كل دفاع عن الأرض ووحدة التراب ضد أي محتل لأوطان يقطنها سكانها الأصليين، فعلٌ غير مذموم في كل الثقافات وعلى مر التاريخ، ويحظى بإسناد ودعم من الشعوب التي عانت مثل هذه الويلات، ولم تقبل بممارسات المحتل التعسفية والتدنيسية، فدفعت من أرواح أحرارها الكثير في عملية التحرير والاستقلال المعمدة بالدم.
قامت ثورات عديدة عبر التاريخ لمقارعة الاحتلال، وأقربها كان ما درج على تسميته بـ"الاستعمار"، في دول العالم الثالث، ومنها الدول العربية التي عانت كثيرًا من تلك الممارسات الاستعمارية، لكنها قارعت وقدّمت الغالي والنفيس ومئات الآلاف من الشهداء، من أجل نيل الحرية.
وبالرغم من انتهاء عصر الاستعمار القديم والجديد والذي اعتبر جريمة، وفقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فإنه ما زال هناك محتلٌّ لا مثيل له في هذا العصر، وهو الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، الذي تجاوز في همجيته وبطشه ما كانت تقترفه القوات البريطانية والفرنسية في الدول التي استعمرتها، فهي لم تعمل على تهجير السكان ومحو تاريخ وثقافة وجغرافية المجتمعات، كما هو الحال اليوم مع المحتل الصهيوني لفلسطين وشعبها منذ العام 1948، الذي عمل على طمس الهُوية الفلسطينية وتهجير شعبها، وإحلال مستوطنين يهود تم تجميعهم من دول عدة، بمزاعم دينية زائفة.
ومن هنا يتضح جليًّا أن مقاومة الشعب الفلسطيني حقٌّ مشروع، شعب يرفض وجود محتل يستوطن أرضه ويُهجِّر شعبه، وبالتالي فإن ما قامت به المقاومة الفلسطينية، في السابع من أكتوبر الماضي، ليس فعلًا يجب إعادة النظر فيه، فهو حق طبيعي بأبعاد قانونية وأخلاقية وفطرية، لهذا فإن من حق هذا الشعب الذي يعاني من وطأة الاحتلال وقسوته وعنصريته، الوقوفَ في وجه كيان مغتصب لرقعة جغرافية هي ملك شعب اسمه الشعب الفلسطيني، الذي ما زال مستمرًّا في نضاله منذ قرابة قرن بصوته وحجارة أرضه، وصولًا إلى البنادق والصواريخ، والأهم نقل المعركة إلى عمق الأرض المحتلة الذي درج الغرب العنصري على تسميتها بـ"إسرائيل".
حاملو الجنسية الإسرائيلية، ليسوا شعبًا بالمعنى الشامل الذي تعنيه كلمة شعب من دلالات متنوعة، فهؤلاء مجرد مواطنين لدول عدة، ولا يعني انتماؤهم العقائدي، أنهم يشكّلون شعبًا، فالدين ليس عاملًا حيويًّا يمكن بواسطته تصنيف مجموعة من البشر على أنهم شعب أو أمة.
إذا كان الشعب الفلسطيني ومنذ عقود طويلة، يناضل من أجل الدفاع عن أرضه وهويته العربية، ومقدساته وتاريخه ومستقبله، فما الذي يمكن أن يدافع عنه المستوطنون الصهاينة المستجلَبون من كل بقاع الأرض، وما الذي يدفعهم للقتال، وما هي العقيدة التي تحثهم على مواجهة الغضب الفلسطيني؟
وللإجابة على السؤال السابق، لا بدّ أن نعي أنّ حاملي الجنسية الإسرائيلية، ليسوا شعبًا بالمعنى الشامل الذي تعنيه كلمة شعب من دلالات جغرافية وتاريخية وثقافية، فهؤلاء مجرد مواطنين لدول عدة، ولا يعني انتماؤهم العقائدي الموحد، أنهم يشكّلون شعبًا، فالدين ليس عاملًا حيويًّا يمكنه تصنيف مجموعة من البشر على أنهم شعب أو أمة، وهذا ما نجده أيضًا في الدين المسيحي أو الدين الإسلامي، فهناك دول مثل إندونيسيا، ونيجيريا، والسعودية، وكلها تنتمي للدين الإسلامي، ولكنها لا تشكل مجتمعةً شعبًا واحدًا، فالذي يشكّل "الأمة" هو الرقعة الجغرافية، والثقافة والتاريخ والهوية بمعناها السوسيولوجي الواسع.
