مع ساعات الصباح الباكر، وقبل أن تمد الشمس خيوطها الأولى، يكون أحمد الأشول 59 سنة قد قصد إحدى حراجات العمال بالعاصمة صنعاء، بانتظار فرصة عمل في مجال النجارة.
يحالف الحظ الأشول أيامًا، ويخيب أيامًا أخرى، لكن مع ارتفاع أسعار الحديد لنحو 70% عما كانت عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فإن فرص العمل أصبحت أكثر صعوبة من ذي قبل.
بحسب الأشول، الذي تحدث لـ"خيوط"، فإنه لم يعد يظفر بفرصة عمل إلا مرة كل عشرة أيام، مما فاقم من معاناته في توفير تكاليف لقمة العيش لأسرته المكونة من (9) أفراد، معاناة الأشول، ليست الوحيدة، فمع الارتفاع الجنوني لأسعار الحديد، أضحى مئات الآلاف من العمال اليمنيين أمام أكبر خطر يهدد حياتهم، إلى جانب تعرض سوق العقارات لضربة قاتلة هددت أرزاق الكثيرين.
عبده الغرباني؛ واحد من الذين بدت معاناتهم أكثر إيلامًا من معاناة "الأشول" فالرجل يزحف عمره إلى منتصف الستينيات، حتى أن بياض شعر رأسه يهزم نور الشمس في وضح النهار، حين التقته "خيوط" في حراج الضرائب بمنطقة شملان شمال العاصمة صنعاء صباح الخميس الفائت، قال والأسى يعصر كلامه: "منذ نحو شهرين أتجه يوميًّا بعد أداء صلاة الفجر إلى الحراج، ولا أغادره إلا قبل غروب الشمس، ومع ذلك لم أحصل على فرصة عمل حتى الآن، لذا لم أعد أجد أي شيء أنفقه على عائلتي المكونة من اثني عشر فرداً.
يرجع الغرباني السبب إلى الارتفاع المخيف في أسعار الحديد، مؤكدًا أن فرص العمل في سوق العقارات انخفضت بشكل كبير منذ اندلاع الحرب في مارس/ آذار من سنة 2015، وهو ما أكده، إسماعيل سويد، مقاول أربعيني، بقوله: "تضررنا نحن -المقاولين- في أعمال البناء وسوق العقارات بشكل كبير جدًّا، مضى نحو أكثر من شهرين وأنا متوقف عن العمل"، مشيرًا إلى أن استمرار هذا الارتفاع، سيضاعف من الكارثة الإنسانية للعاملين في مجال البناء وسوق العقارات، خصوصًا وأن هذا القطاع يحتوي على أكبر نسبة من الأيدي العاملة.
إضافة إلى كونه المجال الاستثماري الأكثر أمانًا في اليمن، وأكثر القطاعات التي لجأ إليها الكثير من المواطنين، ممن فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص، أو رواتبهم في القطاع الحكومي بسبب الحرب الدائرة.
يرى مختصون أهمية قيام وزارة الصناعة والتجارة في مراقبة الأسعار واحتكاره من قبل التجار، إذ أن الوزارة ركزت على مراقبة أسعار المواد الأساسية المرتبطة بحياة الناس كالمواد الغذائية، ولا يوجد لها أي دور بالنسبة للمواد الأخرى كالحديد
ارتفاع طال الجميع
تأثير هذا الارتفاع طال أيضًا المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، غمدان قرية، مهندس معماري يعمل في محافظة المهرة، أكد أن سعر الطن الواحد للحديد بلغ 690 ألف ريال، ما أثر بشكل كبير على حركة العمل في مجال البناء وسوق العقارات، وبنسبة تصل لنحو %50 عما كانت عليه الحركة قبل ارتفاع الأسعار.
جنون ارتفاع أسعار الحديد، التي وصلت في صنعاء لنحو 520 ألف ريال للطن الواحد، أرجعه الباحث الاقتصادي أحمد الطيار، في حديثه لـ"خيوط"، إلى الارتفاع العالمي في أسعار الحديد، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 25% عما كانت عليه، مضيفًا: "أن سعر الطن في اليمن كان بألفي ريال سعودي، أي ما يعادل 310 ألف ريال يمني، وأن السبب في الارتفاع الكبير في سعر الطن في اليمن مقارنة بنسبة الارتفاع العالمي، مصدره في الأساس يكمن في أن الحديد يتم استيراده من ميناء عدن، وليس من ميناء الحديدة، وهو ما ضاعف تكاليف النقل، إذ أن تكاليف النقل من عدن لصنعاء لقاطرة حمولتها 30 طنًّا، تصل لنحو ثلاثة مليون ريال، أي بتكلفة مئة ألف ريال للطن الواحد. ونفى الطيار أن يكون هناك أي احتكار للحديد من قبل التجار في صنعاء، أو أن يكون للأمر علاقة باحتجاز السفن في ميناء الحديدة، بسبب أن دول التحالف منعت استيراد الحديد عبر ميناء الحديدة، وحسب تعبيره، فإن ما ضاعف ارتفاع سعر الطن هو تأخر عملية دخول السفن لميناء عدن، وكذا ارتفاع تكلفة عملية النقل الدولي لعدن من 3800 دولار للحاوية إلى 6000 دولار، مؤكدًا أنه لا علاقة لفارق الصرف للعملة السعودية بارتفاع سعر الطن في صنعاء، لأن عملية البيع والشراء في الحديد تتم بالريال السعودي، وبالتالي فإن فارق الصرف، سيؤثر على سعر الطن في عدن، حيث يصل سعر الطن الواحد لنحو 700 ألف ريال يمني.
فرض رسوم إضافية
يرى مختصون أهمية قيام وزارة الصناعة والتجارة في مراقبة الأسعار واحتكاره من قبل التجار، إذ إن الوزارة ركزت على مراقبة أسعار المواد الأساسية المرتبطة بحياة الناس كالمواد الغذائية، ولا يوجد لها أي دور بالنسبة للمواد الأخرى كالحديد.
بالمقابل، يؤكد محمد النعمي، تاجر حديد، لـ"خيوط"، عدم وجود أي احتكار من قبل التجار؛ لأن من مصلحة التاجر هو البيع، وانخفاض أسعار الحديد يحقق هذا، فعملية البيع مرتبطة بانخفاض الأسعار وزيادة الطلب.
في السياق ذاته، يقول فؤاد هويدي، المختص بالتجارة الخارجية في وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء لـ"خيوط"، إنه من حيث المبدأ لا يحق للوزارة تحديد الأسعار، كون سوق التجارة حرًّا، كما أن عملية البيع والشراء خاضعة لقانون العرض والطلب، وقانون المنافسة"، مبيّنًا أن دور الوزارة منصب في مراقبة الاحتكار، إضافة إلى عدم تلقي الوزارة أي شكاوى بهذا الخصوص، حتى تحيل ذلك إلى التحقيق واتخاذ الإجراءات الرادعة، داعيًا المواطنين أو أي جهة لديها أدلة باحتكار تاجر معين لمادة الحديد، أن يتقدموا بشكاوى لوزير الصناعة والتجارة، وستتخذ الوزارة الإجراءات العقابية بحقهم.