها وإدراجها في مؤسسة سلمان للأعمال الخيرية، والتأهيل للأم التي تعيل أبناءها الأيتام، وتمكّنت من تجاوز فترة التأهيل بنجاح، فكان حصاد جهودها في مرحلة التأهيل استلامها حقيبة كاميرا ولاب توب وستاند، وتعلمت أساسيات التصوير الفوتوغرافي بدورة تدريبية قصيرة استفادت منها، بل تحصلت على المركز الأول في مؤسسة سلمان، وعملت مصوّرة في الأعراس النسوية في عدن، كما شاركت في تصوير بعض التغطيات الإعلامية الإنسانية.

واصلت كاميليا نشاطها في التفوّق والإبداع والإنجاز، فاحتفى بها -كما قالت- مشروعُ (بذرة أمان)، كمستفيدة ضمن عديدٍ من المستفيدات من مشروع حماية ورعاية أسر الأيتام في مناطق النزاع. وفي هذا الحفل التكريمي الذي تم بعد فترة تدريب المتدربات من ربات الأسر اليتيمة في عديد من مجالات التمكين، تم تكريم كاميليا وبتقدير (ممتاز) في مجال التصوير والمونتاج، وهي الشهادة التقديرية والتفوقية التي حصلت عليها بجهد واقتدار واستحقاق من قبل معهد تمكين للتدريب المجتمعي مع رسالة تحية لجهودها وتفوقها، وبموجب هذه الإنجازات أصبحت كاميليا الأرملة خبيرةً في التصوير والمونتاج.

وهكذا واصلت وتواصل كاميليا كفاحها، منكرة ذاتها من أجل أولادها، مضحية بحقّها في السعادة والرخاء من أجل إسعادهم، ورفضت كل المحاولات التي عُرضت عليها للزواج وبالشروط التي تفرضها هي؛ وذلك كله من أجل تربيتهم، ومضت في القيام بدورها كأم وأب، في قصة كفاح ملهمة تضع صاحبتها في موقع تقدير كبير.

•••
عدنان حجر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English