في إحدى قرى تعز، عاشت فاطمة (اسم مستعار) طفولةً قاسية بسبب مشاكل عائلية بين والديها أدت إلى انفصالهما لاحقًا؛ لتعيش بعد ذلك بمعية أمها محرومةً من حنان الأب.
تقول فاطمة لـ"خيوط": "كبرت في عائلة مفككة، تتبدد أبسط احتياجاتي العاطفية بين أبوين متباعدين، أضف إلى ذلك نظرة المجتمع السلبية تجاه فتاة لم تتربَّ في بيت مستقر؛ هذه العوامل مجتمعة أثرت بعمق على تكويني النفسي، وحطمت ثقتي بكل شيء، وأدخلتني في حالة مضطربة يسودها الانطواء والعزلة".
تزوجت فاطمة في العشرين من عمرها، على أمل أن تعيش حياة جديدة تعوِّضها عن الحرمان العاطفي والاستقرار النفسي اللذين فقدتهما في طفولتها، غير أنّ الأمر لم يكن كذلك، فقد أضاف الزواج لها مشكلة جديدة إلى مشكلاتها، بسبب العنف اللفظي والجسدي، والحرمان المادي من قبل الزوج، ومع ذلك استمرت فاطمة بالعيش مع زوجها؛ لأن الخيارات الأخرى أمامها كانت منعدمة تمامًا.
تغيير
قررت فاطمة أن تتجاوز هذا الوضع الذي وجدت نفسها أسيرة له، حفاظًا على أبنائها الستة (ثلاثة ذكور، ثلاث إناث)، حيث تواصلت بصديقاتها لمساعدتها في البحث عن عمل يمكّنها من توفير الاحتياجات الأساسية للمنزل، وهو ما حصلت عليه لاحقًا حين عملت كمعلمة في إحدى المدارس الخاصة براتب زهيد مع السماح لإحدى بناتها بالدراسة دون مقابل.
لم تسلم فاطمة من تعنيف زوجها اللفظي والجسدي، حتى وهي تقوم بالإنفاق على المنزل من دخلها الذي بدأ بالزيادة بفعل مثابرتها، التي قادتها إلى تمكين بنتيها من منحة خاصة، هذه المنحة مكّنتها من توفير احتياجات المنزل الأساسية. وبسبب التعنيف للبنتين من قبل الأب، قامت الأم بتزويجهما مبكرًا.
مقاومة
لم يتوقف تعنيفها مع أبنائها، وبالمقابل لم تشْكُ؛ ليقينها أنها بلا سند لحمايتها داخل الأسرة وفي محيطها المجتمعي، لهذا رأت أن جدار حمايتها هو الاستمرار في عملها كمعلمة في مدرستين صباحًا ومساء، إضافة إلى عملها في العطارة لإعالة أبنائها، هذه المقاومة منحتها مزيدًا من القوة والصلابة والاستقلالية الرافضة للانهزام والسحق.
تقول فاطمة: "تحسن وضعي، وواجهت كل التحديات والصعوبات، لكني أتمنى أن تتمكن الكثير من النساء المعنفات في اليمن، سواء بسبب العادات والتقاليد، أو لأسباب أخرى، من رفع أصواتهن والمقاومة، ولو بالحد الأدنى للمقاومة".
شريكات
في قرية بمديرية الشمايتين، عاشت سمية (اسم مستعار- 35 سنة)، حياة قاسية بسبب زوجها الذي كان يعنفها طوال فترة زواجها.
تقول لـ"خيوط": "تزوجت كمثل أي فتاة ريفية ترغب في تكوين أسرة صغيرة وسعيدة، لكني تفاجأت بعد الارتباط أن الزواج ليس مكانًا للاستقرار، فطوال السنوات الثماني من زواجي الأول وأنا أتعرض يوميًّا للضرب المبرح والعنف اللفظي والحرمان من أبسط المتطلبات المادية، أنا وأطفالي الأربعة".
وتتابع: "بعد فشل زواجي الأول، لم أستسلم للظروف، وخرجت أبحث عن عمل في المحلات التجارية وتنظيف الملابس، لكي أوفر لأطفالي لقمة العيش، ولكن بسبب كلام الناس وعادات وتقاليد المجتمع، والنظرة السلبية تجاه المطلقة، ورغبة مني في إيجاد من يساعدني في الإنفاق على المنزل؛ تزوجت للمرة الثانية برجل لديه أربعة أطفال، لعل وعسى أن يخف الحمل عن كاهلي؛ لكن العكس هو ما حدث، إذ فوجئت أنّ أولاد زوجي الثاني مرضى، وهو يعمل ليوفر تكاليف الدواء لهم، لكن الأنكى أنه بدأ يعاملني بسوء ويرميني بأقذع الألفاظ؛ لدرجة أني فكرت في الانتحار عدة مرات، لكني كنت ألتفت، يمينًا أو يسارًا، وأسمع أطفالي ينادونني".
