بمناسبة اليوم العالمي للصحافة- يوم الثالث من مايو- صدر التصنيف العالمي لحرية الصحافة عن «مراسلون بلاحدود». التقرير يرصد وضع الحريات الصحفية عالميًا، والانتهاكات التي تتعرض لها في القارات الخمس. يشير التقرير إلى أن العمل الصحفي يُعرْقَل كليًا أو جزئيًا في 73% من البلدان التي تم تقويم وضعها في سياق التحليل الذي أنجزته «مراسلون بلا حدود». ويرى التقرير أن الصحافة هي الكفاح الأمثل ضد فيروس المعلومات المضللة.
يُقوَّم الوضع الإعلامي في 180 بلدًا، حيث يواجه عراقيل شديدة في 73 دولة، ويئن تحت وطأة القيود في 59 دولة أخرى؛ أي ما مجموعه 73% من البلدان التي قُوِّمت، وتتوافق هذه الأرقام مع عدد الدول القابعة في المنطقة الحمراء أو السوداء على حرية الصحافة؛ حيث يعتبر الوضع صعبًا أو خطيرًا للغاية، وأيضًا تلك الموجودة في المنطقة البرتقالية حيث يبقى وضع العمل الصحفي إشكاليًا.
بيانات التصنيف تقيس كل ما يعترض سبيل التغطية الإخبارية من قيود وعراقيل، كعدم الوصول إلى مكان الأحداث، ومصادرة المعلومات. ويتساءل التقرير: فهل سينقشع هذا الغمام بعد انتهاء الوباء؟ مشيرًا إلى تزايد الصعوبات عالميًا، وخصوصًا في آسيا والشرق الأوسط، وإن سُجِّلت بعض الحالات في أوروبا كذلك.
مقياس إيديلمان يلقي الضوء على مؤشر عدم ثقة المواطنين بوسائل الإعلام، ويرصد الاستبيان والذي شمل 28 بلدًا ما نسبته 59% يرون أن الصحفيين يحاولون عمدًا تضليل الناس.
يؤكد كريستوفر- الأمين العام لمنظمة «مراسلون بلا حدود» أن الصحافة هي أفضل لقاح ضد التضليل.
يتناول التصنيف حالة (كوفيد 19) في البرازيل وترويج بولسونارو، ومادورو في فنزويلا، لعقاقير غير فاعلة، كما يتناول حظر مصر وإيران للمعلومات، والتغييرات الرئيسية في التصنيف العالمي؛ فالنرويج تحتل المرتبة الأولى، واحتفظت فنلندا بموقعها، واستعاد السويد المرتبة الثالثة. ويؤكد التصنيف على هيمنة دول شمال أوروبا على المنطقة البيضاء في خريطة حرية الصحافة؛ مشيرًا إلى ضيق غير مسبوق على هذه الخارطة منذ العام 2013، فمن بين 180 بلدًا شملها التصنيف أصبحت 12 دولة فقط، قادرة على توفير بيئة مواتية للعمل الصحفي.
ينوه التصنيف بالحريات الصحفية في ألمانيا وأمريكا مع ملاحظة وجود انتهاكات في البلدين، وبالأخص في أمريكا أواخر عهد ترامب، ويضيف البرازيل والهند والمكسيك وروسيا في المنطقة الحمراء، ويشير إلى أن الصين لا تزال في المنطقة السوداء، رغم خطوات أقدمت عليها في جوانب رفع الرقابة، وتأتي بعدها تركستان وكوريا الشمالية وإرتيريا؛ مذكرًا بأن هناك صحفيين معتقلين منذ عشرين عامًا حُبس بعضهم في حاويات وسط الصحراء في إرتيريا.
ويشير التصنيف إلى تراجع ماليزيا تراجعًا كبيرًا بإصدار مرسوم مكافحة الأخبار الكاذبة، وسجلت جزر القمر تراجعًا مهولاً شأن السلفادور، ويشيد بمظاهر التحسن في القارة الأفريقية، حيث الارتقاء في بوروندي وسيراليون ومالي. ويتناول التوصيف التصنيف حسب المناطق، فيرى أن أمريكا الجنوبية والشمالية أكثر القارات ملاءمة لحرية الصحافة وإنْ سجلت أكبر تراجع، مقارنةً مع بقية مناطق العالم. أما أوروبا، فقد شهدت تراجعًا على مؤشر الانتهاكات، بينما وصل التدهور إلى 17% على الصعيد العالمي، ويشير إلى الاعتقالات التعسفية في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا واليونان وصربيا وبلغاريا، ويرى أن أفريقيا شهدت تراجعًا أقل حدة على مستوى مؤشر الانتهاكات؛ ومع ذلك تظل القارة هي الأشد عنفًا ضد الصحفيين؛ ففي تنزانيا زعم الرئيس جون ماغوفولي أن فيروس كورونا ليس سوى مؤامرة تخلصت منها بلاده بالصلاة.
