تعيش المرأة بين أهلها متخيلة مستقبلًا متغيرًا إلى الأفضل، لكن الحقيقة ما تلبث أن تصفعها؛ فمن مشكلة إلى أخرى، ومن إجبار قهري إلى حرية مقيدة. حياة مأساوية تعيشها المرأة في كل منطقة من اليمن، وإن طرقتَ باب إحداهن لسؤالها عما إذا كانت تعرضت أو تتعرض للتعنيف، يفِض الدمع قبل أن تبوح بما تعانيه وما قد تعانيه في أيامها القادمة.
أسباب العنف ضد المرأة
في بداية حديثها لـ"خيوط"، تشير ملاك سريع، وهي مختصة في علم النفس، إلى أن أسباب العنف تتنوع بحسب نوع المجتمع وطريقة تفكيره ومعاييره الاجتماعية ومعتقداته، وأن العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن يتشكل من هذه الأسباب مجتمعة.
وللتعرف على رأي المرأة فيما تتعرض له من عنف أسري واجتماعي، التقينا امرأتين: (ياسمين) و(أحلام) -وهما اسمان مستعاران حسب طلبهما، ومراعاة لخصوصيتهما الاجتماعية- وفي حين لا تختلفان في كون السبب الرئيسي لتنامي العنف ضد المرأة في اليمن، يكمن في عدم المساواة القانونية والاجتماعية بينها وبين الرجل، فهما تتفقان أيضًا على أن قبول بعض النساء لتعامل الرجل معها بعنف وتهاونها في ذلك وخوفها منه ومن المجتمع، كل ذلك يلعب دورًا أساسيًّا في استمرار تعرضها للعنف.
وتضيف ملاك سريع أن استمرار تفشي الأمية والفقر في المجتمع اليمني، هي أسباب إضافية تغذي العنف ضد النساء، مشيرة إلى ما تثبته الدراسات الاجتماعية عن ارتباط العنف القائم على النوع الاجتماعي بالفقر والزواج المبكر والنسب المتدنية في التعليم.
تستدل ياسمين -ربة بيت- على كون خوف المرأة من الرجل والمجتمع معًا أحد أسباب تعرضها للعنف، بحالة ابنة أخيها (20 سنة)، التي قالت إنها تعرضت منذ طفولتها للضرب من قبل إخوانها، رغم أنها البنت الوحيدة في الأسرة. وتضيف أن إخوانها طالما اعتبروها "عارًا" وانهالوا عليها بالضرب والتوبيخ لأبسط الأسباب، وذلك في ظل تشجيع الأم التي كانت تقف في صفهم وتلزمها بالإذعان لهم وخدمتهم على أكمل وجه لكي تتفادى تعنيفهم لها.
أما أحلام، وهي موظفة تسويق، فتضيف إلى قائمة أسباب تعنيف المرأة، إحساس الرجل المعنِّف بالنقص، فيلجأ إلى تعويض ذلك النقص بتعنيف نساء أسرته، "سواء كانت زوجة أو أم أو أخت، وأحيانًا أخرى ابنة". وترى أن ممارسته للتعنيف تجعله "يشعر برجولته والجبروت في داخله"، وهو ما تعتبره دليلًا يؤكد عقدة النقص لديه حتى يتحول تسلطه على المرأة إلى حالة مرضية. كما تشير موظفة التسويق إلى أن "بعضًا من النساء تقبل التعنيف بسبب حبها للرجل الذي يعنّفها، وأن هذا الرجل غالبًا ما يكون زوجها؛ فمن شدة حبها له وتعلقها به أو خوفًا من الطلاق وعودتها إلى تعنيف الأسرة لها، تقبل الأذى الذي يُلحقه بها الزوج".
في سردها لوجهة نظرها، تقول أحلام إن تعرض الأخت للتعنيف من قبل الأخ، يرجع لتشجيع الوالدين له على ذلك، باعتباره "رجل البيت"، فيكبر الولد ويكبر بداخله فهم الرجولة بأنها الصوت العالي، وضرب الأخت وتسلطه عليها وتدخله في كل صغيرة وكبيرة من شؤونها. وتحكي أحلام قصة صديقة لها، قالت إنها تعرضت للتعنيف من قبل أمها، إضافة للعنف الممارس عليها من قبل إخوانها، في حين التزم الأب الصمت.
في حين تعتبر ياسمين الزواج خلاصًا للمرأة من العنف الأسري، ترى أحلام أن خلاصها يتمثل في تحليها بالقوة والثقة بالنفس وتقدير الذات.
وتضيف: "تعرضت صديقتي لتعنيف من قبل والدتها التي طردتها أخيرًا من البيت لأنها ردت عليها ودافعت عن نفسها أمام الظلم الذي تعرضت له". وعلى الرغم من العادات الاجتماعية التي تعتبر المرأة "عارًا" وتمنعها من الخروج من البيت، إلا أن إخوتها ووالدها لم يحركوا ساكنًا عندما امتثلت الفتاة لقرار الطرد. لم يكن لديها مكان تذهب إليه، وقالت أحلام، إنها استضافتها في بيتها لعدة أشهر.
