بعد محاولاتٍ كثيرة فشلت مريم أحمد (48 سنة)، في الاتصال بأحد أبنائها المقيمين في إحدى دول الخليج عبر تطبيق الواتساب والإيمو الخاص بالاتصالات المرئية، والتي بالعادة يستخدمها كثير من اليمنيين من أجل الاطمئنان على أقاربهم في معظم الأحوال، إذ تقول مريم في حديثها لـ"خيوط"، إنها ظلت لأيام تحاول التواصل مع ابنها، لكن كل المحاولات باءت بالفشل.
في البداية كانت مريم تظن أن سرعة الإنترنت هي السبب، وظلت تحاول الاتصال في أيام مختلفة، ما جعلها تلجأ إلى استخدام تطبيقات أخرى، وهو ما جعلها تعاني نتيجة لضعفها وتوقفها مرات عديدة أثناء الاستخدام.
ليست مريم وحدها من تستخدم تطبيقات الاتصال، فهناك الكثير من مستخدمي الإنترنت في اليمن يستخدمون هذه التطبيقات من أجل التواصل فيما بينهم وبين أفراد أسرهم في الكثير من الأحوال، لكن مسألة حجب تطبيقات التواصل في اليمن تقف سدًّا منيعًا أمام كثيرين، حيث تقوم "يمن نت"، وهي المزود الرئيسي لخدمة الإنترنت في اليمن، بعمليات حجب متكررة للكثير من المواقع والبرامج، وفي الغالب لا تذكر الأسباب التي تدفعها لذلك.
عمليات حجب واسعة
لم تكتفِ مزود الخدمة "يمن نت" الخاضعة لسيطرة سلطة أنصار الله (الحوثيين) بحجب برامج التواصل المرئي والصوتي فقط، بل لجأت كذلك إلى حجب أغلب -إن لم يكن كل- المواقع المعارضة لها، والكثير من المواقع الأخرى، وصولًا إلى مواقع التواصل الاجتماعية، والتي تعتبر أحد متنفسات اليمنيين، والتي يلجأ إليها كثيرون من أجل الهروب من واقع الحرب. كما أن هناك كثيرين يستخدمون مواقع يتم حجبها من أجل أعمال مختلفة في حياتهم المهنية.
تضيف ريم جلال، والتي تعمل في التسويق الإلكتروني في مؤسسة تجارية خاصة بالمستلزمات النسائية، أنها كانت تستخدم تطبيق الأنستقرام في معظم الأوقات من أجل عرض وبيع منتجات المؤسسة، لكنها تفاجأت في وقت سابق بحجب التطبيق بشكل متقطع؛ ما جعلها تخسر الكثير من العملاء الذين كانت تتواصل معهم، الأمر الذي جعلها تلجأ إلى البحث عن وسائل أخرى.
يشير المهندس عبدالرؤوف المطري إلى أن عمليات الحجب أثرت بشكل كبير على كثير من المستخدمين وعلى مصالحهم، كما أنها تقف عائقًا أمام الكثير من المؤسسات التجارية والتي تعتمد بشكل كبير على الإنترنت في أعمالها، في حين أن برامج الـvpn ليست جميعها آمنة، وخطرها أكثر من نفعها
كان قد تم حجب تطبيق الأنستقرام بشكل نهائي منذ نهاية العام 2019، وحتى منتصف أبريل/ نيسان من الشهر الماضي وفق مستخدمين، وحجب متقطع لبرامج الإيمو والواتساب وغيرها.
انتهاكات كثيرة
الكثير من الانتهاكات بحق مستخدمي الإنترنت تحدث كل يوم من قبل "يمن نت"، إذ يشير تقرير نشره KeepItOn نهاية العام 2019، أن اليمن قد حصل على أكبر نصيب من حيث عدد عمليات حجب الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط، كما وثق التقرير العديد من عمليات الحجب التي حدثت.
تسعى السلطات في صنعاء إلى حجب ومراقبة المحتوى المنشور بشكل مستمر؛ إذ يقول مصدرٌ في شركة يمن نت -فضّل عدم ذكر اسمه- إن الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين) هي المسؤولة عن عمليات حجب مواقع الإنترنت المتكررة.
ويشير إلى أن عمليات الحجب تتم على المواقع الإخبارية غير المساندة لها بشكل كلي، والتطبيقات التي يرى أنها غير أخلاقية وتسعى إلى إفساد المجتمع، حد قوله.
وللسلطات اليمنية سجلًّا حافلًا في قمع وانتهاك حرية التعبير والرأي والحصول على المعلومات منذُ سنوات طويلة.
وحسب مراكز حقوقية فإن بعض التشريعات، مثل قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 1990، قد تم استعماله في اليمن مرارًا وتكرارًا ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتعتبر عمليات الحجب القائمة إحدى الانتهاكات التي تقوم بها الجهات المعنية، والتي تستهدف بشكل رئيسي المواطن وإمكانية وصوله إلى المعلومات.
