الصدفة وحدها قادته لاكتشاف إصابته بمرض الإيدز. انقلبت حياته رأسًا على عقب، وبات يتلفت نحو الآخرين خلال تردده على المستشفى للعلاج، خشية أن يراه أحد، وكذلك حين يحصل على دوائه. لقد أخفى خبر إصابته عن أقرب الأقربين؛ كي لا ينبذه المجتمع ويرفضه المحيطون به، سواء في العمل أو حياته عمومًا.
يروي ماجد عماد (اسم مستعار، 35 سنة)، تفاصيل قصة اكتشاف إصابته بالإيدز عن طريق الصدفة. يقول ماجد الذي يعيش في محافظة الدقهلية بدلتا مصر، في حديثه لـ"خيوط": "علمت بمرضي بالصدفة، حينما تردّدت على مختبر خاص لإجراء فحوصات طبية. حينها طلبت إجراء تحليل(hiv) ، فاكتشف الكارثة، حيث تبين إصابتي بالإيدز منذ عامين، في وقت لم تظهر عليّ أي أعراض للمرض". منذ تلك اللحظة يعيش ماجد في حالة رعب وقلق، مخفيًا خبر إصابته عن كل المحيطين به.
ويضيف ماجد، أنه لا يوجد مريض بالإيدز يخبر أسرته بأنه مصاب؛ لأنها لو عرفت سوف تتغير نظرتهم للمصاب، ولذلك يخفي المصابون الأمرَ تمامًا عن الأهل، وعن كل المحيطين بهم، مشيرًا إلى أن نفسيته ساءت تمامًا بعد علمه بإصابته، ولم يحاول الارتباط بأحد.
يردف ماجد قائلًا: "بالطبع زملائي في العمل لم يعلموا بإصابتي، خاصة أني أعمل بمحل إكسسوارات، وفي حال علموا ستكون كارثة عليّ"، متابعًا أن المعاملات العادية في العمل لا تؤثر على أحد ولا تُعدي بطبيعة الحال، ولا تؤثر على عمله مطلقًا.
وعن ظروف العلاج والمتابعة الطبية، يقول ماجد، مبديًا أسفه، إن "مستشفيات الحميات" لا تهتم بمرضى الإيدز أكثر من صرف العلاج، "دون أي اهتمام بالمريض"، مشيرًا إلى أن التحاليل الدورية المفترض إجراؤها بالمستشفيات مثل pcr) و (cd4 أحيانًا لا تتوفر، لذلك يضطر بعض المصابين لإجرائها في المختبرات الخاصة، رغم تكلفتها الباهضة. ووفقًا لماجد، فإنه من الصعب أن يذهب المصاب بالإيدز إلى المختبرات الخاصة لإجراء تحليل (hiv)، فهناك "نظرة سيئة بطبيعة الحال للمريض"، مشيرًا إلى أنه بعد حصوله على العلاج تغير لون لسانه للون الأبيض ولا يعلم السبب وراء ذلك، مطالبًا بمزيد من الاهتمام بمستشفيات الحميات لمرضى الإيدز، خاصة أن التحاليل تُجرى كل ستة أشهر.
شاب مصري اكتشف إصابته بالإيدز بعد شهور من زواجه، ثم نشأت حالة تبادل اتهامات بينهما عن الطرف الذي نقل المرض للآخر، وبينما انتهى ارتباطهما الزوجي، تغيرت حياته رأسًا على عقب.
وقت استلام الجرعة
وبالنسبة لماجد، فهو يخشى كثيرًا الذهاب إلى مختبر خاص لإجراء التحاليل الخاصة بمرض الإيدز. يقول: "لن أتحمل النظرة الدونية لنا كمرضى، فضلًا عن ذلك إصابتي بالمرض كانت سببًا في تأثر نفسيتي إلى حدٍّ كبير. صرت أعيش خائفًا طوال الوقت، وعند ذهابي لمستشفى الحميات، أذهب لأخذ جرعة العلاج وأفرّ هاربًا خشية أن يراني أحد يعرفني".
محمد وتبادل اتهامات مع زوجته بالعدوى
لم يكن محمد يعلم أن زواجه من الفتاة التي طالما تمنى الارتباط بها طوال سنوات عمره، سيكون سببًا في إصابته بمرض الإيدز. معاناة كبيرة عاشها الشاب الثلاثيني، ابن محافظة الجيزة بمصر، بعدما علم عدد من المحيطين به بإصابته؛ فقد عاملته بتنمُّر وتحقير حتى سلبته كل ما يملك.