الأضرار الناتجة من العنف
توجز الأخصائية النفسانية ملاك سريع، الأضرار والآثار المترتبة على تعنيف المرأة، في "تدني مستوى الصحة النفسية والجسدية والعقلية بشكل كبير، لدى المرأة المعنفة، وإهمالها لذاتها وشعورها بالدونية، وظهور أمراض مزمنة جسدية فيها، كالصداع وآلام الظهر والعظام، وكذلك أمراض نفسية أو اضطرابات سلوكية في الشخصية: الارتباك، الخوف، القلق، الانسحاب، عدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة أو التخطيط الجيد للمستقبل، ارتفاع نسبة الشعور بالاكتئاب، ومحاولة الانتحار".
وكمثال على ذلك، تقول ياسمين إن ابنة أخيها التي تعرضت لجروح نفسية عميقة جراء تعرضها للضرب والتعنيف الأسري منذ الطفولة، غالبًا ما تفضل الانعزال والبكاء، بينما لا تستطيع الدفاع عن نفسها، كما تفكر بالزواج من أي رجل، لتخلص من تعنيف إخوانها وتواطؤ أمها معهم.
وسائل الحماية
عند الحديث عن وسائل حماية المرأة من العنف الاجتماعي، غالبًا ما يبدأ المختصون بالتأكيد على أن نشر الوعي وتحفيز المجتمع على إسناد حقوقها، يأتي في طليعة هذه الوسائل، وهو ما تؤكد عليه ملاك سريع.
وفي حين تشدد الأخصائية النفسانية على دور "الجهات المختصة ووسائل الإعلام ومؤسسات التعليم"، في التوعية المجتمعية وتشنيع ممارسة العنف ضد المرأة، فهي تدعو لتشجيع النساء على "الإبلاغ عن أي شكل من أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة"، بما في ذلك المناطق الريفية. كما تدعو سريع إلى المطالبة بـ"سَنّ قوانين صارمة لمعاقبة من يمارس العنف ضد المرأة".
وتتفق كلٌّ من ياسمين وأحلام على أن من الحلول التي تساعد في حماية المرأة من العنف الأسري والاجتماعي، عدم تمييز الوالدين بين البنت والولد، لكيلا يرى الذكر نفسه أعلى مكانة من الأنثى، كما يدعوان إلى توعية الذكور منذ الطفولة بأنهم لا يمتلكون الحق في تعنيف الإناث أو التسلط عليهن، وأنه لا بد للوالدين من اتخاذ عقوبة ضد الولد إذا لزم الأمر، من أجل احترام الأنثى.
وفي سياق مشاركة ياسمين لقصة ابنة أخيها حتى النهاية، قالت إنها أصرت أخيرًا على الزواج من رجل لم يوافق عليه إخوانها وأمها، واكتفت بموافقة والدها عليه. كان حظ هذا الشابة جيدًا مع زوجها الذي أحسن معاملتها، كما تقول عمتها التي اعتبرت الزواج خلاصًا من العنف الأسري. غير أن أحلام لا توافقها هذا الرأي، إذ تعتبر أن خلاص المرأة من العنف الذي تتعرض له، يتمثل في أن تكون قوية وواثقة من نفسها وتحب ذاتها؛ فـ"بهذا لن تسمح بتعنيفها، وستتخذ الإجراء المناسب إذا تعرضت لتعنيف في حياتها"، تقول أحلام.
القوانين اليمنية والمرأة
يقول المحامي فؤاد عبده الجعفري لـ"خيوط"، إن القوانين اليمنية المعنية بحماية المرأة من العنف الممارس ضدها، لم تُسنّ لهذا الغرض تحديدًا، "مثل "قانون الجرائم والعقوبات" وغيره"، مشيرًا إلى أن "كل فعل تعنيف هو جريمة بحد ذاته وله عقوبة معينة".
ويضيف أن المرأة تتردد في اللجوء إلى القضاء بسبب خلو القوانين من العقوبة المشددة ضد مرتكب العنف، والتساهل في قضايا العنف ضد النساء. وحسب الجعفري، فإن خوف النساء من التعرض لعنف أشد، غالبًا ما يكون السبب في إحجامهن عن اللجوء للقضاء أو الجهات الضبطية المختصة، خصوصًا مع وجود حالات استهتار، من قبل بعض المنتهكين، بالقانون والسلطة القضائية والتنفيذية؛ إذ من الملاحظ، وفقًا للمحامي الجعفري، أن تسمع المرأة التي تلجأ لمقاضاة معنّفها العبارة المؤلمة: "خلّي القانون ينفعك".
من جانبه، يرى الاختصاصي في علم الاجتماع صابر الغيلي، في حديثه لـ"خيوط"، أن حماية المرأة من العنف ومختلف الممارسات المنتهكة لحقوقها عملية تكاملية، يتطلب أن يشترك فيها مختلف أفراد المجتمع، إضافة إلى كون ذلك سلوكًا ثابتًا، يجب أن تكون الأسرة مرتكزه الأساسي في احترام المرأة ودورها في المجتمع، ومن ثَمّ يأتي دور المؤسسات التعليمية للتوعية بمخاطر السكوت أو السماح بتفشي أي ممارسات تنال من المرأة أو تنتقص من دورها وأهميتها في المجتمع بشكل عام.
* تحرير "خيوط"