السيطرة على الخدمة
يسعى طرفا الصراع في اليمن؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، من أجل السيطرة على خدمة الإنترنت والتحكم بها بشتى الوسائل، فقد لجأت الحكومة المعترف بها دوليًّا بعد محاولات كثيرة من أجل السيطرة على قطاع الاتصالات والإنترنت، إلى إنشاء مزود خدمة "عدن نت" في أواخر العام 2018، ليكون بديلًا عن "يمن نت"، لكنه حتى الآن لم يغطِّ كافة مناطق عدن، ولم يخرج منها بعد، فيما سعت بشكل كبير في أوقات سابقة من أجل السيطرة على قطاع الاتصالات والإنترنت، لكنها فشلت.
ولا تزال منذ ذلك الوقت جميع المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًّا تعتمد بشكل رئيسي على الإنترنت المقدم من قبل "يمن نت"، باستثناء بعض المناطق والأحياء داخل مدينة عدن، لكنّ مستخدمي "عدن نت" يشكون من رداءَتِها وخروجها عن الخدمة في أوقات كثيرة، وهو ما يجعلهم يلجؤون إلى استخدام الإنترنت المقدّم من "يمن نت"، حسب ما أدلى به مستخدمون.
الأثر على المستخدمين
لجأت ريم إلى استخدام تطبيق الواتساب وفيسبوك بديلًا عن الأنستقرام بعد أن تم حجبه من أجل الترويج لمنتجات المؤسسة التي تعمل بها، وتقول في حديثها لـ"خيوط"، إنها عادت إلى العمل من جديد وبناء قاعدة كبيرة من العملاء بعد أن كانت قد كسبت آلاف المتابعين والعملاء ، وتحاول مجددًا أن تكسب ثقة العديد من الناس وتعريفهم بالمنتجات من جديد، وتشير إلى أن عملية الحجب أثرت عليها وعلى عملها بشكل كبير جًّدا، لا سيما أن عملها مرتبط بشكل رئيسي بعدد العملاء التي ستكسبهم.
لا يقتصر أثر الحجب على التواصل العائلي أو العمل في التسويق فقط، هناك شريحة كبيرة جدًّا من الناس تضررت بشكل أو بآخر بسبب عملية الحجب، فهناك صحفيون وناشطون وحقوقيون ترتبط أعمالهم بشكل رئيسي بالإنترنت، لا سيما العاملين مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية، فقد تخسر عملك بسبب تأخر بسيط نتيجة لسياسة الحجب، أو تخسر العديد من الفرص لهذا السبب، بحسب تأكيدات كثير من اليمنيين المستخدمين للشبكة العنكبوتية.
كما تحولت عمليات الحجب فجأة من التحكم بالمعلومات والوصول إليها، إلى إغلاق متنفس الناس والإضرار بمصالحهم وأعمالهم أو تضيق الخناق عليهم؛ لذا فقد استخدمت ريم وغيرها من المستخدمين برامج (vpn)، وهي متخصصة بكسر الحجب وفتح المواقع المحجوبة، ولكن لا يتجاوز استخدام البرنامج الشهر حتى يتم حجبه ثم تبحث ريم عن برنامج آخر، وتضيف ريم إلى أن الكثير لا يستخدم برامج (vpn)، وذلك لجهل الكثيرين عنها أولًا، ولأنها تزيد من تكلفة استخدام بيانات الإنترنت، خاصة لمن يستخدم الإنترنت من بيانات الهاتف الخلوي.
في السياق، يشير المهندس عبدالرؤوف المطري إلى أن عمليات الحجب أثرت بشكل كبير على كثير من المستخدمين وعلى مصالحهم، كما أنها تقف عائقًا أمام الكثير من المؤسسات التجارية والتي تعتمد بشكل كبير على الإنترنت في أعمالها ويشير إلى أن برامج الـ(vpn) ليست جميعها آمنة، بل إن بعضها يعتبر خطرها أكثر من نفعها، إذ تقوم بجمع البيانات الخاصة بمستخدميه، وبالتالي ينصح التحري والتأكد من استخدام برامج آمنة وموثوقة.
وتعتبر عمليات الحجب الواسعة التي يتعرض لها المستخدمون والكثير من المواقع، غيرَ قانونية، لا سيما أن المادة القانونية رقم 42 من الدستور اليمني تنص على أن "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حـدود القانـون"، كما أن المادة (53) من الدستور نصّت على "حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبيّنها القانون وبأمر قضائي"؛ بمعنى أن الدستور اليمني اشترط وجود أمر قضائي في أي حالة تتعرض لها أي وسيلة اتصال لأي اعتراض من أي سلطة كانت، حسب ما أدلى به المحامي نجيب النهمي في حديثه مع "خيوط".
ويشير النهمي إلى ضرورة حماية الإنترنت وتوفيره لكل مواطن، لا سيما الصحفيين والعاملين في مجال منظمات المجتمع المدني، وذلك وفق ما ينص عليه الدستور من حيث رعاية الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني من قبل مجلس الشورى، ويؤكد على ضرورة سَنّ قانون خاص بتنظيم الإنترنت والمجال الرقمي بشكل عام، ويحث على أنه يحق لأي مواطن تأثَّرَ بشكل مباشر في حالة تم حجب الإنترنت عليه التقديم بدعوة قضائية أمام المحكمة الإدارية.