في أغسطس/ آب 2020، كنت مشاركًا في ورشة لتقييم دراسة ميدانية لتأثير الحرب على التعليم العام غير الأهلي في اليمن، التي نفذتها "منظمة مواطنة لحقوق الإنسان" في أكثر من منطقة من مناطق الحرب في اليمن.
بعدها بشهرين فقط، صحا اليمنيون في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، على سؤال مؤشر جودة التعليم الصاعق، الذي عرَّى منظومة التعليم في البلاد "دون أن يعرف الكثير منهم، ما هي معايير المؤشر، تبعاته، آثاره، مدخلاته؟ وما هي أسباب خروج الدول منه، واستمرار الدول الأخرى فيه؟ والأهم: لماذا خرجت اليمن ودول أخرى في المنطقة من هذا المؤشر؟ وما هي الإشكالات التي خلفتها الحرب على التعليم في الدول الخمس العربية: اليمن، سوريا، العراق، ليبيا، الصومال"؟
الدراسة المُشار إليها، يمكن لها أن تكون واحدة من المجسمات الحقيقية لأوجه الأسئلة المثارة؛ لأنها عاينت، وبكثير من الأدوات، الأضرار التي طالت النظام التعليمي والبنية المادية للمرافق والمنشآت التعليمية في اليمن جراء الحرب منذ مارس/ آذار 2015، مضيفة مشكلة جوهرية لجملة المشاكل المستديمة في هذا القطاع. فقد تناولت على نحو خاص تأثير الحرب على بيئة التعليم، وعلى الطلاب، والمعلمين في عدد من المدارس الأساسية والثانوية في البلاد. كما تناولت النزوح باعتباره أحد الظواهر المرتبطة بالحرب، الذي يفرض العديد من التحديات، كإعادة إدماج التلامذة النازحين في النظام التعليمي من جديد، إضافة إلى ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس التي يُعتقد أن النزاع ساعد في توسيع نطاقها، إلى جانب موضوع المناهج الدراسية، وتوزيع الكتاب، إلى آخر السلسلة المرتبطة بمنظومة التعليم.
جدية موضوع الدراسة وقيمة أدواتها وتوقيتها الزمني، في ظل ظروف صعبة ومنهكة، هو ما يمنحها الأسبقية الجادة في هذا المضمار، وقد تفتح الباب واسعًا أمام دراسات معمقة في جميع بنى المجتمع التي أنهكتها الحرب العبثية، وتساهم في حشد جهود اليمنيين للخروج من هذا المأزق.
اعتمدت الدراسة التي أعدها الدكتور هاني المغلس، على عينة من طلاب المدارس الحكومية في مختلف المراحل العمرية، بلغ عدد أفرادها (400) طالب/ة من137 مدرسة في ثماني محافظات، إضافة إلى أمانة العاصمة صنعاء، وهي: تعز، الحديدة، محافظة صنعاء، عدن، أبين، الضالع، حجة، صعدة. وجرى اختيار المحافظات التي يعتقد أن قطاعاتها التعليمية تعرضت لأضرار مباشرة أوسع بسبب الحرب مقارنة بمحافظات أقل تضررًا. وإضافة لعينة الدراسة تم اعتماد عينة استطلاعية خاصة بالنازحين، تألفت من 100 طالب نازح في المحافظات والمدارس نفسها التي شملتها عينة الدراسة. وعينة استطلاعية أخرى خاصة بالمتسربين تكونت من 100 طالب متسرب من التعليم. وعينة استطلاعية خاصة بالمعلمين تشكلت من 100 معلّم في حدود النطاقات الجغرافية والمدارس نفسها التي تشكلت منها عينة الدراسة.