قسوة
دخلت رقية (اسم مستعار- 30 سنة)، من مديرية الشمايتين، مصحةً نفسية؛ بسبب تعنيف والدها لها ولأمها.
تسرد رقية قصتها لـ"خيوط"، قائلة: "كبرت وأنا أعاني من عنف جسدي، وندوب نفسية وعاطفية عميقة أدخلتني في حالة من الاكتئاب والخوف من كل ما حولي، إلى أن بلغت الـ20 من العمر، تزوجت بشاب تقدم للزواج بي، على أمل الهروب من عنف أبي".
تزوجت رقية، لكن زوجها الذي كانت تظن أنها هربت إليه من تعنيف والدها، بدأ هو الآخر يعنفها ويضربها لأتفه الأسباب، خاصة إذا طلبت منه شيئًا، علاوة على أنه كان يشك بها وبكل تحركاتها.
الآن تعيش رقية في بيت الزوجية، رغم كل ما تتعرض له، من أجل أولادها الثلاثة، بالنظر إلى أن العودة إلى بيت أبيها أمر أكثر قسوة وكارثية وتعنيفًا، لذلك اضطرت إلى البحث عن عمل تعول به نفسها وأولادها.
رضوخ
فرع اتحاد نساء اليمن في الشمايتين يستقبل شهريًّا عشرات شكاوى التعنيف لنساء تعرضن للتعذيب والضرب الأسري. في المقابل، يقوم الاتحاد بتقديم بعض العون القانوني والمساعدات المالية والدعم النفسي لهن، وتدريبهن على إتقان بعض الحرف اليدوية، إلى جانب التمكين الاقتصادي.
يقول الطبيب العام، هشام فاروق، في حديث لـ"خيوط"، إنّ العنف الذي يمارسه بعض الأزواج على زوجاتهم، يتسبب بآثار سلبية على نفسيتهن، علاوة على المضاعفات الصحية الجسدية، مثل: إصابات الرأس والعظام، نزيف في الدماغ، إلى جانب حدوث حروق وجروح خطيرة.
ويشير المحامي والاستشاري القانوني توفيق الشميري في حديث لـ"خيوط"، أنّ القانون اليمني في المــادة (54)، من قانون الأحوال الشخصية يعطي المرأة الحق في فسخ الزواج للكراهية، إذ ينظر القاضي في الأمر ويتحرى السبب، فإن ثبت له، عيّن حكمًا من أهل الزوج وحكمًا من أهلها للإصلاح بينهما، وإلا أمر الزوج بالطلاق، فإن امتنع حكم بالفسخ وعليها أن ترجع المهر.
ويشير خالد الشميري، باحث في منظمة (أجيال بلا قات)، إلى أسباب مختلفة تقف خلف تنامي ظاهرة تعنيف النساء، على رأسها: طبيعة تنشئة المرأة، فهناك كثير من الأسر تربي بناتها على السكوت على أي عنف تتعرض له وتربطه بالعرف والتقاليد، لدرجة أنه قد يصل الأمر إلى تقبل وتعايش بعض النساء مع التعنيف كأنه أمر حتمي وطبيعي، أو قد يكون السبب نتيجة ضعف ثقة المرأة المعنفة بنفسها وبأسرتها، كما قد يكون الأمر عائدًا إلى الفقر وضعف الدخل لدى أسرة الفتاة، وبالتالي تضطر للرضوخ والقبول بوضعها أيًّا كان، ويضاف إلى تلك الأسباب عدم وجود مراكز ومؤسسات تهتم بالمرأة المعنفة ومساعدتها، إلى جانب قصور القوانين والتشريعات الضامنة لحماية ورعاية المرأة من التعنيف.
وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإنّ العنف ضد النساء في اليمن ارتفع بنحو 63%، منذ تصاعد النزاع في مارس/ آذار 2015، وسبق لنائبة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، ماريون لاليس، أن قالت في آذار/ مارس الماضي، إن "اليمن هو واحد من أصعب البلدان في العالم للنساء".