محمد أيمن (اسم مستعار)، عامل نظافة، يروي لـ"خيوط" أيضًا، تفاصيل قصته مع مرض الإيدز. يقول: "شاء القدر أن أعاني من أزمة صحية شديدة قبل زواجي بشهرين، حيث أصبت بجلطة في المخ والقلب، ومرت محنة هذا المرض على خير". كان قد خطب فتاة وتركتها قبل عامين، لكنه عاد إليها مجددًا بعد أن خضعت لعملية "تكميم معدة" ونُقل إليها خلال العملية سبعة لترات من الدم. يقول محمد: "كانت بِتموت وربنا شفاها بعد الجواز بشهرين، ولمّا ذهبت للدكتور طلب مني إجراء تحاليل (HIV. Soda. B. C)، ومعمل التحليل من طرف زوجتي". ويتابع محمد أنه ظلّ لـ10 أيام يرفض إجراء التحليل، ثم فوجئ بحماته تأتي إلى شقته، وتقول له: "أنت عندك المرض، هاخد بنتي". حينذاك انهار محمد من البكاء وفوجئ مرة أخرى بأن حماه أيضًا يتهمه بأنه كان "سيّئ السلوك ومصاب بالإيدز، على عكس الحقيقة". عندها تدخلت شقيقته الكبرى واصطحبته مع زوجته لإجراء الفحص الطبي في إدارة الصحة بالجيزة، وهناك اتضح -بحسب محمد- أن نسبة إصابته بالإيدز كانت متساوية مع نسبة إصابة زوجته. استلم محمد وزوجته العلاج من مستشفى الحميات، ويقول إنها كذبت عليه بأنها حامل واتهمته بأنه هو من نقل إليها المرض، مشيرًا إلى أنها اتفقت مع والدها ووالدتها ضده؛ "سرقوا عفش البيت وهددوني بالقائمة"، قال محمد.
أهله تخلوا عنه أيضًا
لم تقف الكارثة التي نزلت على محمد أيمن عند هذا الحد، فأهله عندما علموا بإصابته بالإيدز لم يعد أحد منهم يسأل عنه. كما يقول إن حياته انقلبت رأسًا على عقب، وهو يعتقد بأن زوجته وأسرتها عملوا له ما يسمى في مصر "وقف حال"؛ أي التوقف عن العمل وإدارة حياته. يقول: "تسببت لي زوجتي وأسرتها في وقف حالي، فمنذ عامين لا أستطيع ترك الشقة، وصاحب العقار يرفض أن يعطيني ما أنفقته من تشطيبات بتكلفة 80 ألف جنيه، وليس لي أحد في منطقتهم، فشقة الزوجة كانت بالقرب من أسرتها، واتُّهمت باتهامات باطلة من الناس خلاف من شمتوا في مرضي، والحمد لله على كل حال". ويختتم محمد حديثه قائلًا: "لا أحد يعلم في نطاق عملي بإصابتي"، مشيرًا إلى حالة الرعب والذعر التي يعيشها مرضى الإيدز بسبب نظرة المجتمع لهم.
طبيب علاج طبيعي لا يعرف سبب إصابته
فارس محمد (اسم مستعار، 26 سنة)، وهو طبيب علاج طبيعي، يقول إنه لا يعرف كيف أصيب بالإيدز؛ "قسمًا بالله أنا إنسان شريف وعمري ما عملت حاجة حرام، مش عارف إزّاي أصبت، هتجنن، صديق عمري خاف مني، ناس كتير خافوا مني كأني ميكروب".
ويضيف فارس عن اكتشافه إصابته بالمرض: "قبل خمسة أشهر، كنت مسافرًا للمملكة العربية السعودية، وخلال إنهاء إجراءات السفر، اكتشفت بالصدفة البحتة إصابتي بالإيدز، وقد كانت صدمة عمري. دخلت في حالة اكتئاب، وظللت لمدة شهر لا أعمل شيئًا في حياتي من الصدمة التي حلّت بي".
ويردف فارس قائلًا: "طوال شهر كامل مش عارف أقول لمين إن أنا مصاب بالإيدز، ومش عارف ردّ فعل الآخرين حال علمهم بإصابتي"، متابعًا: "قررت أن أخبر أسرتي وكان ردّ فعلهم على عكس توقعاتي. وجدتهم داعمين لي إلى أقصى درجة، لكن هذا لا يمنع صدمتهم. كانوا داعمين لي لكي أذهب إلى المستشفى لتلقي العلاج، ومن يوم ما دعموني لم أعد أشعر بأني مصاب بالإيدز. أما المجتمع فنظرته سلبية للمرضى إلى أقصى درجة؛ لذلك لا أرغب في إخبار أحد بمرضي، فيكفي ما حدث من أقرب أصدقائي، حينما أخبرته خاف مني للأسف، وكان موقفه صعبًا على نفسي".