العينات -التي تبدو قليلة، قياسًا إلى حجم القطاع والمنتسبين إليه، لكنها بشمولها لمحافظات امتدت إليها العمليات الحربية- تشجع للإضافات إليها، بسعيها لتحقيق جملة من الأهداف، منها: تحليل سياق الحرب وتأثيراتها العامة على التعليم في اليمن، والتعرف على طبيعة التأثيرات التي تتسبب بها على النظام التعليمي بجميع عناصره، وتحليل القدرة على الوصول للتعليم بالارتباط مع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في سياق الحرب، والوقوف على التداخل المعاش بين التعليم، وظواهر مجتمعية أخرى نتجت عن الحرب أو عملت على تعميقها، كالنزوح وتجنيد الأطفال وعمالة الأطفال، والحصول على معلومات كمية وافية حول الأوضاع التعليمية في اليمن في ظل الحرب، والمساعدة في إنتاج مادة وثائقية مصورة من واقع المعلومات والشواهد الميدانية، وتقديم مجموعة من التوصيات والتدابير العملية لتدعيم استراتيجيات تخفيف أضرار الحرب على التعليم، وتعزيز التعليم الحساس أو المراعي لظروف النزاعات وحالات الطوارئ؛ كما بينت ذلك ممهدات الدراسة.
أهم استخلاصات نتائج الدراسة الميدانية في تأثير الحرب على التلاميذ، والمعلمين، والمنشآت، تمثلت في: مواجهة الطلاب وهم في طريقهم إلى المدرسة أنواعًا من العنف والمخاطر الأمنية الناجمة عن الحرب أو عن حالة الفوضى المصاحبة لذلك، وتمثلت تلك المخاطر في الاشتباكات المسلحة التي تحدث بصورة مباغتة أثناء الذهاب إلى المدرسة أو العودة منها، ومضايقات الغرباء -المسلحين المتكدسين في المنشآت وجوارها- خاصة المضايقات اللفظية للفتيات.
عدد كبير من الطلاب الملتحقين حاليًّا بالمدارس مرشحون للانضمام إلى الأطفال خارج المدرسة في حال استمرار الحرب، حيث أن 47.2% من الطلاب في عينة الدراسة، أسرهم لم تعد قادرة على مواصلة تعليمهم
غير أن مُعدّ الدراسة لاحظ أن الانخفاض في وتيرة الحرب في المناطق المشمولة بالدراسة تاليًا، قد شجع الكثير من الأسَر على إرسال أبنائها إلى التعليم، مجددًا، مع احتفاظها بمخاوف مماثلة من تعرضهم لأذى في طريق المدرسة.
في المحور الثاني من الدراسة، والمتصل بـتأثير "الحرب" على استمرارية العملية التعليمية، وجد معدّ الدراسة أن:
الحرب تسببت في توقف 81% من الطلاب الذين تمت مقابلتهم عن الدراسة لفترات متفاوتة، وذلك جراء تعرض مدارسهم لأضرار مباشرة، أو وقوعها في مناطق اشتباكات مستمرة أو متقطعة، أو استخدام مدارسهم كثكنات عسكرية ومراكز إيواء وغير ذلك، أو توقف المعلمين عن نشاطهم التدريسي احتجاجًا على قطع المرتبات في بعض المناطق. وبلغت أعلى فترة توقف إجبارية فصلين دراسيين، حيث اضطر 53.48% من الطلاب في عينة الدراسة، للانقطاع عن الدراسة بسبب الحرب، ما يعني أنهم فقدوا عامًا كاملًا من حياتهم الدراسية. وتراوحت فترات الانقطاع الاضطراري عن الدراسة لدى بقية التلاميذ في عينة الدراسة بين أقل من فصل دراسي وفصل دراسي واحد.
وعن الأثر الاقتصادي للحرب على الطلاب، وجد معد الدراسة أن غالبية التلاميذ في العينة تنتمي لأسر محدودة الدخل، وتواجه هذه الأسر ظروفًا معيشية صعبة تقلل باطراد قدرتها على تحمل نفقات تعليم أطفالها، سيما أن أغلب الأسر لديها أكثر من طفل في المدرسة، ويتعين عليها دفع الرسوم المدرسية المعتادة، إضافة إلى تقديم إعانات مالية للمعلمين في بعض المدارس، كي يتمكنوا من مواصلة التدريس بعد انقطاع مرتباتهم.
عدد كبير من الطلاب الملتحقين حاليًّا بالمدارس مرشحون للانضمام إلى الأطفال خارج المدرسة في حال استمرار الحرب، حيث استنتج أن 47.2% من الطلاب في عينة الدراسة، أسرهم لم تعد قادرة على مواصلة تعليمهم. وعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط المصروف المدرسي اليومي للتلميذ الواحد في العينة 200 ريال، أي ما يقارب ثلث الدولار الواحد في صنعاء، وربع الدولار في عدن، وهذا المبلغ يمثل جزءًا كبيرًا من الدخل اليومي للأسرة، وإن كان ضئيلًا جدًّا بالنسبة لاحتياجات الطفل الأساسية من الغذاء في اليوم المدرسي الواحد.
