مبيدات إسرائيليّة قاتلة في اليمن

من المسؤول عن تسهيل دخولها وانتشارها في الأسواق والمَزارِع؟
April 30, 2024

مبيدات إسرائيليّة قاتلة في اليمن

من المسؤول عن تسهيل دخولها وانتشارها في الأسواق والمَزارِع؟
April 30, 2024
.

علي محمد- اسم مستعار

في منطقة همدان (جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء)، كان المزارع محمد الحازي، يُشرف على عملية ري مزرعة "القات" الخاصة به، وخلال عملية الري، سقط أحد العاملين في تلك المزرعة مغشيًّا عليه، وحينما أُسعِف إلى إحدى المراكز الصحية القريبة من المنطقة، أفاد الأطباء أنّ هذا العامل دخل في غيبوبة بسبب استنشاقه غازًا سامًّا.

اتضح فيما بعد، أنه استنشق مادة "بروميد الميثيل"؛ المادّة السُّمية التي يؤكّد بعضُ تجار أسواق المبيدات والأسمدة بصنعاء، خلال أحاديثهم لـ"خيوط"، أنّها أصناف إسرائيلية، تحقّقت "خيوط" من ذلك، واكتشفت انتشار عشرات الأصناف من المبيدات المحظورة المصنَّعة بعضها في إسرائيل.

في قصة مشابهة حدثت على بعد 160كم من العاصمة صنعاء، أُدخِلَ ثلاثة شبان من عائلة واحدة إلى مستشفى يريم الحكومي، الواقع في منطقة يريم التابعة لمحافظة إب، جراء استنشاق مادّة سامّة من مبيدٍ حشريّ يسمّى "التوباز"، خلال رشه في مزرعة تابعة لوالدهم الحاج علي غلاب، لم يخرج منهم، من المشفى سالمًا إلا شابٌ واحد تم إسعافه إلى مشفى في صنعاء، بينما فارقَ الحياةَ شقيقاه الأصغر منه سنًّا، كانت تلك الصدمة موجعة لوالدهم ولعائلتهم ولكافة أهالي المنطقة؛ بحسب وصف عبدالرقيب غلاب، أحد أقاربهم، الذي شكا لـ"خيوط" الآثار المؤلمة التي عانتها عائلتهم بسبب الاستهتار واللامبالاة، عند القيام برش المحاصيل الزراعية بموادّ سامّة أدّت إلى وفاة أقاربه، وذلك من دون اتباع معايير السلامة المهنية، من خلال ارتداء ملابس وأدوات واقية.

منذ ذلك الحين، بدأ أهالي المنطقة باستشعار خطر المبيدات الحشرية، خاصة التي تُعرف بأنها تأتي من إسرائيل إلى السوق اليمني، كما يفيد غلاب لـ"خيوط".

تورط مسؤولين حكوميين وتجار

تُظهِر خطابات مكتوبة حصلت "خيوط" على نسخة منها، تورُّط قيادات في وزارة الزراعة اليمنية ومسؤولين حكوميين، في التواطؤ مع تجار وشبكات تهريب تعمل على إغراق السوق اليمنية بالمبيدات الحشرية السامّة والخطيرة.

من بين تلك الخطابات، رسالة موجهة من "الإدارة العامة لوقاية النباتات" في وزارة الزراعة اليمنية، إلى وزير الزراعة في حكومة صنعاء، انتقدت سماح وزارة الزراعة بالإفراج عن كميات محتجزة من مبيدات حشرية، ومِن ثَمّ قيام مستورديها من التجار ببيعها في السوق، على مرأى ومسمع من الجهات الرقابية بصنعاء.

رسالة أخرى أيضًا تم توجيهها تعاتب التوجيهات الوزارية التي تقضي بضرورة الإفراج عن شحنة من مبيد "بروميد الميثيل"، المحجوزة في منفذ الراهدة بمحافظة تعز، على الرغم من التوضيح للوزير خطورةَ المبيد، حيث إنه مُدرج ضمن المبيدات الخطيرة التي لها علاقة مباشرة بتلوث البيئة.

أصبح من النادر أن تجد مزرعة في اليمن لا يعتمد مالكوها على المبيدات الحشرية المهرّبة والسامّة؛ لأنها تعمل على تعجيل نضج الثمار، وهذه المشكلة لها تداعيات خطيرة يتجاهلها الكثير من المزارعين، إذ إن بعض أنواع المبيدات تتسبّب بوقوع أضرار فادحة على الزراعة، إلى جانب أنها قد تتسبب في تغيير البيئة الخصبة للأراضي الزراعية.

في رسالة ثالثة موجهة من "الإدارة العامة لوقاية النباتات" في وزارة الزراعة اليمنية، إلى "إدارة الحجر النباتي"، لمطالَبَتها بإبلاغ رؤساء الفرق الزراعية في المنافذ الجمركية اليمنية، بعدم الإفراج عن أي شحنات نباتية واردة، ما لم تكن حاصلة على شهادة فحص الأثر المتبقي، بخلوها من المبيدات.

ضرب مسؤولون في وزارة الزراعة بصنعاء، عُرضَ الحائط، بأية توجيهات تقضي بمحاسبة ومنع الاتجار بمبيدات مهربة وخطيرة.

أصناف تفتك بصحّة اليمنيّين

تساهم المبيدات الحشرية بمضاعفة معاناة اليمنيين من جراء الحرب التي تدور رحاها في بلادهم منذ تسعة أعوام مضت، إذ تعجّ المستشفيات داخل اليمن وخارجها، بالكثير من المصابين بمختلف أنواع مرض السرطان، وأمراض أخرى ناتجة عن وجبات يأكلونها، وروائح يستنشقونها، غالبيتها ملوثة بمبيدات حشرية سامَّة محرَّمة دوليًّا.

