شهد التصعيد العسكري (الحوثي- الإسرائيلي) الناجم عن حرب غزة تحولا كبيرا في الأيام القليلة الماضية، تمثل في استهداف تل أبيب بطائرة مسيرة أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها، وذلك في التاسع عشر من شهر يوليو/تموز، ثم في الرد الإسرائيلي الذي استهدف بغارات جوية مدينة الحديدة في اليوم التالي.
أسفر الهجوم الحوثي عن مقتل إسرائيلي وإصابة 6 آخرين، بينما أوقعت الغارات الجوية الإسرائيلية دمارا كبيرا في ميناء الحديدة ومناطق التخزين ومحطة الكهرباء، فضلا عن مقتل ستة مواطنين وجرح عشرات آخرين.
وبهذا انتقل التصعيد من التراشق الإعلامي والهجمات غير المباشرة إلى فعل ورد فعل أكثر تركيزا، وبحسب بيان حزب الله اللبناني- حليف جماعة الحوثيين ضمن ما يسمى محور المقاومة الذي تقوده إيران- فإن الهجوم الإسرائيلي يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة وخطيرة من المواجهة.
فرحة غير مكتملة
في أول ظهور لزعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، بعد الهجوم الإسرائيلي، قال إنه سعيد لأن المواجهة مع إسرائيل أصبحت مباشِرة، بينما كانت في الفترة السابقة مع العملاء، والعملاء من وجهة نظره هم الخصوم اليمنيون الذين يناهضون المشروع الحوثي.
سعادة الزعيم الحوثي نابعة من كون جماعته، بعد الهجوم الإسرائيلي على مدينة الحديدة، باتت في مواجهة مكشوفة مع إسرائيل، وهذا يحدث لأول مرة، رغم أن الجماعة ذاتها ترفع شعار "الموت لأمريكا- الموت لإسرائيل- اللعنة على اليهود" منذ ظهورها على المشهد اليمني قبل أكثر من عشرين سنة.
وهذا يعني أن سعادة الحوثيين مبعثها انتقال مركزهم- في المخيال الشعبي- من مشروع يقاتل اليمنيين ويزعم محاربة إسرائيل، إلى جزء من مشروع المقاومة الذي يشمل حركات فلسطينية وأخرى لبنانية وسورية وعراقية يجمعها الولاء لحكام طهران الذين يرفعون شعار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
بيد أن ثمة ما ينغص سعادة الحوثيين وزعيمهم ويجعلها فرحة غير مكتملة، من ذلك أن حالة التشكيك في جدية الحوثيين وبقية شركائهم في محور المقاومة في مواجهة إسرائيل مستمرة. فما هي إلا مناورات طائشة وغير محسوبة. بل إنها تؤدي إلى خسائر أكبر مما تحقق من مكاسب، ولا يزال البعض يتساءل: ما الذي استفاده الفلسطينيون من حركات الحوثيين الاستعراضية التي بدأت في نوفمبر/تشرين الماضي؟
حسابات الربح والخسارة
وإذا ما تم احتساب الربح والخسارة في الهجوم على تل أبيب، من خلال مسيّرة حوثية وردة الفعل الإسرائيلية، فإن المحصلة تأتي في صالح المشككين، لأن ما أحدثته طائرة مسيرة من دمار في إحدى واجهات المباني الإسرائيلية لا يمكن قياسه بما أحدثته أكثر من عشر غارات جوية استهدفت ميناء الحديدة وبعض منشآته، وأشعلت فيه الحرائق التي استمرت مشتعلة فترة طويلة، إلى الحد الذي جعل الاحتلال الإسرائيلي يعلن أن هذه الحرائق شاهدها جميع من في الشرق الأوسط.
لكن في المقابل هناك من يرى في وصول طائرة مسيرة إلى عمق تل أبيب وبالقرب من السفارة الأمريكية اختراقا للدفاعات الجوية الإسرائيلية، كما أن حديث صحف إسرائيلية، ومنها معاريف، عن توقف ميناء إيلات بسبب استهداف السفن في البحر الأحمر يعد دليلا آخر على وجود أضرار وآثار وخسائر تتكبدها إسرائيل جراء هجمات الحوثيين.