في الندوة الإلكترونية التي أقامتها منصة "خيوط"، تحدث صحفيون وإعلاميون عن أن الحرب في اليمن منذ ستة أعوام، تسببت في التضييق على العمل الصحفي، وفاقمت سلسلة واسعة من الانتهاكات ضد الصحفيين الذي تُعومل معهم كمقاتلين ومع معتقليهم كأسرى حرب
في آسيا والمحيط الهادي انتشر الفيروس خارج الحدود الصينية، ولا سيما في هونغ كونغ؛ فشكل قانون الأمن القومي تهديدًا خطيرًا على ممارسة الصحافة؛ وهو قانون مفروض من الصين.
ويرى التصنيف أن حالة أستراليا مقلقة ومثيرة للاستغراب؛ إذ يُفرض على منصات التواصل الاجتماعي دفع رسوم على ما ينشر، في حين قررت إدارة "فيسبوك" الحظر على المؤسسات الإعلامية الأسترالية.
منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى تراوح مكانها في المرتبة قبل الأخيرة، ويربط ذلك بأحداث بيلاروسيا، حيث واجه الصحفيون قمعًا غير مسبوق إثر الاحتجاجات ضد إعلان نتائج الانتخابات. ولم تسجل نتائج كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي حافظت على موقعها في مؤخرة التصنيف؛ ففي المغرب والجزائر ساهم تسييس القضاء في إسكات الصحفيين الناقدين، بينما كثفت أكثر دول الشرق الأوسط استبدادًا وهي: المملكة العربية السعودية، ومصر، وسوريا- ممارساتها القمعية، ثم جاءت الأزمة الصحية لتعمق جراح الصحافة المحتضرة أصلاً في هذه المنطقة التي لا تزال الأصعب والأخطر في العالم بالنسبة للصحفيين. ويبدو أن اليمن خارج التصنيف كما هي خارج الحياة والسلام.
يختم التصنيف تقريره الضافي بالقول إن التصنيف سجل انخفاضًا طفيفًا بين 2020 و2021، بنسبة لا تتجاوز 3%، وأن المؤشر العام سجل تدهورًا بـ12% منذ إنشائه.
نقابة الصحفيين اليمنيين وتقريرها ربع السنوي
دأبت نقابة الصحفيين اليمنيين منذ بضعة أعوام على إصدار تقارير ربع سنوية، ثم سنوية في نهاية العام. تقريرها الربع سنوي– الربع الأول من عام 2021، رصدت فيه النقابة 24 حالة انتهاك تتعلق بالاعتقال والاحتجاز، وملاحقات، واستدعاء، وحالات منع الزيارة والرعاية الصحية؛ إضافةً إلى حالتي مصادرة مقتنيات وممتلكات الصحفي، وحالتي اعتداء وتهديد. ويوزع التقرير نسبة الانتهاك بين أطراف الصراع: الحوثيون [أنصار الله] 14 حالة انتهاك من إجمالي الانتهاكات بنسبة 58%، بينما ارتكبت الحكومة [المعترف بها دوليًا] 9 حالات انتهاك بنسبة 36%، وارتكبت قوات أمنية تتبع المجلس الانتقالي [الجنوبي] حالة واحدة بنسبة 4%. ويشير التقرير إلى منع الحوثيين (أنصار الله) العمل الصحفي المتعدد والمخالف لتوجيهاتها، وتمارس سياسة ترهيب على الصحفيين لدرجة لا يستطيعون ممارسة العمل في مناطق سيطرتهم. ويرى، ومعه الحق، أن أسوء ما فرضته الحرب في اليمن كلها، واقع لا يقبل ولا يسمح بحق التعدد والاختلاف؛ ما انعكس سلبًا على الحريات الصحفية.
الـ7 حالات الخاصة باحتجاز الحرية موزعة إلى 5 حالات اعتقال بنسبة 71.14%، وحالة واحدة احتجاز بنسبة 14.3%، وحالة ملاحقة بنسبة 14.3% ارتكبت منها الحكومة [المعترف بها دوليًا] 5 حالات، فيما ارتكب الحوثيون (أنصار الله) حالة واحدة، والمجلس الانتقالي حالة واحدة.
هناك 13 صحفيًا مختطفًا منهم 11 صحفياً لدى جماعة الحوثي (أنصار الله) بعضهم منذ خمسة أعوام، وصحفي مختطف بحضرموت لدى تنظيم القاعدة، والصحفي المصور عبدالله بكير مختطف لدى الحكومة [المعترف بها دوليًا] في حضرموت منذ 29 مايو 2020. ويعيش المختطفون ظروف اعتقال صعبة؛ فهم محرومون من التطبيب والزيارة، ناهيك عن الوضع غير القانوني لاختطافهم وبقائهم رهن الاعتقال. وسجلت النقابة 7 حالات محاكمات واستدعاء لصحفيين من قبل الحوثيين (أنصار الله) في ظروف لا تتوفر فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة، وسجل التقرير مصادرة سيارة الصحفي زبين عطية في شبوة وكامرته وتلفونه التلفزيوني من قبل الحكومة [المعترف بها دوليًا].