العنف بين التلاميذ داخل المدرسة، واحدة من المخرجات المهمة في الدراسة، حيث رصدت استبيانات المبحوثين انتشار العديد من السلوكيات العنيفة في أوساط التلاميذ داخل المدرسة. وقال 20.3% من التلاميذ في العينة إنهم يدخلون في شجارات مع زملائهم في المدرسة بصورة متكررة، بينما يمارس 44.5% منهم الشجار أحيانًا. وثمة أنماط متعددة للسلوك العنيف داخل المدرسة، وإن غلب عليه طابع العراك بالأيدي مع استخدام آلات حادة في بعض الأحيان، أو تشكيل مجموعات عنف مصغرة من خارج المدرسة لاعتراض طريق بعض التلاميذ المناوئين، خاصة عندما ينشب الشجار بين تلاميذ المرحلة الثانوية.
الغالبية من التلاميذ- 78.3% من العينة- يشعرون بالحب تجاه المدرسة، ويعود ذلك إلى جملة من العوامل، أهمها: حب التعليم وتشجيع الأسرة على مواصلة الدراسة، وامتلاك صداقات جيدة في المدرسة
ويميل 97% من المعلمين في العينة الاستطلاعية الخاصة بالمعلمين إلى الربط بين اتساع نطاق السلوكيات العنيفة في أوساط التلاميذ وبين النزاع، حيث يعزز النزاع السلوك العنيف ويضعف هيبة المعلمين ويقلل من احترام القواعد النظامية في المدرسة. ومن ناحية أخرى، يفتقر التلاميذ إلى مهارات حل النزاع والإدارة الجيدة للعلاقات داخل المدرسة، وفي الغالب لا تمتلك المدارس آليات احتواء مناسبة للعنف بين التلاميذ.
من الأشياء اللافتة في الدراسة أنه على الرغم من ظروف النزاع والأوضاع الاقتصادية المنهارة، إلا أن الغالبية من التلاميذ- 78.3% من العينة- يشعرون بالحب تجاه المدرسة، ويعود ذلك إلى جملة من العوامل، أهمها: حب التعليم وتشجيع الأسرة على مواصلة الدراسة، وامتلاك صداقات جيدة في المدرسة، والاستمتاع بالوقت داخل المدرسة من خلال اللعب مع الأصدقاء، أو المشاركة في الأنشطة المدرسية الترفيهية، وبعض الانشطة الباعثة للشعور بتحقيق الذات.
استوعبت الدراسة، في محتواها النصي، بعض الجوانب المرتبطة بالعملية التعليمية، (مثل الخدمات داخل المدرسة)، وانطلق تتبُع الأثر في هذا السياق من قناعة معد الدراسة، مثل كل خبراء التعليم في اليمن، من أنه لا تتوفر، في الأصل، للنظام التعليمي في اليمن، المباني والمرافق المراعية لاحتياجات التلاميذ. ومن الواضح أن الحرمان من الخدمات الأساسية داخل المدرسة أصبح أكثر فداحة في ظل الحرب؛ فنسبة كبيرة من الطلاب في العينة أكدوا عدم توفر خدمات صحية مدرسية، بما في ذلك الإسعافات الأولية، أو المياه النظيفة الصالحة للشرب أو حمامات نظيفة وصالحة للاستخدام الصحي، كما لا تتوفر تغذية نظيفة في المقاصف "البوفيهات" أو منافذ البيع الصغيرة داخل المدارس، ونسبة قليلة فقط من التلاميذ يتحصلون على خدمة الرعاية الاجتماعية عبر أخصائيين اجتماعيين ونفسيين.
وفيما يتصل بالغُرف والحجرات الدراسية (الفصول)، تقول الدراسة إن أغلب الطلاب يتلقون دروسهم في فصول مكتظة، و52.3% من العينة يدرسون في فصول يزيد عدد الطلاب فيها عن50 طالبًا، و29.0% منهم في فصول يتراوح عدد الطلاب فيها ما بين 50 إلى 25 طالبًا، ولاحظت الدراسة أن الفصول الدراسية للفتيات أقل اكتظاظًا، وربما يعود ذلك إلى الفارق العددي بين النوعين في مستويات الالتحاق بالتعليم العام المختلفة.
