عندما تصبح لقمة العيش همّ المواطن، تجده يهرع لعمل أيّ شيء بغية كسب قوته حتى لو كان على حساب صحته، وقتها يدرك أنه لا بدّ من إيجاد الحلول لتوفير ما يريد، حيث بات أغلب سكان العاصمة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية، بالذات النازحين والمهمشين، بحاجة إلى عمل ومصدر دخل يقتاتون منه، فتجدهم يذهبون لتجميع العلب البلاستيكية بأنواعها مع بزوغ النهار حتى نهايته.
وتعتبر مهنة تجميع الخردة، أو العلب البلاستيكية التي يطلق عليها "القربعة" كما يسميها العاملون والممتهنون لها، واحدة من الأنشطة التي يمارسها مختلف فئات المجتمع، شبابًا وأطفالًا ونساء"، وذلك لسد احتياجاتهم، فلا شيء أكثر همًّا للمواطن اليمني في الوقت الراهن من قوت يومه.
في هذا الصدد، يتحدث لـ"خيوط"، الشاب محمد علي، وهو عامل نظافة يقوم بتجميع العلب الفارغة أثناء عمله وبعد الانتهاء منه، عن السبب الذي يدفعه للقيام بهذا النشاط أو العمل؛ "هناك عدة أسباب دعتني لذلك، وأهمها أنني عامل نظافة وراتبي قليل جدًّا، ولا يكاد يكفيني لنهاية الشهر؛ لذا أقوم بجمع ما أجده من البلاستيك، سواء كانت قوارير ماء، أو علب المشروبات الغازية، فجميعها تفي بالغرض، ولكلٍّ منهما سعر وتباع بالكيلو عند بائع الخردة أو محلات الخردة، وبعدها أتقاضى مبلغًا ماليًّا لا بأس به يغطي ما أحتاجه من مصاريف خاصة، وأداوم على هذا العمل بشكل يومي، فتراني ألتقط كل ما هو أمامي، وتجميعه في أكياس شبيهة بأكياس القمح، وعند نهاية الأسبوع أقوم ببيعها لتجار الخردة".
ويعبّر محمد عن صعوبة الحياة، بالقول: "نتغاضى عن كل ما نريده لنجد ما نأكله حتى في أيام الإجازة لا نتوقف ونستغل أماكن المناسبات لتجميع العلب، وأحيانًا نتشاجر مع بعضنا على من التقط العلبة أولًا"، مضيفًا: "ربما لو كان الوضع مناسبًا للعيش بكرامة لما اشتغلنا بتجميع الخردة والقوارير من الشوارع".
جزء من الحياة
تزداد الأوضاع المعيشية في بؤسها يومًا بعد يوم في اليمن، كما يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يؤكد أن اليمنيين ينامون على وضع بائس ويستيقظون على وضع أكثر بؤسًا مع تدهور متسارع للعملة المحلية وانقسامها مقابل العملات الأجنبية؛ لذا يضطر البعض لاتباع خيارات قاسية لتوفير لقمة العيش، ولو بجمع القوارير من على أرصفة الشوارع وصالات الأفراح، والأماكن العامة.
لكل صنف من الخردة سعر محدد خاص به، فسعر الكيلوجرام الواحد من علب المياه الفارغة والمشروبات الغازية يبلغ 150 ريالًا، بينما يصل سعر الكيلوجرام من معدن النحاس إلى 600 ريال للنحاس الأحمر، ونحو 3000 ريال للنحاس الأصفر، وهناك أصناف خردة أخرى يتم شراؤها، مثل أجهزة التلفزيون والتي يتم شراؤها بالقطعة بسعر يصل إلى 1000 ريال.
الحاجّة زهرة تعتبر من أقدم مرتادي هذه المهنة، ولها تجربتها الخاصة في تجميع العلب البلاستيكية الفارغة، تقول لـ"خيوط": "إنّ الفقر والجوع، وقلة الصنعة (الحيلة) هي سبب خروجي من أجل تجميع العلب والقوارير"، فهي تمارس هذا النشاط منذ ما يقارب 15 عامًا، فقد كانت في البداية تقوم بتجميع أسلاك الكهرباء وحرقها ثم بيعها، قبل أن تتعرف على نشاط تجميع العلب الفارغة عن طريق بعض الأشخاص الذين كانوا قد مارسوا هذا العمل وحققوا عائدًا ماديًّا ولو بنسبة بسيطة من ورائه.