في حديثه لـ"خيوط"، يشير الدكتور حمدي اليافعي، وهو طبيب يمني، إلى تزايد أعداد مرضى السرطان في اليمن خلال فترة الحرب، لأسباب عديدة؛ أبرزُها تناولُ اليمنيين نبتة شجرة "القات" والفواكه والخضروات، التي يتم رشها بمبيدات حشرية سامّة.

إلى جانب مرض السرطان، تتزايد حالات الإصابة بالأمراض التي تصيب المعدة، بحسب اليافعي، وكذلك الجهاز التنفسي، كالالتهابات الرئوية والربو، وأمراض الجلد والحساسية، وجميعها ناتجة عن المبيدات الحشرية السامّة التي تدخل اليمن.

منظمة الصحة العالمية لفتت إلى تزايد أعداد المصابين بمرض السرطان في اليمن؛ إذ تقدّر المنظمة العالمية، بحسب بيانات اطلعت عليها "خيوط"، أنّ هناك 35 ألف مريضٍ مصاب بالسرطان، وأنّ 12% من 11 ألف حالة جديدة يتم تشخيصها في البلاد كل عام.

يلجأ الكثير من المزارعين في مختلف المناطق اليمنية إلى استخدام المبيدات الحشرية، من أجل تسريع فترة تسوية ونضج الثمار، خاصة نبتة القات التي يحصل المزارعون من جراء بيعها على أموالٍ طائلة لتزايد الطلب عليها من معظم اليمنيين، إضافة إلى أن المزارعين يرون أن تكثيف استخدام المبيدات الزراعية لرش شجرة القات سوف يساهم في تكرار عملية الإنتاج مرات عديدة، ومِن ثَمّ يستطيعون قطف القات الجاهز للبيع ثلاث أو أربع أو خمس مرات في العام الواحد، بدلًا من مرتين فقط؛ حينما يتم رش شجرة القات بأسمدة طبيعية ومبيدات غير سامّة ولا محرّم استخدامها دوليًّا، كما يشرح لـ"خيوط"، الباحث في العلوم الزراعية، علي العنسي .

ويضيف: "حتى في مزارع الخضروات والفواكه، استغل المزارعون عدم وجود رقابة عليهم من الدولة؛ فعملوا خلال فترة الحرب على تكثيف رش المحاصيل الزراعية بمبيدات حشرية محرّم استخدامها دوليًّا".

يقول المُزارع عزيز جباري (38 عامًا): "أصبح من النادر أن تجد مزرعة في اليمن لا يعتمد مالكوها على المبيدات الحشرية المهرّبة والسامّة؛ لأنّها تعمل على تعجيل نضج الثمار، وهذه المشكلة لها تداعيات خطيرة يتجاهلها الكثير من المزارعين؛ إذ إنّ بعض أنواع المبيدات تتسبّب بوقوع أضرار فادحة على الزراعة، إضافة إلى أنها قد تتسبب في تغيير البيئة الخصبة للأراضي الزراعية في مختلف المناطق اليمنية".

40 صنفًا خطيرًا رائجًا

في الآونة الأخيرة، تكشف "خيوط"، استنادًا إلى معلومات وبيانات ومصادر معنية -منها تأكيدات مسؤول في وزارة الزراعة والري- عن دخول 40 صنفًا من المبيدات الحشرية المحظورة كثير منها أصناف إسرائيلية إلى صنعاء.

يؤكد ملاك المحال التجارية الخاصة ببيع المبيدات الحشرية في صنعاء، بأنهم يبيعون مختلف أنواع الأسمدة والمبيدات الحشرية المستوردة حتى الأصناف المحظورة، بحسب حديث هاني قايد (40 عامًا)، لـ"خيوط"، وهو تاجر يعمل في بيع الأسمدة، في سوق شعوب بصنعاء.

يتابع: "مِن أبرز المبيدات الإسرائيلية التي تباع في السوق، تحت مسميات عديدة: (الفيل)، و(الديوكسين)، و(الجرانيت)، و(النمرود)" وغيرها من الأصناف.

ويدخل السوق اليمنية 800 اسم تجاري، بكمية تصل إلى ثلاثة ملايين لتر من المبيدات الممنوعة والمحرّم استخدامها دوليًّا، بحسب دراسة نُشرت في العام 2016، أي بعد عامٍ من اندلاع الحرب الجارية في اليمن. 

جاء في تدوينةٍ قديمة لوزير الثقافة اليمني الأسبق، خالد الرويشان، أنّ أحد رجالات الأردن، قال له إنّ المواطنين الأردنيين مندهشون من مرأى الشاحنات الإسرائيلية وهي تفرغ حمولتها من السموم كي تحمل مرة أخرى على شاحنات تسافر بها صوب اليمن، بعد أن تم تغيير اسم بلد الصنع المطبوع على العبوات، وحتى لو لم يتم تغيير أسماء الماركات الإسرائيلية، فإن الوصول إلى الأسواق مضمون؛ وذلك إما عبر التهريب أو عبر المنافذ الغافلة النائمة والدائخة، وربما المتواطئة.

في حين يظل التساؤل الذي حير الكثير في اليمن، حول أسباب تسهيلات دخول المبيدات الحشرية من إسرائيل إلى اليمن، وكيف يتم ذلك، ومن الذي يتحمل المسؤولية، وهل للحرب والصراع في البلاد علاقة بذلك؟

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English