وحين انتقلت الدراسة إلى معاينة جانب "التحصيل العلمي"، لاحظ معدها أن الرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم (فيزياء، كيمياء وأحياء) واللغة العربية (القراءة والكتابة) هي المواد الأكثر صعوبة لدى أكثر الطلاب في العينة. ويعد ضعف استيعاب وفهم هذه المواد سببًا رئيسيًا في تدني مستوى التحصيل العلمي لدى الطلاب؛ كونها المواد المعنية بتكوين المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والعمليات الحسابية خلال المرحلة الابتدائية، ومن ثم اكتساب المعارف والمهارات العلمية والحياتية الأخرى في مراحل التعلم اللاحقة. وقد أرجع الطلاب في العينة أسباب تدني مستوى التحصيل العلمي لديهم إلى عدة عوامل، مثل انعدام الهدوء في الفصل أثناء الدروس، وضعف اهتمام المعلمين باستخدام الوسائل التعليمية الملائمة للشرح، وإهمال المعلمين حل التمارين الصعبة في الكتاب المدرسي، وعدم استغلال المعلمين الوقت المخصص للحصة في شرح المادة، إضافة إلى تغيب التلاميذ عن بعض الدروس.
المناهج الدراسية لا تتضمن محتوى متحيزًا لمصلحة أحد أطراف النزاع، وهذا الرأي يعكس عدم وجود تغييرات جذرية في المناهج الدراسية حتى الآن، باستثناء التعديلات التي أجرتها جماعة الحوثيين [أنصار الله] في العام 2016
من جهتهم، وحسب الدراسة، أرجع المعلمون أسباب تدني المستوى العلمي للطلاب إلى سوء الأحوال المعيشة للطلاب وأسرهم، وعدم المتابعة والاهتمام من قبل الأسرة، والعجز عن توفير الكتب الدراسية لدى أكثر من نصف الطلاب، وعدم توفر الوسائل التعليمية أو إتاحة استخدامها في الشرح والتوضيح، إضافة لكثافة الطلاب في الفصل الدراسي الواحد. غير أن المعلمين المستجيبين لم يذكروا ضمن أسباب تدني التحصيل العلمي للتلاميذ القصور الناجم عن ضعف أداء المعلم، أو عدم ملاءمة طريقة التدريس للمادة، وعدم الاهتمام بخلق التفاعل المطلوب أثناء شرح الدرس.
في الجزئية المتعلقة بـ(المناهج الدراسية) وأساليب التقييم، يذهب معد الدراسة إلى أن المناهج الدراسية بمحتواها الأصلي، ولم يطرأ عليها سوى القليل من التعديلات. وبحسب 71% من المعلمين المستجيبين، فإن المناهج الدراسية لا تتضمن محتوى متحيزًا لمصلحة أحد أطراف النزاع، وهذا الرأي يعكس عدم وجود تغييرات جذرية في المناهج الدراسية حتى الآن، باستثناء التعديلات التي أجرتها جماعة الحوثيين [أنصار الله] في العام 2016. غير أن نقابة المعلمين قالت إن الحوثيين [جماعة أنصار الله] أجروا 234 تعديلًا على المناهج الدراسية للمرحلتين الأساسية والثانوية، دون الرجوع للجنة المناهج خلال الفترة 2016 و2019، حسبما جاء في صحيفة "الشارع"، عدد 1، سبتمبر/ أيلول 2020.
الحصول على الكتاب المدرسي تظل مشكلة وعقبة كبيرة بالنسبة لأكثر التلاميذ، ومن الواضح أن الاحتراب فاقم هذه المشكلة نتيجة عجز المؤسسات المعنية بطباعة وتوزيع الكتاب المدرسي، عن طباعة أعداد كافية من الكتب، حيث لا يحصل 59.5% من الطلاب في عينة الدراسة على الكتاب المدرسي عبر المدرسة، ويلجؤون إلى شرائه من سوق الكتاب المعاد استخدامه.
