لا توجد حرية مطلقة تقول لك لا تحترم حق الآخر.
من وحي هذا الصراخ الممتد من فرنسا إلى كندا، وبينهما شارع عربي ومسلم ونخب، تراءى لي أن أسأل أسئلة بريئة، أشك أن أحدًا سيجيب عنها، لكنها ضرورية في هذه اللحظة.
الرسوم، حرية التعبير، الدستور، الإعلان العالمي، مواثيق الأمم المتحدة، الديمقراطية، الحرية، العلمانية العربية، الدين… .
السؤال: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هل يجيز الإساءة لمعتقدات الآخرين تحت بند "حرية التعبير"؟
بمقابل هذا السؤال سؤال: ماذا يعني أن تقول: "دولة مستقلة ذات سيادة"؟ مقابل مسلّمة تقول: الإنسان حر. كيف يكون حرًّا؟ هل يحق له انتهاك حق الغير باعتبار أنه "حر"؟ افهم أن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.
ماذا يعني عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى؟ وهل الإنسان ومعتقده مشمول بعدم التدخل؟!
في كل مرة تظهر الرسوم، يظهر عجز الدول العربية والإسلامية - قل العربية تحديدًا - عن مواجهة ما هو مسيء بالطرق التي تؤدي إلى نيل الحقوق، فيطل الإسلام السياسي وكيلًا للأمة في الرد، فيرد بطريقته، فيجدها الغرب فرصة ويوجه الاتهام إلى الإسلام كدين!
قال أحد أولياء الأمور، وهو يصف ما جرى في الفصل من قبل المدرس الذي بتصرفه الأرعن أشعل كل هذه النار، أنه طلب من الطلبة المسلمين مغادرة الفصل، نجل ولي الأمر هذا رفض، طلب الخروج بحد ذاته يثير الشك بأنه كان يبيت النية للإساءة للآخرين في معتقدهم.
يقول المصيّحون العرب، ولكنهم يرسمون زعماءهم بأشكال مسيئة، فلا يتكلمون! طيب ذلك شأنهم في بلدهم، سيكون الرد هكذا.
هنا السؤال المهم: هل تنص الدساتير هناك على ضرورة أن تشمل بإساءتك معتقدات الآخرين ورموزهم الدينية؟ هذه المرة الحديث يجري عن محمد رسول الله إلى البشرية، حيث أكثر من مليار إنسان يؤمن بالإسلام ويقدس رسوله. الأمر كذلك، كيف يمكن الحديث عن حرية تعبير وأنت تتعمد دائمًا الإساءة للرسول؟
من شارلي ايبدو إلى المدرس إلى تصريحات ماكرون، فتحس أن هناك من ينظم في الخفاء حملة مستمرة، تطل بقرونها في أوقات يكون السياسي بحاجة إلى ما ينقذه من مشكلة ما؛ خذ كورونا وتفشيه في فرنسا بطريقة موحشة نموذجًا.
أعلم أن العرب تحديدًا أسوأ من يدافع عن الإسلام كدين! لكن أفهم أيضًا أن على الغرب الذي يتحدث عن القيم، معني بحماية حرية المعتقد واحترام معتقد كل مكونات شعوبهم، حيث كل الديانات موجودة في كل بلد غربي، ويتباهون بذلك، ونتباهى نحن عندما ندلل على عقم قيم الحرية لدينا بما لديهم.
هل يكيلون بمكيالين؟ وهل النخب العربية تكيل بمكيال؟
المسيحيون العرب، واليمنيون على رأسهم، لهم أولًا موقف سلبي من الدين، وفي الوقت نفسه، لا يتجرؤون ويقدمون قراءة عصرية تتناسب ومستوى التطور الحاصل في الكون كله. فقط تراهم حتى الصور التي ينشرونها لمدونين بجلابيب سود، يجيرون الدين للأسف لأصحاب الفتاوى العقيمة، أمثال القرني الذي ذهب بآلاف الشباب إلى المحارق، وعاد بكل بساطة يقول: "أنا آسف"، لمجرد أن ولي الأمر أمره أن يقول ذلك.
أين يغيب العقل في لحظة فاصلة، العقل الذي يوجه الشارع إلى ضرورة عقلنة الشعار، ويوجه النظر إلى الوسائل القانونية المتاحة لإقناع العالم بضرورة احترام حق الغير في خياراته واختياراته، وبحساسية المسألة الدينية
المثقف العربي - واليساري تحديدًا - ترك المسجد للعقيمين، وراح يقف هو بعيدًا يشتم وينظر!
وهنا يكمن عقم المثقف في عجزه عن إيجاد البدائل، ببساطة لأنه عاجز. الكتاب الذي قرأه أُلّف لواقع آخر، لذلك تجد أسباب عجز الأحزاب العربية في عدم قدرتها على نقل الواقع العربي إلى طور آخر أجد وأشمل.
قال ماكرون في تصريح له: "لن نتخلى عن قيمنا"، ولم يقل أيضًا: وسنحترم خيارات الآخرين.
ماكرون كان بحاجة إلى قضية كبيرة تشغل الرأي العام عن الجائحة الغاشمة الجديدة، وبالمقابل أردوغان بحاجة سياسيًّا إلى ترسيخ صورته كحامي حمى الإسلام وعينه على طهران والرياض، والعالم العربي الرسمي، موقفه يتحدد تبعًا لما هو مطلوب منه، في لحظة يتوجه العالم بأنظاره إلى 3 نوفمبر وما بعده.
السؤال الأهم: أين يغيب العقل في لحظة فاصلة، العقل الذي يوجه الشارع إلى ضرورة عقلنة الشعار، ويوجه النظر إلى الوسائل القانونية المتاحة لإقناع العالم، بحسب مواثيق الأمم المتحدة، تضمين دساتيرهم ومناهجهم ضرورة احترام حق الغير في خياراته واختياراته، ويوعي مواطنيه بحساسية المسألة الدينية عند شعوب وأمم كثيرة.
هل تستطيع فرنسا تحت بند حرية التعبير أن تنشر رسوما تمجد ما يسمى بمعاداة السامية مثلًا؟ حتى لا نذكر رموزًا دينية محرم الإشارة إليها!
ذلك المعلم الذي لا نجيز ولا نقر قتله مطلقًا كرد فعل غبي، بالمقابل نقول إن حرية التعبير لا تعني الإساءة لمعتقدات الآخرين. ولذلك، ومن هذا المنطلق، فالمسؤولية يتحملها الغرب وبينهم فرنسا، خاصة وهم من دعم الحاكم العربي القاهر الظالم والديكتاتور، وليس ببعيد محاكمة ساركوزي، الذي من خلاله دعمت فرنسا القذافي، والنتيجة بادية الآن في ليبيا.
الغرب يقتلنا مرتين؛ مرة بتهيئة الظروف لظهور الجماعات المتطرفة، وأخرى باتهام الآخرين بالحقد والكراهية، ومرة ثالثة نُقتل على يد المصيّحين العرب، والحكام العرب، والكيل بمكيالين، حيث يصنفون إنسانهم أولًا، وإنسان البلدان التي استعمروها ونهبوها، عاشرًا.