إذن "الإسرائيليون" لا تجمعهم روابط يمكن بواسطتها أن نطلق عليهم شعبًا أو أمة، وهذا ما نلمسه في حديث أحد اليهود اليمنيين الذين تم ترحيلهم سابقًا إلى فلسطين -لإقامة الدولة الصهيونية- عن هويته اليمنية في إحدى منشوراته على صفحته في موقع X -تويتر سابقًا- واسمه "عاموس قباص آل سالم"، حيث قال في تعليقه على عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر: "أمانة أقبلوا مثل الطوفان، والصهاينة حطونا -اليمنيين- [لاحظ اليمنيين] في سديروت وعسقلان على حدود غزة، قصدهم إن احنا عسرين..."، هذا الاستشهاد بكلام "عاموس" يكشف بكل وضوح مدى ارتباط اليهودي الذي تم نقله إلى فلسطين، بالوطن السابق الذي نُقل منه، وأيضًا لا تجمعهم عقيدة راسخة تجعل منهم مجتمعًا موحدًا بهوية ثابتة ومصير مشترك، فالهوية التي ينبغي أن تجعل منهم إسرائيليين ليست موجودة أصلًا، فما زالوا ينتمون إلى بلدانهم الأولى على الرغم من مرور سنوات وأجيال عبر 75 عامًا.
فيما يتصل بالجبن الصهيوني، ينبغي علينا أن نوضح أن الشعور الذي يرافق الفرد الإسرائيلي على مستوى الوعي أو اللاوعي، شعور "ذنب" -إذا صح القول- فهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم مغتصبون لأرض ليست أرضهم، وأن مالك هذه الأرض لا بد له من استرجاع أرضه، وهذا الشعور الذي يرافق الإسرائيلي يجعله يعيش بخوف دائم، فأول ما يسمع أحد المستوطنين الإسرائيليين، صفارات الإنذار في تل أبيب أو مدينة أخرى نتيجة صاروخ متواضع أُطلق من غزة، نجده يبحث عن ملجأ أو ما شاكل ذلك، خوفًا أن يصيبه أذى، على الرغم من أن القبة الحديدية قد تحميه، فهو يدرك أنه بلا وطن وبلا انتماء يشده للدفاع عن موطنه، فهو أشبه بالسائح الذي يتجول في بلد بعيدة عن بلاده.
الإسرائيلي محتل ضعيف ومغتصب لأرض ليست أرضه؛ حقيقة لا يمكن نكرانها، وهو ليس بقادر، على المدى الطويل، على مواجهة غضب الشعب الفلسطيني، رغم امتلاكه أحدث الأسلحة ومسنودًا بعنصرية الغرب وتحيزه الاستعماري، وفي هذا المنحى قالت باحثة سياسية إسرائيلية: "إسرائيل لا تستطيع أن تصمد يومين بدون الولايات المتحدة الأمريكية".
الشعوب الحية لا يمكنها الاستسلام بسهولة والتخلي عن حريتها وأرضها وثقافتها، وفي التاريخ القريب والبعيد شواهدُ كثيرة على ذلك، ولهذا فالشعب الفلسطيني يناضل من أجل أرضه، ولأنه صاحب حق أزلي سينتصر حتمًا.
في الأخير نقول:
العالم يشهد تحولات كبيرة، ومنها صعود روسيا والصين القوي على المسرح الدولي، فهل ستزيح هذه القوى الصاعدة أمريكا من هيمنتها على العالم، وينفسح المجال أمام مظلومية الشعوب المقهورة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني؟