شعر الثلاثيني محمد ياسر، بحكةٍ شديدة في عينيه أيقظته من نومه بحالة من القلق والفزع، فقد كانت مصحوبة بالدموع. عندما نظر ياسر إلى المرآة، بحسب حديثه لـ"خيوط"، شاهد احمرارًا شديدًا في عينيه، وهو مؤشر واضح لإصابته بالعدوى، حيث استمرت الأعراض بالتطور طوال فترات اليوم، كشعوره بوجود حصى صغيرة بعينيه، وتكوّن طبقة من مخاط العيون، إضافة إلى الحكة الشديدة وتورم العينين بشكل أكبر، وهو ما جعله يقرر عرض نفسه على طبيب والتوجه إلى إحدى العيادات الطبية المتخصصة بالعيون، والتي فوجئ أول ما وصل إليها بتكدسها بالمرضى المصابين بنفس حالته؛ مرض الرمد.
منذُ شهر تقريبًا -وحتى اليوم- لا تكاد تتجول في مدينة المكلا أو تقضي معاملةً في مصلحةٍ حكومية أو تسير بين أحيائها إلا وتلمح أشخاصًا عيونهم حمراء أو متورمة أو إحدى العينين بنفس هذه الحالة، نتيجة إصابتهم بمرض الرمد (Ophthalmia) أو التهاب ملتحمة العين (conjunctivitis eye)، والعين الوردية (Pink Eye).
إضافة إلى انتشاره بمديريات أخرى في حضرموت، كغيل باوزير، والشحر، والمديريات الشرقية.
تزايد عدد المصابين بشكل يومي منذ بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي 2023، وهو مرض يصيب جميع الفئات العمرية، في حين يعتبر الأطفال الفئة الأكثر إصابةً به نظرًا لأنهم الأكثر اختلاطًا والأقل وعيًا.
يُرجع الاستشاري في الطب وجارحة العيون خالد باحارثة، وهو أستاذ في كلية الطب بجامعة حضرموت، في تصريح لـ"خيوط"، سببَ انتشار مرض رمد العيون في المكلا، إلى عدوى والتهابات فيروسية، دائمًا ما تظهر في بداية فصل الشتاء؛ مرحلة انتشار الفيروس، فالبرودة بيئة مناسبة للفيروسات.
ويضيف أنّ هذا النوع من العدوى الفيروسية ينتمي إلى الفصيلة "Epidemic adenoviral"، وغالبًا ما يصيب العينين لأنّه سريع الانتشار، ولكن في بعض الحالات يصيب إحدى العينين فقط، لافتًا إلى تعدد أعراضه، فهو يسبب احمرارًا في العينين أو إحداهما، والشعور بالرغبة في الحكة الشديدة، والحصى، وخروجَ إفرازات، وكذا صعوبة شديدة في فتح العيون بعد النوم، وينتقل من شخص لآخر في حالة ملامسة المريض أو أدواته الشخصية. أما عن طرق علاجها فيوصي الاستشاري في جراحة العيون، باستخدام مضاد حيوي مخفف للاحمرار ومسكن للألم على شكل قطرات مع كمادات ماء بارد.
فترة الانتشار وجهود المكافحة
يتوقع باحارثة تراجع حدة انتشار المرض واختفاءه في المكلا خلال مدة تصل إلى نحو شهر، في حين يشير إلى أهمية الوقاية منه بغسل اليدين بعد العودة إلى البيت، والابتعاد عن المناطق المزدحمة بقدر الاستطاعة، وكذلك الابتعاد عن المصابين بالعدوى.
كما أنّ مدة مرض التهاب الملتحمة تكون من يومٍ واحدٍ كأقل مدة، إلى عشرة أيام كأقصى فترة زمنية له، إذ يذكر أستاذ الطب بجامعة حضرموت، أن أكثر موجة انتشار للرمد شهدتها المكلا كانت في العام 2013 تقريبًا.