وفيما يتصل بالاختبارات والتقييم، أفادت الدراسة بأن نظام الاختبارات العامة يشوبها الكثير من العيوب من وجهة نظر غالبية المعلمين، كتصميم نماذج الاختبارات بطريقة تميل للتركيز على أسئلة التذكر والاسترجاع، وسوء تنظيم العملية الامتحانية، وشيوع ظاهرة الغش بين الطلاب.
أما في الجزئية المتعلقة بموضوع "التسرب المدرسي"، فتفيد الدراسة بأن 48.3% من الطلاب المشمولين بالعينة الاستطلاعية الخاصة بالمتسربين، اضطروا إلى ترك المدرسة بفعل الظروف المادية السيئة لأسرهم في ظل الحرب، ووجد طلاب آخرون أنفسهم خارج التعليم لأسباب أخرى تتعلق بعدم ملاءمة بيئة التعليم، وضعف اهتمام الأسرة بالتعليم، وبُعد المدرسة عن أماكن إقامتهم، والضغوط النفسية التي تتسبب بها الحرب، إضافة إلى بعض التلاميذ الذين تركوا المدرسة بغرض التجنيد.
ومع ذلك لدى نسبة كبيرة من التلاميذ المتسربين- 79%- رغبة في العودة إلى المدرسة في حال تحسن الوضع الاقتصادي لأسرهم، أو توفرت بيئة تعليم مناسبة، أو حصلوا على الدعم النفسي، وهذه النسبة تؤكد أن التسرب من المدرسة يحدث في الغالب لأسباب قاهرة.
في تعمقها الراصد لمشكلة التعليم في زمن الحرب، قاربت الدراسة قضية مهمة مرتبطة بالتعليم، وهي قضية نزوح الطلاب من مناطق المواجهات المسلحة، التي تسببت في المناطق المشمولة بالدراسة بنزوح 67% من العينة الاستطلاعية الخاصة بالطلاب النازحين. وتوزعت الأسباب الأخرى للنزوح على ثلاثة أسباب، هي: تعرض المنازل للقصف العشوائي، والغارات الجوية على المنازل، وانعدام فرص العمل في المجتمع الأصلي. ومع ذلك تمكن 52% من العينة الاستطلاعية الخاصة بالنازحين، من الالتحاق بالمدارس خارج مجتمعاتهم الأصلية، وحصلوا على تسهيلات جيدة في هذا الخصوص. أما 48% فواجهوا بعض الصعوبات التي حالت دون التحاقهم بالتعليم مباشرة بعد النزوح، فتوقفوا عند الدراسة لفترات متفاوتة، أقصاها عام دراسي، وكانت أهم الصعوبات التي واجهتهم، ضياع الوثائق الرسمية للتلاميذ، أو انقضاء فترة التسجيل في المدارس، أو الظروف المعيشية السيئة للأسرة عقب النزوح وعدم قدرتها على إعادة إلحاق أطفالها بالمدرسة، إضافة لعراقيل إدارية أخرى. وقد لاحظ معد الدراسة أن الطلاب النازحين حققوا درجة عالية من الاندماج المدرسي داخل المجتمع المضيف، وتمكنوا من عقد صداقات جيدة في المدرسة، وكان لدى أكثرهم شعور كبير بالارتياح للمدرسة، وقال 71% منهم إنهم لم يتعرضوا لأي نوع من التمييز، أو عدم المساواة في المدرسة داخل المجتمع المضيف.
أفصح بعض المعلمين عن تأثيرات نفسية سلبية لحقت بالمعلمين جراء النزاع والفقر، كالشعور بالإحباط، والاكتئاب، وتراجع الثقة بالنفس. كما كان الأثر الاجتماعي قاسيًا على المعلمين، نتيجة الشعور بتراجع المكانة في المحيط الاجتماعي، وحتى بين طلابهم
تأثير الحرب على (المعلمين)، ظهر بائنًا بسبب انقطاع المرتبات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون [أنصار الله]، وكذلك العمل في بيئات تعليمية خطرة، أقلها الاستقطابات التي تمارسها أطراف الحرب داخل بيئة التعليم، وتقول الدراسة:
عانى المعلمون من تأثيرات اقتصادية سلبية للنزاع بسبب انقطاع المرتبات وسوء الأوضاع الاقتصادية، وأفصح بعضهم عن تأثيرات نفسية سلبية لحقت بالمعلمين جراء النزاع والفقر، كالشعور بالإحباط، والاكتئاب، وتراجع الثقة بالنفس. كما كان الأثر الاجتماعي قاسيًا على المعلمين، نتيجة الشعور بتراجع المكانة في المحيط الاجتماعي، وحتى بين طلابهم، وحدوث بعض المشاكل الاجتماعية والعائلية. وواجه بعض المعلمين تبعات أمنية بسبب الحرب، تمثلت بالملاحقة الأمنية أو الضغط والتهديد على خلفية بعض المواقف والآراء، أو محاولة تطويع ممارساتهم التدريسية بما يخدم أطراف الحرب.
