طيلة السنوات الست الماضية من عمر الحرب، تعيش الصحافة والصحفيين اليمنيين في وجه مدافع الحرب، إذ أقدمت جميع الأطراف؛ سلطة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والحكومة المعترف بها دوليًّا، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، على استهداف و"اختطاف" الصحافة واستخدامها وتأطيرها، وملاحقة واعتقال واحتجاز عدد من الصحفيين في البلاد، ووصل الأمر إلى صدور أحكام بالإعدام على عدد منهم.
وكشف تقرير حديث عن استهداف الصحفيين والمؤسسات الإخبارية في اليمن الذي مزّقته الحرب بشكل منهجي من قبل جميع الأطراف طوال سنوات الحرب الدائرة في البلاد، منذ أكثر من ست سنوات.
ووثّق التقرير الصادر عن الإرشيف اليمنيّ 138 حادثة اعتداء جسدي على الصحفيين والبنية التحتية الإعلامية في اليمن بين عامي 2015 و2021، إضافة إلى 20 حادثة من الضربات الجوية التي شنّتها طائرات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، التي استهدفت محطات تلفزيونية وإذاعية، قال التقرير إن معظمها كان نتيجة الاستهداف المتعمد.
كما تسبب التحالف بقيادة السعودية والإمارات والحكومة المعترف بها دوليًّا والتشكيلات العسكرية المحسوبة عليهما في مقتل 51 صحفيًّا، فيما تسببت جماعة أنصار الله (الحوثيين) في مقتل 19 صحفيًّا.
ويؤكد التقرير الذي أصدره الإرشيف اليمني. بالتعاون مع لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، أن التحكم في المعلومات كان أسلوبًا وحشيًّا ومتسقًا ينتهك حقوق الصحفيين ويحدّ من القدرة على الحصول على معلومات موثوقة حول الأزمة اليمنية منذ بداية الحرب في 20 مارس/ آذار من العام 2015.
ويوضح التقرير أن حرية الصحافة هي مؤشر على حدّة الصراع، فضلًا عن الاستقطاب السياسي المتطرف الذي يدعم استمرار العنف. طوال فترة النزاع، ساهم التعتيم الإعلامي والاستهداف المتعمد للصحفيين في نقص البيانات حول الإصابات والدمار في أكبر أزمة إنسانية في العالم.
يُظهر التقرير كيف أن الهجمات على وسائل الإعلام في اليمن هي الداعم الرئيسي للصراع السياسي والعسكري، كجزء من استراتيجية التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وجماعة أنصار الله (الحوثيين).
تؤكد نقابة الصحفيين اليمنيين استمرار الانتهاكات المستمرة تجاه الصحافة والصحفيين في اليمن، ورصدت النقابة نحو 36 حالة انتهاك منذ مطلع العام الجاري 2021، وحتى نهاية شهر يونيو/ حزيران الفائت، طالت صحافيين ومصورين ومؤسسات إعلامية وممتلكات صحافيين.
وطالب التقرير جميع الأطراف الالتزام بالاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية جنيف، التي تنصّ على وجوب معاملة الصحفيين والمباني الإعلامية كمدنيين، في حين تصنف منظمات، كلجنة حماية الصحفيين، بعض وسائل الإعلام على أنها "دعاية" لا يمكن أن يبرر استخدام القوة العسكرية ضدّ الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام.
في السياق، قال شريف منصور، من لجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط والشمال: "لقد وثّق صحفيو اليمن القوس الدراماتيكي لبلدهم على مدى العقد الماضي، منذ الربيع العربي والصراع الذي تلاه، ومع ذلك يعاملونهم كأعداء من قبل جميع الأطراف المتحاربة التي تسعى إلى فرض الرقابة على أهوال الحرب".
استمرار الانتهاكات
مثّل الواقع الجديد، كما كشف تحقيق نشرته خيوط في 4 مايو/ أيار 2021، عن تحدٍّ قاسٍ للصحفيين والعاملين بمجال الإعلام، نظرًا للقيود والمخاطر التي كبَّلت العمل الصحفي في مناطق سيطرة أطراف الصراع، فضلًا عن الانتهاكات والتعرّض للاعتقال أو التصفية الجسدية، سواء عن طريق الاغتيالات أو المحاكمات الصورية التي تنتهي بالإعدام، كما فعلت المحكمة الجزائية بصنعاء بحق 4 من الصحفيين في مارس 2019؛ الأمر الذي دفع بكثير من الصحفيين إلى التوقف عن العمل، أو الفرار إلى مناطق أكثر أمنًا داخل الوطن أو خارجه.
وتؤكد نقابة الصحفيين اليمنيين في تقريرها لوضع الحريات الصحافية خلال النصف الأول من العام 2021، استمرار الانتهاكات المستمرة تجاه الصحافة والصحفيين في اليمن. ورصدت نقابة الصحفيين 36 حالة انتهاك منذ مطلع العام الجاري 2021 وحتى نهاية شهر يونيو/ حزيران الفائت طالت صحافيين ومصورين ومؤسسات إعلامية وممتلكات صحافيين.
ووثّقت النقابة 12 حالة اختطاف واحتجاز وملاحقة ومضايقة بنسبة 22.2% من إجمالي الانتهاكات، و4 حالات تهديد وتحريض ضد الصحفيين بنسبة 11.1%، و5 حالات اعتداء على صحفيين ومقارّ إعلامية وممتلكات خاصة بنسبة 13.9%، و12 حالة منع ومصادرة بنسبة 33.3%. و6 حالات منع من التغطية ومصادرة لصحف بنسبة 9.1%، و7 حالات محاكمة ومساءلة لصحفيين بنسبة 19.5% من إجمالي الانتهاكات.