وينفذ مكتب وزارة الصحة والسكان بالتنسيق مع مكتب وزارة التربية والتعليم في مناطق ساحل حضرموت، حملة نزول ميداني إلى المدارس للتوعية بمرض "الرمد" وخطوات الوقاية منه، وفق حديث مدير الإعلام والتثقيف الصحي بمكتب وزارة الصحة العامة والسكان في ساحل حضرموت، خالد الكلدي، لـ"خيوط"، إضافة إلى شرح سُبل التعامل في حالة ملامسة الشخص المصاب بالمرض.
من جانبها، تقول مديرة الترصد الوبائي بمكتب وزارة الصحة العامة والسكان في ساحل حضرموت، الدكتورة رولا باضريس، في حديثها لـ"خيوط": "بالنسبة لحالات التهاب الملتحمة "الرمد"، هو لا يندرج ضمن قائمة الأمراض في الترصد الوبائي، وهو ما دفعنا إلى إيجاد إحصائية للمرض.
لكن بالنظر إلى الانتشار الواسع للمرض باعتباره مرضًا فيروسيًّا، تظل الأرقام المتوفرة أقل من الواقع، لأنّ حالات كثيرة لا تأتي للمرافق الصحية".
الأطفال الأكثر إصابة
تحكي أم معاذ قصة أولادها مع "الرمد"، لـ"خيوط": "حينما دخل الرمد إلى بيتنا عن طريق تعرض أحد أولادي للعدوى من زملائه في الصف، سرعان ما انتشرت العدوى بين كل الأبناء الواحد تلو الآخر". تضيف: "كنت أتألم حينما أرى شكل أعينهم، وحين يحدقون إليّ والوجع يبدو عليهم، وكانوا يشكون من شعور يشبه وخزات الإبرة على العيون".
تشرح أم معاذ أنها قامت بتجربة طريقة علاجٍ شعبيٍّ قرأته في مجموعات (الواتساب)، وهو بسيط جدًّا، عبارة عن مغلي الشاي الأحمر (بدون إضافة السكّر) يتم تبريده ثمّ وضعه على العينين باستخدام كمادات باردة بشكلٍ مستمر، مع الالتزام بعدم لمسها أو حكها، وكانت فترة علاجهم تتراوح ما بين يومين إلى خمسة أيام.
بدوره، يقول الصيدلاني محمد باجندوح، مالك إحدى الصيدليات في مدينة المكلا: "لاحظت منذُ 20 سبتمبر/ أيلول الماضي 2023، قدوم حالات مرضية إلى الصيدلية تبدو عليهم علامات الإصابة بالرمد، كاحمرار العينين وتورمها، ويطلبون علاجًا لها".
يوضح باجندوح لـ"خيوط"، أنه لاحظ تزايد العدد بشكل يوميّ منذ بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي 2023، وهو مرض يصيب جميع الفئات العمرية، في حين يعتبر الأطفال الفئة الأكثر إصابةً به، نظرًا لأنهم الأكثر اختلاطًا والأقل وعيًا. ويقول: "كنت أصرف للأطفال الذينَ لم يتجاوزوا عمر العامين المراهمَ التي تحتوي على المواد العلمية التالية: .(tetracyclin - tobramycin - erythromycin)
ويستخدم لمرض "الرمد" القطرة العينية فقط، أو إضافة المرهم العيني، على حسب شدة الإصابة بالفيروس وعمر المريض، ويعطى المرهم العيني قبل النوم، وتستخدم القطرات العينية من قطرة إلى قطرتين، ثلاث أو أربع مرات في اليوم، على حسب عمر المريض وشدة تعرضه للعدوى.
بينما تعتبر مادتي (Dexamethasone + Tobramycin) الأفضل والأكثر فعاليةً في العدوى المنتشرة، بحسب مرضى وأطباء، وبالتجربة مع المرضى تصل فترة الاستفادة من العلاج بهاتين المادتين إلى أقل من 24 ساعة فقط.