يعتبر حزب التجمع اليمني للإصلاح من أكبر الأحزاب السياسية في اليمن، من حيث عدد أعضائه واتساع رقعة انتشاره في مختلف المناطق اليمنية، ومدى تأثيره السابق على صانعي القرار في البلاد، رغم تموضعه على رأس مكونات المعارضة السياسية طيلة أكثر من عقدٍ من الزمن.
ورغم أنّ الإصلاح نشأ ابتداءً كتجمع دينيّ أقرب منه حزبًا سياسيًّا، لكنه تمكّنَ مع مرور الوقت، من اجتراح بعض التطور والتحديث في هيكلية الحزب، مثل: استحداث دائرة خاصة بالمرأة، وفصل الدائرة الإعلامية عن دائرة التوجيه والإرشاد، وتقليم أظافر الجناح السلفي داخل الحزب، والانتقال من حزب الشدّة للرئيس إلى مكون رئيسي في تكتل المعارضة أو ما كان يسمى وقتها باللقاء المشترك الذي كان يضمّ ستة أحزاب؛ هي الإصلاح، والاشتراكي، والناصري، والبعث، والحق، واتحاد القوى الشعبية.
وكان العام 2012، هو تاريخ انتهاء فترة صلاحية تكتل اللقاء المشترك، وفاتحة مرحلة تقاسم كعكة السلطة التي من شأنها إحداث الفرقة والتباعد بين إخوة أشقاء، فضلًا عن شركاء متشاكسين.
وكسابقاتها، لم تدُم فترة تقاسم السلطة ورضاعة الثروة أكثر من حولين كاملين، ليأتي الفطام على يد أنصار الحوثي ومهاجري المؤتمر، في أواخر العام 2014، الذي شهد تشكيل تحالف ثنائي بين طرفين؛ أحدهما غاضب جدًّا على رحيل حكمه، والآخر متعطش جدًّا جدًّا لاستعادة حكمه، والقاسم المشترك بينهما هو العداء لحزب الإصلاح، وتعاضد حرصهما على توجيه ضربة قاصمة له وقاضية عليه.
بيدَ أنّ الإصلاح نجح في تفادي الضربة، لكنه في الوقت ذاته فشل في الحفاظ على مكتسباته المتراكمة على مدى أكثر من عشرين عامًا. وعقب مغادرتها للعاصمة صنعاء قررت قيادة الإصلاح الانضواء في عاصفة الحزم تحت قيادة السعودية والإمارات، بعد أكثر من أسبوع على انطلاقها.
وبعد بضع سنوات من تأييد الإصلاح لعاصفة الحزم، أعلنت السعودية انطلاق عاصفة أخرى تستهدف جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية، وهو ما اضطرّ قيادة الإصلاح إلى إصدار بيان أعلنت فيه فكّ ارتباط الحزب مع الجماعة، بل وإنكار وجود العلاقة الرابطة بينهما.
وفي ظلّ استمرار المعارك العسكرية، وجد الإصلاح نفسه في الخطوط الأمامية لمواجهة الحوثيين في أكثر من جبهة قتالية؛ الأمر الذي استدعى من الإصلاح الدفع بأعضائه وكوادره للانخراط في السلك العسكري وتشكيل قوات جديدة خاضعة لسيطرة الحزب تحت غطاء وزارة الدفاع في حكومة الرئيس المعزول عبدربه منصور هادي.
وفيما اعتقد حزب الإصلاح أنّ هذه التشكيلات العسكرية بمثابة سياج حماية له، فقد كانت أيضًا مصدر خوف وقلق لدى خصومه بمختلف توجهاتهم، وفي الوقت ذاته كانت مبررات كافية للتحالف السعودي الإماراتي لاستهداف الحزب وتقليص دوره وحجمه، والتخلص من نقاط القوة لديه، سواء في الجانب العسكري أو البشري. ومنذ سبعة أعوام ما فتئ حزب الإصلاح يتلقى الضربات تلو الصفعات، تارة من قبل الإمارات وأدواتها، وتارة من قبل المملكة التي تتلذذ بإهانة حلفائها ولا تحترم إلا خصومها.
ومع ذلك، يتعامل الإصلاح مع المملكة العربية السعودية بتبعية عمياء، قد ترقى إلى مرتبة القداسة، وهذا السلوك اكتسبه من موروث قديم يعود إلى الستينيات، إبان الصراع بين الرئيس جمال عبدالناصر وجماعة الإخوان المسلمين، وهروب قيادات الجماعة إلى السعودية، ووقوف المملكة إلى جانب الجماعة، ولم يكن ذلك حبًّا فيها، ولكن كرهًا لعبدالناصر.
ورغم انتهاء الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل وبعده ثلاثة من ملوك المملكة، ما زال حزب الإصلاح يتعامل بمهابة كبيرة تجاه النظام السعودي، ولعلّ هذا بسبب قوة تأثير السعودية على الداخل اليمني إلى درجة وصفها بأنها صانعة وقاتلة الرؤساء في اليمن.
وتكمن إشكالية حزب الإصلاح في تفرُّد القيادة الشائخة للحزب باتخاذ وتنفيذ القرار وَفقَ ظروفها الخاصة وبما تمليه عليها متطلبات إقامتها في الخارج ومراعاة مصلحتها الشخصية دون أدنى اعتبار للمصلحة الجمعية للحزب، الذي يخوض اليوم غمار حرب وجودية متعددة العداوات، سواء من الحوثيين أو المجلس الانتقالي الجنوبي أو قوات طارق صالح أو قوات العمالقة (السلفيين)، وجميع أدوات الإمارات والسعودية في اليمن.
كما يتذوق الإصلاح مرارة الخذلان من شركاء الأمس وفرقاء اليوم، الذين أبوا تجشّم عناء إصدار بيان استنكاري لإدانةِ حادثةِ مُداهَمة مقر حزب الإصلاح في مدينة عتق، ونهب محتوياته. وعلاوة على ذلك، أصبح حزب الإصلاح متهمًا بالتمرّد على سلطة مجلس القيادة والرئيس العليمي في عدن. وهو السلاح نفسه الذي كان حزب الإصلاح بالأمس القريب يلوح به في وجوه خصومه، ويصفهم بالتمرُّد على سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، ويخلع عليهم وصف (الميليشيات).
وبهذا استحال الإصلاح من حزب سياسيّ كبير يتواجد على امتداد 21 محافظة و333 مديرية وأكثر من 30 ألف قرية يمنية، إلى أشبه بفصيل مسلح يتكدس (بشكل مؤقت) في مدينتي مأرب وتعز، وأصبح اليوم أمام خيارات مريرة، أحلاها بطعم العلقم. وهذا ليس مدعاة للفرح وللفخر كما يدّعي خصوم الإصلاح؛ لأنّ إنهاء أي حزب سياسي بالقوة ليس مجرد خسارة للحزب فحسب، وإنما أيضًا خسارة للحياة السياسية في البلاد. ومن يستطيع إزاحة حزب بحجم الإصلاح عن المشهد السياسي اليمني، فسوف يكون أقدر على اقتلاع بقية الأحزاب من جذورها.