ويرى المعلمون أن التقليل من آثار الحرب على التعليم يتوقف على توفر مجموعة من العوامل، في مقدمته إيجاد بيئة آمنة لاستمرار التعليم في ظل الحرب، وتقديم الدعم النفسي والمادي للمعلمين، وحصول الطلاب على الدعم النفسي الملائم، وتوعية جميع شرائح المجتمع بأهمية التعليم، وإعادة تأهيل المدارس المتضررة جزئيًّا وكليًّا.
وكشفت الدراسة أن هناك "أثرًا مقابلًا للتعليم" أحدثه داخل منظومة الحرب، ومن ذلك أن المعلمين يتمتعون بحساسية شديدة تجاه القضايا المرتبطة بالنزاع، ويفضلون عدم الخوض فيها لدواعٍ مختلفة، غير أن الدراسة وجدت أن النسبة الأكبر من المعلمين في العينة الاستطلاعية- 77%- غير محايدين بالمعنى السلبي، فهم يشجعون تلامذتهم على التسامح ويبثون دعوات السلام ونبذ العنف في ممارساتهم التدريسية، بصورة غير مباشرة في الكثير من الأوقات، ودون تعريض حياتهم للخطر. وبالتالي فإن الدور الذي يقوم به المعلمون داخل المدرسة هو دور إيجابي على الأغلب لا يغذي استمرار الحرب، بل كثيرًا ما يساعد في احتواء آثارها على التعليم، وكبح جماح التلاميذ نحو الانخراط في القتال.
تتأثر المدارس بسياسات المتحاربين المختلفة تجاه التعليم، حيث تسعى العديد من أطراف النزاع لتسييس التعليم واستقطاب التلاميذ للانخراط في القتال، أو تعريضهم لأفكارها وتصوراتها الخاصة. ومن أهم صور الزج بالتعليم، في حلبة النزاع التي تمكنت الدراسة من رصدها ميدانيًّا، محاولة تجنيد التلاميذ دون سن الثامنة عشرة من داخل المدرسة، أو تشجيعهم على التجنيد، وتحويل ساحات المدرسة إلى "منابر" لإلقاء الخطابات والشعارات التعبوية على الطلاب والترويج لأفكار غير محايدة تجاه القضايا المرتبطة بالنزاع.
كما لاحظت الدراسة أن نسبة التلاميذ الذين تعاطوا مع العروض الجدية أو التشجيع على التجنيد من داخل المدرسة ضعيفة للغاية، وقد يشير ذلك إلى أن ظاهرة تجنيد الأطفال تتغذى على استقطاب التلاميذ من خارج المدرسة أكثر من داخلها. كما وجدت الدراسة أن النسبة الأكبر من الطلاب في العينة- 67%- لا يشاركون في أنشطة خارج المدرسة متصلة بالنزاع، كالمظاهرات والمهرجانات وحضور دورات ثقافية. وبالنتيجة فإن استمرار التعليم حتى مع الأضرار التي تلحق به لا يزال يمثل عنصرًا أساسيًّا في مواجهة الحرب، واحتواء القيم السلبية التي تعمل الحرب على غرسها في المجتمع.
ختامًا:
أن تظهر دراسة بهذه الجدة وفي هذا الظرف، وتتلمس أوجه الخراب الذي طال أهم قطاعات المجتمع وركائزه، أظنه فعلًا ينبغي التركيم عليه (مراكمته)، والملاحظات التي قد تقال على بعض مخرجات الدراسة ينبغي أن تكون هي المفاتيح الفاعلة في دراسات معمقة وأكثر شمولًا في المستقبل.