بمناسبة يوم الصحافة العالمي، أقامت «خيوط»؛ وهي منصة صحفية تصدرها «مواطنة»؛ وهي منظمة مدنية تدافع عن الحريات والحقوق- فتحت عنوان «تجريف الصحافة اليمنية»، شارك فيها صحفيون وإعلاميون مطالبين بوقف استهداف الصحفيين.
تحدث صحفيون وإعلاميون في هذه الندوة الالكترونية أن الحرب في اليمن منذ ستة أعوام تسببت في التضييق على العمل الصحفي، وفاقمت سلسلة واسعة من الانتهاكات ضد الصحفيين الذي تعومل معهم كمقاتلين ومع معتقليهم كأسرى حرب.
ما أفزره واقع الحرب من تكميم الأفواه، أدى إلى قتل العديد من الصحفيين وإلى الاعتقال والاعتداء، وأجبر آخرين على الهجرة، أو الدخول في دوامة الصمت والرقابة الذاتية باستثناء الذين انحازوا في مواقفهم إلى إحدى القوى المتصارعة
في الندوة التي أدارتها وداد البدوي، تحدث إياد دماج- رئيس منصة خيوط، عن انحياز المنصة للناس، وتناول قضاياهم ومعاناتهم اليومية، وأنها منبر لمن فقد منبره في الحرب، كما أكدت وداد إلى جانب ذلك، أن المنصة المستقلة أصحبت مصدرًا ومرجعًا للجميع وللباحثين عن الحقيقة.
يتناول ملف الندوة ما تعاني منه الصحافة والصحفيين تحت نيران الحرب ومعاناتهم في المعتقلات ومعاناة أُسرهم، وما يعانيه الصحفيون والصحافة من قمع وإرهاب وحُمَّى استقطاب، ومخاطر تبدأ ولا تنتهي لا يجد الصحفي فيها من يحميه.
اعتبر الأكاديمي عبده الأكوع أن واقع العمل الصحفي انعكاس للصراع القائم، ويرى أن التغطية اتسمت بتأجيج الصراع، وعمّت الاتهامات والتخوين؛ ما أثر على أخلاقيات المهنة.
أحمد الواسعي- المدير التنفيذي للشبكة اليمنية للصحافة الاستقصائية «يمان» تناول ما تواجهه الصحافة الاستقصائية والعمل الصحفي من تحديات ومخاطر أمنية، وصعوبة الحصول على المعلومة، وانخفاض في هامش الحرية؛ مشيرًا إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان يوجب على الصحافة الاستقصائية رصدها، واعتبر الصحافة الاستقصائية هي الأصدق في الرصد للتجاوزات زمن الحرب، وستكون المواد الاستقصائية مرجعية لمحاسبة مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان؛ داعيًا إلى دعم الصحافة الاستقصائية، والاستفادة من فرص التدريب والتمويل التي تقدمها المؤسسات الدولية.
الصحفي ريان الشيباني رأى أن اندماج المعارضة في السلطة خلال الفترة الانتقالية أضعف دور الصحافة الحزبية، ويرى أن اندثار التراتبية الوظيفية لمساءلة الصحافة إلى جانب تغوّل أنصار الله (الحوثيين) على السلطة، أدى إلى اندثار الصحافة بمعناها المستقل.
أسامة الفقيه- مدير الإعلام والاتصال والمناصرة في "مواطنة"، تحدث عن الانتهاكات ضد الصحافة والصحفيين؛ فمنذ بدء النزاع المسلح، ومع دخول الحوثيين [أنصار الله] المسلح إلى صنعاء، تعرضت الصحافة والصحفيون لهجمات عنيفة، ومع تفاقم النزاع بدخول "التحالف العربي" بقيادة السعودية استمرت الانتهاكات، وتنوعت الأطراف المسئولة عن هذه الانتهاكات. كما أشار إلى أربعة صحفيين هم: عبدالخالق عمران، وتوفيق المنصوري، وحارث حميد، وأكرم الوليدي، معتقلون في صنعاء، وقد حُكم عليهم بالإعدام، في حين لا يزال الصحفي وحيد الصوفي مختفيًا قسريًا من قبل أنصار الله (الحوثيين) منذ العام 2015 .
وعن واقع الإذاعة اليمنية تحدث الصحفي علي الموشكي عن إمكانية دور فاعل للإذاعة في زمن الحرب لقدراتها للوصول إلى أكبر عدد؛ مشيرًا إلى هروب كثير من الإذاعات إلى الإعلان، وبرامج الترفيه هروبًا من تبعات الحرب.
الصحفي عمار الأشول تحدث عن الصحافة الإلكترونية والصعوبات التي تواجهها منها: بطء الانترنت، وعدم القدرة للوصول إليه،خصوصًا مع أزمة المحروقات، فضلاً عن قصف قوى "التحالف العربي" للعديد من الأبراج. وأشار الأشول إلى ما أفزره واقع الحرب من تكميم الأفواه، حتى لا تفضح انتهاكاتهم، ما أدى إلى قتل العديد من الصحفيين وإلى الاعتقال والاعتداء، وأجبر آخرين على الهجرة، أو الدخول في دوامة الصمت والرقابة الذاتية، باستثناء الذين انحازوا في مواقفهم إلى إحدى القوى المتصارعة.