تضيف زهرة أنه في تلك الأيام كان سعر الكيلوجرام الواحد للبلاستيك يتراوح بين 300 و500 ريال، بعكس الوضع هذه الأيام، الأمر الذي يثير استغرابها مع تراجع سعر الكيلوجرام إلى 100 و150 ريال فقط لعلب المياه الفارغة.
ساعدت هذه المهنة زهرة في الإنفاق على أسرتها والاعتناء بأطفالها وتربيتهم، وإلحاقهم بالمدارس ودفع تكاليفها من رسوم تسجيل ومستلزمات دراسية، في حين لا تزال تمارس نفس هذه المهنة بعد أن كبر أولادها، فقد أصبحت -بحسب حديثها- جزءًا من حياتها بالرغم من العائد البسيط الذي تجنيه، فهو مصدر رزقها الوحيد الذي تقضي من أجله أغلب ساعات اليوم في التقاط العلب البلاستيكية وبيعها إلى الورش والمعامل الخاصة بالخردة، إذ تقدر ما تكسبه من بيعها بنحو 25 ألف ريال شهريًّا قد يزيد أو ينقص كل شهر بحسب الكمية المجمعة من العلب البلاستيكية.
من التجميع للتدوير
يقوم تجار متخصصون في هذا المجال بشراء الخردة بكل أنواعها؛ معلبات، معدن، وأسلاك كهربائية، مقابل مبلغ محدد من المال متفق عليه مع "المقربعين" (العاملين) في تجميع العلب البلاستيكية، وفق أحمد مهيوب، وهو تاجر خردة، الذي يلاحظ، كما يتحدث لـ"خيوط"، انتشار هذا النشاط الذي تحول إلى مهنة بشكل كبير مؤخرًا، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها كثير من المواطنين، بسبب الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ العام 2015.
يوضح مهيوب أنّ الأسعار يتم احتسابها بالكيلوجرام، ولكل صنف من الخردة سعر محدد خاص به، فسعر الكيلوجرام الواحد من علب المياه الفارغة والمشروبات الغازية يبلغ 150 ريالًا، بينما يصل سعر الكيلوجرام من معدن النحاس إلى 600 ريال للنحاس الأحمر، ونحو 3000 ريال للنحاس الأصفر، وهناك أصناف خردة أخرى يتم شراؤها مثل أجهزة التلفزيون والتي يتم شراؤها بالقطعة بسعر يصل إلى 1000 ريال.
كل هذه المخلفات من العلب والقوارير البلاستيكية والمعدنية، تقوم ورش ومعامل ومحال تجارة الخردة بتجميعها حتى يحين موعد نقلها، كما يؤكد تجار عاملون في هذا المجال، إلى مراكز رئيسية، وخضوعها لمراحل متعددة من عملية إعادة التدوير.
ويرى حسن قايد، والذي يعمل -كما يقول لـ"خيوط"- في مجال "القربعة"، أنّ هذه المهنة في توسع وانتشار متواصل في مختلف المدن والمناطق اليمنية، فعملية تدوير المخلفات من المواد البلاستيكية والمعدنية وغيرها تجارة مزدهرة في مختلف دول العالم.
هكذا تمر عملية كفاح "المقربعين" (العاملين) في تجميع المواد والعلب البلاستيكية والمعدنية في سبيل توفير مصدر دخل يقتاتون منه في ظل أوضاع صعبة وحرجة وتردٍ معيشيّ كبير يطال غالبية اليمنيين، بسبب الحرب التي سلبت اليمنيين حياتهم ورواتبهم وأعمالهم ومصادر رزقهم، وبات كثير منهم نازحين ومشردين، ومكِدّين في الشوارع والأزقة والأحياء داخل المدن لالتقاط العلب الفارغة في محاولة مضنية للبقاء على قيد الحياة. ورغم كل هذه الأوضاع والحروب والشتات الذي يعيشه البلد إلا إنّ المواطن اليمني لا يكلّ بسهولة، ويؤسس تجارته بيده، فالبعض قد يربح من هذا النشاط عشرات الآلاف، وذلك حينما يقوم بتجميع علب وقوارير فارغة تعادل شاحنة بأكملها، وتسليمها.