يتذكر فارس حينما ذهب لمراجعة طبيب أمراض جلدية: "لن أنسى نظرته لي حينما علم بإصابتي، رغم أني دكتور زميل له"، وكان ذلك سببًا لفارس لكي يترك طبيب الجلد قبل أن يكمل كشفه الطبي. لم يتزوج ولم يخبر أحدًا في مجال عمله بإصابته، وهو يتبع نصيحة طبيبة خلال استشارة طبية حين قالت له: "مش لازم تخبر الناس بمرضك".
يستطرد فارس قائلًا إنه أجرى عملية لاستئصال المرارة ومتابعة طبية لدى طبيب الأسنان، لكنه ما زال يجهل سبب إصابته، مشيرًا إلى تغيّر حياته تمامًا بعد اكتشافه أنه مصاب بالإيدز، وبات يخشى على كل من حوله من أن يصابوا به. كما أنه مستمر في متابعة مرضه -كما قال- لدى طبيب شهير في هذا المجال، بالإضافة إلى متابعته المنتظمة في مستشفيات وزارة الصحة.
ويطالب فارس بالتوعية الإعلامية بطبيعة مرض الإيدز وطرق انتقاله، مع توضيح حقيقة الأمر للناس الذين قال إنهم يخشون أي تواصل مع مرضى الإيدز بصورة مبالغ فيها. وفي هذا الصدد، يعول فارس على أهمية أن يقوم الإعلام بتوعية المواطنين بإمكانية تعاملهم مع مرضى الإيدز، عدا في الحالات التي يمكن أن ينتقل المرض من خلالها، كالاتصال المباشر ونقل الدم، مشيرًا إلى أن عددًا من المصابين حينما علم ذووهم بمرضهم، قاموا بطردهم من المنزل. فالإيدز برأيه "مثله مثل مرض السكر وفيروس سي. طالما المريض يحصل على علاجه وملتزم بالإجراءات ويحافظ على نفسه، لا يوجد مضاعفات للمرض".
كما طالب طبيب العلاج الطبيعي بعمل جمعية تدعم مرضى الإيدز وتطالب بحقوقهم إلى جانب تخصيص مستشفيات مجهزة خاصة بهم في حال احتاج أيٌّ منهم لإجراء عمليات جراحية. ويضيف: "لو -لا قدّر الله- احتجت يومًا ما لإجراء عملية، مصيري هيكون الشارع؛ لأن المستشفيات ترفض استقبالنا".
موريتاني في مصر
محمد حسين هو اسم مستعار لشاب موريتاني (23 سنة)، يعيش في مصر، يقول لـ"خيوط"، إنه لم يستطع أن يخبر والده بحقيقة إصابته بالإيدز خشية "أن لا يتحمل الكارثة". ويروي محمد تفاصيل معاناته مع الإيدز قائلًا: "في شهر يونيو العام الماضي (2020)، شاء القدر أن أعلم بإصابتي بالإيدز بالصدفة عقب إجراء تحليلHIV ، لتظهر النتيجة إيجابية. حينذاك أصابني دوار شديد ثم أغمي عليّ من شدة الصدمة، وظللت لأشهر يغمى عليّ كلما ترددت على المستشفى للعلاج، حتى تعودت".
ويضيف حسين أنه اضطر بعد ذلك لإخبار والده بالأمر، وأنه على الرغم من صدمة والده بالخبر إلا أنه تقبّل الأمر إلى حدٍّ ما. غير أن محمد حسين أخبر والده في اليوم التالي بأن نتيجة الفحص كانت خاطئة، وصدّقه أبوه كونه يثق فيه كثيرًا. "لم أرغب بإشراكه في همومي ومرضي المفاجئ؛ لذا جعلته يعتقد بأني غير مصاب بالإيدز، أما أشقائي فلم أخبر أحدًا منهم". يقول محمد، لافتًا إلى أنه أخبر صديقه المقرب، الذي تقبله على عكس ما كان يتوقع، بل ودعمه معنويًّا.
حذّرت الأمم المتحدة من أن كوفيد-19 يُهدِّد التقدم الذي تم إحرازه في المعركة ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة، من خلال زيادة التفاوت القائم في الوصول للعلاج. إذ سُجِّلت 690 ألف حالة وفاة بسبب أمراض متصلة بالإيدز خلال عام 2019.
