منذ أشهر طويلة يضطر عبدالغني قاسم إلى مغادرة منزله بشكل سري، يسلك في كل مرة طرقًا جديدة حتى لا يصادف تاجر المواد الغذائية الذي يطالبه بسداد الديون المتراكمة عليه؛ ليس هروبًا من دفع ما تراكم عليه من ديون، بحسب حديثه لـ"خيوط"، بل ليتحاشى الكلمات الجارحة والتصرفات التي باتت تمسّ كرامته الإنسانية، في ظل عجزه التامّ عن السداد، وفي ظل وضع عام وصفته المنظمات الدولية بأنه يمثل أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
عبدالغني واحد من آلاف التربويين الذين انقطعت رواتبهم، في سبتمبر/ أيلول سنة 2016، بعد قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، عاش عبدالغني معاناة قاسية في ظل عدم وجود أي مصادر دخل أخرى، لكن مع تفاقم الوضع المعيشي نتيجة الحرب، اضطر للعمل على دراجة نارية، ليتمكن من إعالة أطفاله السبعة، وتوفير احتياجاتهم الشخصية واحتياجاتهم المدرسية، وسداد إيجار المنزل الذي وصلت قيمته إلى نحو 150 دولارًا.
لكن بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، لجأ عبدالغني إلى اقتراض الأموال والمواد الغذائية، ليجد نفسه في مستنقع ديون متراكمة يصعب عليه الخروج منها وسداد ما تراكم عليه رغم كل محاولاته، الأمر الذي فاقم من وضعه المزري.
سداد آجل
يعيش اليمن على وقع أزمات اقتصادية ومعيشية طاحنة بفعل تداعيات الصراع الدائر وتهاوٍ متواصل للعملة المحلية، مع وصول سعر الصرف إلى نحو 1200 ريال مقابل الدولار الواحد في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، إضافة إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنحو 50% بحسب تقارير اقتصادية، اطلعت عليها "خيوط".
هذا الوضع ألقى بتبعات شاقة على اليمنيين الذين يكافحون للبقاء، وتوفير ما أمكن من احتياجاتهم المعيشية الضرورية بعد فقدان مصادر الدخل لنسبة كبيرة من الأسر اليمنية التي لجأت مضطرة لبعض الخيارات القاسية لمواجهة متطلبات الحياة اليومية، مثل الاستدانة أو بيع ما توفر من الممتلكات.
الحالة الاقتصادية التي أنتجتها الحرب، دفعت الكثير من اليمنيين للاستدانة؛ لتغطية احتياجات ومتطلبات الحياة، على أمل أن تنتهي الحرب سريعًا، وتتعافى البلد ليتمكنوا من سداد الديون التي تقصم ظهورهم
محمد عبدالكريم، تاجر تجزئة مواد غذائية، يؤكد في حديثه لـ"خيوط"، أن نسبة كبيرة من المواطنين، خصوصًا الموظفين المدنيين، لم تعُد تتوفر لديهم سيولة مالية أو مصدر دخل ثابت، وهو ما دفعهم إلى استدانة احتياجاتهم من السلع والمواد الغذائية، موضحًا أنّ نسبة العملاء لديه بالدين بلغت 50% مقارنة بسنوات ما قبل الحرب.
يشير هذا التاجر إلى أنّ هذا الوضع يؤثر عليهم بشكل كبير، إذ يحتاجون للسيولة المالية لسداد ما عليهم من فواتير لتجار الجملة، وتوفير احتياجات متاجرهم السلعية، وهو ما يدفعهم إلى محاولة تحصيل الديون السابقة المتراكمة على العملاء، وإعطائهم مهلة للتسديد.
بحسب تجار وباعة فإنه يتم منح الدائن مهلة تصل إلى 10 أيام لتسديد الدين الذي عليه، وتمديدها في حال تعثر السداد، مع وصول الأمر لتقديم شكوى للجهات المختصة في حال طالت المدة ولم يتم تسوية هذه الديون، كوسيلة ضغط من أجل السداد، ولتخفيف ضغوطات تجار الجملة.
بطالة وديون
أحمد السيد (28 سنة)، من سكان صنعاء، يعيش واقعًا صعبًا ومعقدًا، بعد أن وجد نفسه عاطلًا عن العمل منذ تخرجه قبل ثلاث سنوات من كلية الهندسة جامعة صنعاء، إذ لم يعد قادرًا على توفير احتياجاته ومتطلباته اليومية.
يقول أحمد لـ"خيوط": "أشعر بخيبة أمل كبيرة، طرقتُ أبوابًا مختلفة، بحثتُ عن وظيفة تساعدني على تأمين لقمة العيش وتسديد ما عليَّ من ديون دون جدوى".
وأدّت الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، إلى ارتفاع البطالة لمستويات كبيرة، تقدرها تقارير رسمية بأكثر من 55% في ظل انهيار المؤسسات العامة، وانخفاض قدرات القطاع الخاص في عملية التوظيف.
في السياق، يؤكد الباحث الاقتصادي، نبيل الشرعبي، أنّ الحالة الاقتصادية التي أنتجتها الحرب جعلت نسبة كبيرة من اليمنيين يسقطون في براثن الفقر، والعجز عن تلبية متطلبات العيش، لافتًا في حديثه لـ"خيوط"، إلى أنّ هذا الوضع دفع الكثير من اليمنيين للاستدانة؛ لتغطية احتياجات ومتطلبات الحياة، على أمل أن تنتهي الحرب سريعًا، وتتعافى البلد ليتمكنوا من سداد الديون التي تقصم ظهورهم، إضافة إلى أنّ هذه الديون، بحسب الشرعبي، تسببت في تفكيك أواصر علاقات الأسر، وقادت كثيرًا منهم إلى القضاء وبيع الأثاث والممتلكات بأثمانٍ بخسة.
كما يرى مختصون أنّ الأفراد المكبلين بالديون، باتوا أكثر عرضة للاكتئاب والحزن الشديد وسيطرة الأفكار السلبية على تفكيرهم، إضافة إلى الإصابة بالأرق والعصبية والتوتر المستمر وعدم القدرة على ضبط الأعصاب وردّات الفعل، في ظل تعدد المشاكل الناتجة عن الحرب والصراع الدائر منذ ما يزيد على سبع سنوات، وما خلفه من تبعات كارثية تطال مختلف شرائح المجتمع.
*تحرير خيوط