رغم همجية الغارات الإسرائيلية فإن البعض يعتبر الحوثيين هم المسؤولون عن جرائم إسرائيل في اليمن، لأنهم هم الذين بدأوا مهاجمتها، وهذا يعني أن هؤلاء يفسدون فرحة الحوثيين وينغصون سعادتهم بكونهم يخوضون المواجهة مع العدو الإسرائيلي بشكل مباشر، ووجها لوجه، ولم يعد الأمر مقتصرا على شعارات تكتب في الشوارع أو هتافات يرددها الأتباع والموالون بمناسبة وبدون مناسبة.
بالإضافة إلى فارق الخسائر والمكاسب -عوضا عن أن الهجوم الإسرائيلي منح عبد الملك الحوثي سعادة لم يكن يحلم بها- هناك فارق تبدى في أن إسرائيل، على خلاف داعميها الأمريكان والبريطانيين، لا تتورع عن استهداف المنشآت الحيوية ذات الطابع المدني، فيما تستهدف قوات التحالف الأمريكي- البريطاني الأهداف العسكرية للحوثيين منذ أن بدأت غاراتهم الجوية في يناير/كانون الماضي.
فالإدارة الأمريكية وبريطانيا يصران على أن الغارات تقتصر فقط على استهداف مخازن الأسلحة التابعة للحوثيين ومنصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في مناطق مختلفة تشمل صنعاء والحديدة ومحافظات أخرى.
استهداف المنشئات المدنية
ومع أن الغارات الإسرائيلية تعاملت بالهمجية المعتادة لديها، من خلال استهداف المنشآت المدنية وما يترتب عليه من قتل للمدنيين ومضاعفة معاناتهم بتدمير المؤسسات والمنشآت الخدمية الضرورية، فإن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو أعلن في أعقاب الهجوم أن الحديدة تعتبر مركزا عسكريا يستخدمه الحوثيون في شن هجماتهم.
كما أن مسؤولين عسكريين إسرائيليين كشفوا أن عدد الهجمات الحوثية التي استهدفت إسرائيل بلغت 200 هجمة، لكن هجوم تل أبيب هو أول هجوم يسفر عنه مقتل إسرائيلي، لذلك سارعت تل أبيب للرد، ما يعني أن الهجمات التي بلغت 200 لم يسفر عنها أي ضرر يستدعي ردة فعل. وهذا أيضا يؤكد ما ذهب إليه المناهضون للحوثي، من أن عملياته رغم كثرتها لم تلحق في إسرائيل الضرر المطلوب إحداثه.
بعد الهجوم الإسرائيلي على الحديدة جاءت تصريحات الحوثيين، بما فيها تصريح زعيمهم، معلنة أن الرد سيكون قاسيا، لكن الهجمة التالية أفسدتها الدفاعات الإسرائيلية قبل أن تحقق أهدافها.
ورغم همجية الغارات الإسرائيلية فإن البعض يعتبر الحوثيين هم المسؤولون عن جرائم إسرائيل في اليمن، لأنهم هم الذين بدأوا مهاجمتها، وهذا يعني أن هؤلاء يفسدون فرحة الحوثيين وينغصون سعادتهم بكونهم يخوضون المواجهة مع العدو الإسرائيلي بشكل مباشر، ووجها لوجه، ولم يعد الأمر مقتصرا على شعارات تكتب في الشوارع أو هتافات يرددها الأتباع والموالون بمناسبة وبدون مناسبة.
وفي المحصلة فإن رصيد الحوثيين، خلال الفترة الماضية، في مواجهة خصومهم داخل اليمن لا يؤهلهم - نظريا على الأقل- لأن يكونوا ضمن المقاومة الحقيقية التي تخوض شرف الدفاع عن الأرض والقضية الفلسطينية، حتى لو تصاعدت المواجهة مع إسرائيل، لأن الحوثيين هم جزء من الاستراتيجية الإيرانية ولا يمكن أن يخوضوا مواجهة مصيرية بمعزل عن تعليمات المرجعيات الإيرانية وتوجيهاتها التي تضع مصالح طهران وأجنداتها بعين الاعتبار دون الاكتراث لأي عوامل ومعايير أخرى، وهو المنطق ذاته الذي أعلن ذات يوم أن عملية "طوفان الأقصى" ليس سوى ردة فعل على اغتيال القيادي الإيراني في الحرس الثوري قاسم سليماني الذي اغتالته الولايات المتحدة مع بعض مساعديه في العراق مطلع العام 2020، وهوا ما نفته المقاومة الفلسطينية قائلة إن الهجوم جزء من المواجهة المستمرة مع الاحتلال الإسرائيلي.