بدأ يمارس شغفه كهاوٍ مبتدئ، لم يكن يحلم بما هو أكثر من الشخبطة على الجدران. كان يطلق العنان لموهبته حتى لا تظل حبيسة أفكاره، تفاعله مع الأحداث والمنعطفات السياسية جعله يخطو بموهبته إلى الأمام، ومن خلال تقطيع صور الساسة وإعادة تجميعها وعمل إضافات لها، وفق فكرته الخاصة، أو ما يعرف بفن الكولاج، كان هو بداية الطريق للوصول إلى المكانة التي هو عليها اليوم.
وعبر صندوق "صحيفة الجمهورية"، كان يضع صكه الأول في عالم الرسم، وفضاء الشهرة الواسع، ليفرض نفسه فنّانًا كاريكاتوريًّا ومبدعًا تشكيليًّا، وصاحب ريشة ساحرة، كانت على الدوام لسان حال الناس المعبرة عن همومهم وأوجاعهم.
مبادرات ذات أثر
وبالتوازي مع ما كانت تترجمه ريشته من أعمال إبداعية وإنسانية خالصة، بدأت شخصية رشاد السامعي، الإنسان، تتجلى واقعًا ملموسًا في مبادرات مجتمعية هادفة ذات أثر اجتماعي فاعل، ومن بوابة دعم الفئات الضعيفة، ومساندة المحتاجين، برزت مؤخرًا مبادرته المجتمعية اللافتة في دعم ومساندة طلاب الأرياف الدارسين في جامعات مدينة تعز ومعاهدها ممن يواجهون ظروفًا قاسية لا تقوى على مواجهتها أسرهم المعدمة، وخلال بضعة أشهر كان يضع بصمته المائزة في الحياة الطلابية لما يزيد على ثلاث مئة طالبٍ جامعيّ.
وفي خضم ما تتعرض له مدينة تعز من حصار مطبق وجائر يدخل عامه التاسع، برزت ريشة رشاد السامعي كجبهة فنية تتصدر واجهات الصحف والمواقع الإلكترونية المحلية لتتعداها إلى شاشات التلفزة، في أعمال فنية كاريكاتورية ملهمة تحمل هموم الناس وتنقل معاناتهم بشكل مكثف وهادف ومؤثر. وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، وجد نافذته المتاحة للوصول إلى الناس، بعد أن دمرت الحرب جمهوريته الصحيفة، وعبثت بمدينته الحالمة، وصادرت حريات الناس وحقوقهم الأساسية.
كان يلتقط تلك الإشارات الإنسانية، ليدرك حجم تلك المعاناة الخفية والمنسية، وليدلف بابًا مختلفًا، لعمل ما يمكن عمله في حدود المتاح، دعمًا لشريحة عريضة من طالبي العلم من أبناء الريف في محافظة تعز.
وعن أول مبادرة طلابية استجاب لها، يتحدث السامعي لـ"خيوط" بقوله:
"قبل سنتين تقريبًا، وصلني خبر وجود مجموعة من طلاب الأرياف في عزبة في حي المسبح، بمدينة تعز، يعيشون حالة صعبة، ذهبت على الفور لأستقصي حالتهم واقعًا، ليصدمني ما هم عليه من حالة بائسة، وعبر صفحتي الفيسبوكية كنت أنقل معاناتهم، وكانت الاستجابة سريعة وبلمح البصر، وفي غضون دقائق توفرت لهم كل احتياجاتهم".
وبجهود ذاتية ونزعة إنسانية خالصة، يعتمد السامعي آلية دقيقة في تلقي طلبات احتياجات طلاب الأرياف الدارسين في مدينة تعز، ويعمل على الاستجابة لها وفق الممكن والمتاح أمامه.
من زاوية "التحدي" كان يفتح أفقًا رحبًا لدعم شريحة واسعة من طلاب الأرياف، بلغت حتى اليوم قرابة 300 طالب جامعي.
التحدي باللايكات
وفي نوفمبر الماضي، كان السامعي يدشن محطة جديدة في مسار المبادرات المجتمعية الذاتية، ومن زاوية "التحدي باللايكات" عبر صفحته الفيسبوكية، كان يفتح أفقًا رحبًا لدعم شريحة واسعة من طلاب الأرياف، بلغت حتى الآن ما يزيد على ثلاث مئة طالبٍ جامعيّ.
وفي ظل ما يعيشه سكان مدينة تعز من ظلام دامس في ظل خروج خدمة الكهرباء العمومية عن الخدمة منذ سنوات، ومع وجود خدمة الكهرباء التجارية عالية الكلفة، يبقى طلاب الأرياف القادمين للدراسة في المدينة بين فكَّي كماشة وفريسة لظلام مطبق يلف لياليهم القاسية ويعيق استقرارهم الدراسي.