ويختتم الشاب الموريتاني حديثه قائلًا: "تخرجت من الجامعة 2020-2021، وقررت السفر إلى الخارج لاستكمال دراستي، لكن الإيدز يمنعني أحيانًا من التخطيط للمستقبل، وأعمل الآن من أجل تحصيل الأموال لأتمكن من السفر إلى إحدى البلدان الأوروبية لتلقي العلاج هناك"، متابعًا: "رغم تفكيري في الارتباط مستقبلًا، إلا أنني أخشى من اتخاذ الخطوة خشية أن يفشل زواجي".
نحو 15 ألف مريض بالإيدز في مصر
في المقابل، قال محمد يماني، مسؤول بمنظمة "صحتي من بيئتي" المعنية بتقديم خدماتها لمرضى الإيدز، إن منظمته تعمل على تقديم الدعم النفسي للمرضى وتمكينهم اقتصاديًّا عبر تنظيم ورش تدريبية لهم، إضافة إلى تقديم الدعم الصحي وتوفير الخدمات الصحية للمرضى بالمستشفيات العامة".
ويشير يماني، في حديثه لـ"خيوط"، إلى أن عدد مرضى الإيدز في مصر يقدر بنحو 15 ألف مريض، مشيرًا إلى أن عملهم كجمعية بدأ منذ العام 2015، حيث تسعى الجمعية برئاسة أمينة عجمي، إلى تقديم خدماتها للمرضى.
بدورها كشفت هالة زايد، وزيرة الصحة المصرية، أن عدد المتعايشين مع الإيدز في مصر، بلغ حتى نوفمبر 2019، أكثر من 13 ألف حالة؛ منهم 7800 يتلقون المعالجة الدوائية، وتشكّل أعلى فئة عمرية بين المتعايشين ما بين 25 و35 سنة، ويمثلون 42% من مجمل الحالات التي تم اكتشاف إصابتها بصورة طوعية، مؤكدة أن نسبة الإصابة بالإيدز في مصر لا تتعدى 0.02% من إجمالي عدد السكان.
أمّا وزير الصحة الموريتاني، محمد نذير ولد حامد، فأعلن أن الإصابات بفيروس نقص المناعة المكتسب (السيدا) في موريتانيا، بلغت 5600 إصابة.
انتقال المرض
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية يمكن انتقال الإيدز عن طريق سوائل جسم المصابين كـ"الدم، حليب الأم، والعلاقات الجنسية"، كما يمكن انتقاله من الأم إلى طفلها أثناء الحمل والولادة والرضاعة الطبيعية، ولا تنتقل العدوى بالمخالطة اليومية الاعتيادية أو تقاسم الأدوات الشخصية أو الطعام أو الماء.
وجدير بالذكر أن المصابين بعدوى الفيروس المتداوين بالأدوية المضادة للفيروسات التي تكبت الفيروس لديهم، لا ينقلون العدوى إلى شركائهم؛ لذلك يعد الحصول المبكر على العلاج والدعم اللازم أمرًا بالغ الأهمية ويستهدف تحسين صحة المصابين بالعدوى، بل ولمنع انتقالها.
37.9 مليون شخص أصيبوا بالإيدز حول العالم
ووفقًا لبرنامج مكافحة الإيدز التابع لهيئة الأمم المتحدة، فقد بلغ عالميًّا عدد الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس نقص المناعة البشرية إلى 37.9 مليون شخص حتى العام 2020.
تلقى 23.3 مليون شخص، العلاج المضاد للفيروسات المعكوسة، فيما وصل عدد المصابين حديثًا بفيروس نقص المناعة البشرية إلى 1.7 مليون شخص مصاب، وقضت الأمراض المرتبطة بالإيدز على حوالي 770000 شخص.
كما حذّرت الأمم المتحدة من أن كوفيد-19 يُهدِّد التقدم الذي تم إحرازه في المعركة ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة، من خلال زيادة التفاوت القائم في الوصول للعلاج. إذ سُجلت 690 ألف حالة وفاة بسبب أمراض متصلة بالإيدز خلال عام 2019، ويقول برنامج الأمم المتحدة المعني بمكافحة الإيدز، إن هذه الحصيلة يمكن أن تزيد بين 120 ألفًا إلى 300 ألف شخص، لأن كوفيد-19 أثّر على تقديم العلاج. فمن بين نحو 38 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة، لم يزل 12 مليون شخص لا يحصلون على العلاج المضاد للفيروس، حتى يونيو 2020.