وفق تقرير نقابة الصحفيين، فقد ارتكبت جماعة أنصار الله (الحوثيين)، 20 حالة انتهاك من إجمالي الانتهاكات بنسبة 55%، بينما ارتكبت الحكومة المعترف بها دوليًّا، بمختلف تشكيلاتها، 10 حالات انتهاك بنسبة 28%، فيما ارتكب المجلس الانتقالي الجنوبي 6 حالات بنسبة 17%.
وتوزعت الـ8 حالات الخاصة باحتجاز الحرية بين: 5 حالات اعتقال، وحالتَي احتجاز، وحالة واحدة ملاحقة، حيث ارتكبت الحكومة 6 حالات منها، وجماعة الحوثي حالة واحدة، والمجلس الانتقالي الجنوبي حالة واحدة.
ولا يزال هناك 9 صحفيين مختطفين لدى جماعة أنصار الله (الحوثيين)؛ هم: (وحيد الصوفي، وعبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، أكرم الوليدي، حارث حميد، نبيل السداوي، ومحمد عبده الصلاحي، وليد المطري، ومحمد علي الجنيد)؛ أربعة منهم صدرت بحقهم أحكام جائرة بالإعدام، وهم: (عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، أكرم الوليدي، حارث حميد). وتؤكد نقابة الصحفيين أن سلطة صنعاء أوقفت إجراءات محاكمتهم، وتصرّ على المساومة بقضيتهم وإخضاعهم لعملية تبادل المختطفين والأسرى في خطوة ترفضها نقابة الصحفيين وتطالب بسرعة الإفراج عنهم ومعاقبة كل من تسبب بمعاناتهم التي تدخل عامها السابع.
ولا يزال أيضًا الصحفي محمد قائد المقري، مغيّبًا لدى تنظيم القاعدة بحضرموت منذ العام 2015، وتم رصد 4 حالات تهديد وتحريض ضد الصحافيين؛ منها حالتا تهديد بالتصفية الجسدية والأذى، وحالتا تحريض ضد صحفيين، حيث تقف جماعة أنصار الله (الحوثيين) وراء ثلاث حالات، فيما تقف الحكومة المعترف بها دوليًّا وراء حالة واحدة منها.
وفيما يخص حالات المنع والمصادرة سجّلت النقابة 12 حالة؛ منها 4 حالات منع أسر المعتقلين من زيارة أقاربهم، و3 حالات منع عشرات الموظفين من العمل في وسائل الإعلام في عدن وصنعاء، و3 حالات مصادرة ممتلكات لصحفيين، وحالة منع من التغطية الصحفية، إضافة إلى حالة منع من الرعاية الطبية لمعتقلين.
تضييق مساحة العمل
ترصد نقابة الصحفيين اليمنيين 5 حالات اعتداء طالت صحفيين ومؤسسات إعلامية؛ منها أربع حالات اعتداء على مؤسسات إعلامية، وحالة اعتداء على صحفي، حيث ارتكب المجلس الانتقالي الجنوبي ثلاث حالات منها، فيما ارتكبت جماعة الحوثي حالة واحدة، والحكومة حالة واحدة.
ووثّقت النقابة 7 حالات محاكمة ومساءلة لصحفيين ارتكبتها جماعة أنصار الله (الحوثيين)؛ منها 6 حالات محاكمة، وحالة واحدة مساءلة لصحفي على خلفية النشاط الصحفي.
وأمام هذا المشهد الذي يعبّر عن مواصلة أطراف الصراع لسياسة تضييق مساحة العمل الصحفي، وإقحام الصحفيين في الصراعات، والتعامل معهم كأعداء بعد إيذائهم بإيقاف رواتب المئات منهم، فإن نقابة الصحفيين تجدد دعوتها باحترام حرية الرأي والتعبير والتعددية الإعلامية، وحق المواطن في الحصول على المعلومة.
وتؤكد النقابة أن كل الانتهاكات التي طالت الحريات الصحافية لن تسقط بالتقادم، ولا بد للجناة أن ينالوا العقاب جرّاء جرائمهم، مشيرة إلى أن الحريات الإعلامية تعرضت لأكثر من 1400 انتهاك منذ بداية الحرب؛ بينها 38 حالة قتل طالت صحفيين ومصورين وعاملين في وسائل الإعلام، ارتكب أنصار الله (الحوثيين) 18 حالة قتل، فيما ارتكب التحالف العربي 14 حالة، ونسبت ثلاث حالات لمجهولين، وحالتين لجهات متطرفة، وحالة واحدة لقوات تابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا. وجدّدت نقابة الصحفيين مطالبتها بإطلاق سراح كافة المختطفين، وإسقاط أحكام الإعدام الجائرة بحق الصحفيين المختطفين، وإنهاء معاناة أسرهم، وجبر ضررهم.
وكان صحفيون وإعلاميون، تحدثوا في الندوة الإلكترونية التي نظّمتها منصة "خيوط" بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو/ أيار 2021، قد أكدّوا أن الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات تسببت في تضييق العمل الصحفي في البلاد، وفي سلسلة واسعة من الانتهاكات التي تعرّض لها الصحفيون الذين يتم التعامل معهم، منذ بَدء الصراع، كمقاتلين من قبل أطراف الحرب.
وطالبوا بضرورة وقف هذه الانتهاكات بحق الصحافة اليمنية واستهداف الصحفيين مع إطالة أمد الحرب والصراع الدائر وعدم وجود أي أفق لإحلال السلام، وبالتالي استمرار الانتهاكات التي أصبحت تطال الجميع في اليمن.