يقول يحيى علوان، وهو أحد طلاب الأرياف القادمين من ريف مديرية المخا الساحلية للدراسة في مدينة تعز، ويقطن مع مجموعة من زملائه في عزبة طلابية في حي المسبح بمدينة تعز، في حديث خاص مع "خيوط": "كانت مبادرة الفنان رشاد السامعي بمثابة الشمعة التي أضاءت ليالينا المعتمة، ومدتنا بشعاع من الأمل الذي يعني لنا الكثير، ويساعدنا على الاستقرار الدراسي في المدينة لاستكمال دراستنا الجامعية"، ويشيد علوان بما قدمه السامعي لعزبتهم الطلابية من أدوات ومتطلبات كانوا في أمس الحاجة إليها.
ويقول صادق علي، وهو أحد طلاب الأرياف الدارسين في مدينة تعز، والقادمين من مديرية جبل حبشي ويسكن بصحبة زملائه في عزبة طلابية في حي المرور: "كنا نعاني في مسكننا الطلابي من عدم وجود وسيلة إضاءة، ومن نقص في الأغطية التي تقينا برودة الشتاء القارس، فوجدنا في مبادرة الفنان رشاد السامعي ملاذنا الأخير لإنقاذنا مما نحن فيه، كانت الاستجابة سريعة، وتم توفير كل متطلباتنا في العزبة، وكان لمبادرة الفنان رشاد أثرها البالغ على استقرارنا الدراسي".
ونظرًا لعمومية الحالة الطلابية لغالبية الطلاب القادمين من الأرياف للدراسة في المدن اليمنية، يتلقى السامعي سيلًا من الطلبات والمناشدات الطلابية من مدن يمنية مختلفة، هي في الغالب خارج قدرته على الوصول إليها.
"بين ليلة وضحاها، أضاء لنا مصباح العلم، ووفر لنا بطارية بقدرة 70 أمبيرًا، وشاحنًا كهربائيًّا، وأربع لمبات، ولوح طاقة شمسية".
من تعز إلى عدن
وفي حالة استثنائية، يشير عبدالرحمن صادق، وهو طالب جامعي يسكن برفقة عدد من زملائه في عزبة طلابية في مدينة عدن، إلى وصول أثر المبادرات المجتمعية التي يقودها الفنان رشاد السامعي، إذ وفرت لهم منظومة طاقة شمسية كانوا في أمس الحاجة إليها. يقول صادق في حديثه لـ"خيوط": "يعاني طلاب الأرياف من ضغوطات الحياة المادية، والوضع الحالي لمجتمعنا، وغياب الدعم الكامل للطلاب الجامعيين".
وينوه صادق إلى أهمية وجود المبادرات المجتمعية الداعمة لطلاب الأرياف في الجامعات، فهي تسهم في التخفيف من معاناتهم، ويشير إلى أنهم -طلاب عزبة الخير في مدينة عدن- كانوا يعيشون ليالي من الظلام الدامس في مدينة تعاني من أزمة كهرباء دائمة، ومنذ أمد طويل وهم يتجرعون ويلات انقطاع وريد الكهرباء الذي يضخ لهم الضوء، وينير لياليهم المعتمة، ويمكنهم من السهر ليلًا في الاعتكاف على كتبهم ومراجعهم الدراسية.
وحسب حديث صادق لـ"خيوط": "أثناء تصفحنا للفيسبوك، وجدنا صفحة الفنان رشاد السامعي، وعرفنا أنه يدعم طلاب الأرياف، قمنا بالتواصل معه على الفور، وكانت الاستجابة سريعة، وبين ليلة وضحاها، أضاء لنا مصباح العلم، ووفر لنا بطارية بقدرة 70 أمبيرًا، وشاحنًا كهربائيًّا، وأربع لمبات، ولوح طاقة شمسية"، وعبَّر عن إشادته وزملاءَه بالمبادرة المجتمعية التي يقودها السامعي، شاكرًا كل الجهود الداعمة سواء كانت فردية أو جماعية، والتي تصب في خدمة الطلاب الجامعيين القادمين من الأرياف للدراسة في المدن اليمنية.
ويقود السامعي، بجهود ذاتية، مبادرات مجتمعية متعددة في إطار مدينة تعز، شملت العمّال في الجولات، وعمّال النظافة في مدينة تعز، ومؤخرًا قام بتسليم 80 جاكتًا شتويًّا لإدارة صندوق النظافة والتحسين في المدينة، لغرض تسليمها لعمال النظافة الذين يعملون ليلًا.