في ذروة التفاعل مع مقطع مرئي متداول لمشهد طفلة قُتلت الأربعاء 18 أكتوبر/ تشرين الأول، إثر انفجار عبوة ناسفة استهدفت طقمًا عسكريًّا في منطقة القبة بمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، رصدت الكاميرا أيضًا لقطة لطفلة القاضي مرشد الجماعي، ذات الأربع السنوات، التي قضى والدها ضحية في هذا الانفجار، حيث أظهرت اللقطة الطفلة وهي مصدومة تشاهد جثة أبيها مرمية في الشارع، في مشهد وصفه البعض بأنه "أسوأ من الموت ذاته".
البعض الآخر ذهب لتقدير حجم الشروخ النفسية التي سيتركها المشهد في نفسية وذهن طفلة صغيرة، لا تعلم لماذا، ولأجل من حدث هذا، وكلُّ ما ستتذكره هو جثة أبيها المضرجة بالدماء، وإنسانيته المهدورة، وطفولتها المهدورة بلا رحمة أو رأفة.
كان الوقت ظهرًا، حيث كان أفراد الطقم يتناولون وجبة الغداء في مطعم مجاور، فجأة انفجر الطقم متسبِّبًا في موت الطفلة بيان والقاضي الجماعي، فيما تأثرت والدتها وطفلان آخران بجروح متفاوتة، حيث صادف مرورهم انفجار الطقم.
موت مضاعف
معاذ الفقيه، أحد المقرّبين من القاضي المتوفَّى، يصف الحادثة بحزن كبير، قائلًا: "ذهب القاضي ليحضر ابنته عائشة من روضة مدرسة سبأ الواقعة في منطقة القبة بمدينة تعز، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، وبينما هو عائدٌ ويده مرتبطة بيد ابنته بمحاذة الطقم، انفجر الطقم التابع للأجهزة الأمنية في تلك اللحظة، متسبِّبًا بموت الطفلة بيان، والقاضي الجماعي. "لقد عادت عائشة من المدرسة تحمل صفة يتيمة"، يعقب الفقيه حديثه لـ"خيوط".
خلايا موظفة
إدارة أمن شرطة تعز، قالت في مؤتمر صحفي نظمته الأحد 23 أكتوبر/ تشرين الأول، أنّ الأجهزة الأمنية قبضت على خليّتين إرهابيّتين مكوّنتين من ستة أفراد، عقب تورطها في تنفيذ جريمتَي زرع وتفجير العبوات الناسفة وسط المدينة، وذكر العميد منصور الأكحلي بأن الأجهزة الأمنية قامت بإيداع المتهمين الحجزَ لاتخاذ الإجراءات والعقوبات القانونية اللازمة.
وأكّد الأكحلي أنّ الخليتين ذاتهما متورطتان في حادثة تفجير سيارة أخرى في وقت سابق بالقرب من سوق المركزي بشارع جمال، كان قد أصيب على إثرها ثلاثة مواطنين.
من جهة أخرى، قال الناطق باسم شرطة تعز، أسامة الشرعبي، في المؤتمر ذاته أنّ الخلايا التي تفتعل حوادث الانفجارات، من بينها الحادثة الأخيرة التي أودت بحياة الطفلة بيان والقاضي الجماعي، تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وأنّ منظمي هذه الخلايا يعيشون في تعز الحوبان -الجزء الواقع تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)- إذ يقومون بتدريب شبكات متفرقة لا تعرف بعضها لاستهداف الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لمناطق سيطرة الشرعية.
وبحسب الشرعبي: "فقد قام "الحوثيون" بتدبير الحادثة لزعزعة الأمن في المحافظة، محذِّرًا من وجود خلايا متفرقة للجماعة في المدينة، تقوم باستقطاب الشباب تبعًا لاحتياجاتهم المادية واستخدامهم في العمليات الإرهابية".
ذهبت إلى أمام مبنى التربية، حيث كان طقم يتبع الشرطة العسكرية يقف هناك، لكن كان أمامه جنود، فلم أستطع زرع العبوة فيه، لذلك تحركت إلى أمام مطعم (وضاح) حيث تمكّنت من زرع العبوة في الطقم، فجّرته وغادرت عبر دراجة نارية إلى المنزل.
تفجيرات مدبرة
في هذا الصدد، اعترف الجناة بضلوعهم في هذه التفجيرات؛ أحمد سعيد، المتهم بالتفجير الأخير، وهو طالب جامعي، قال في معرض اعترافاته أنّه تم استقطابه من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) في الحوبان، وتم تدريبه على استخدام العبوات الناسفة، لاستهداف الأطقم العسكرية، مقابل 800 ريال سعودي عن كل تفجير.
وتابع أحمد اعترافاته بالقول: "ذهبت إلى أمام مبنى التربية، حيث كان طقم يتبع الشرطة العسكرية يقف هناك، لكن كان أمامه جنود، فلم أستطع زرع العبوة فيه، لذلك تحركت إلى أمام مطعم (وضاح) حيث تمكّنت من زرع العبوة في الطقم، فجّرته وغادرت عبر دراجة نارية إلى المنزل".
يضيف أحمد في اعترافه: "في اليوم الثاني من تنفيذ العملية، تم تحويل مبلغ 500 ريال سعودي، ويوم الجمعة الساعة الثالثة فجرًا تم القبض عليّ ومعي الريموت الخاص بتفجير العبوة".
في السياق، اعترف زكي عمر محمد جرادي، وعبدالباسط عبده غالب عبدالجليل، من أفراد العصابة المتهمين بقضية تفجير العبوات الناسفة، بضلوعهم في تفجير (سيارة حبة وربع) في السوق المركزي بالمدينة، كما اعترفوا بارتباطهم بجماعة "الحوثيين"، حيث تدرّبوا في مدينة (القاعدة) على تفجير العبوات الناسفة للسيارات، والدراجات النارية، بالإضافة إلى استخدام مسدسات كاتمة الصوت، لاستهداف القادة العسكريين مقابل الحصول على مبالغ مالية.
ياسر المليكي، ناشط حقوقي ويعمل في مجال رصد انتهاكات حقوق الإنسان، يقول لـ"خيوط"، أنّه رصد 15 انتهاكًا من نوع تفجيرات العبوات الناسفة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، من مدينة تعز.
دور المنظمات المعنية
تعمل عددٌ من المنظمات الحقوقية في مجال تقديم الدعم النفسي والمادي للأطفال الذين تعرّضوا لمشاهد عنف أثناء فترة الحرب.
منسق مشاريع منظمة رعاية الأطفال الدولية، شائف الجابري، يقول لـ"خيوط"، أنّ منظمتهم تقوم بتأهيل الأطفال الذين تعرّضوا لمشاهد العنف في ظل الحرب، منوهًا إلى الأنشطة التي تقوم بها المنظمة، من بينها تفقد الأطفال الضحايا وإجراء العلاجات اللازمة لهم، الطفلة عائشة كانت أحد هؤلاء الأطفال التي تفقدتهم منظمتهم.
يشرح المليكي آلية عملهم عند رصد حالات عنف تعرض لها طفل، قائلًا:" أول خطوة تتخذها المنظمة هي إرسال الأخصائية النفسية لتقييم الوضع الاجتماعي والنفسي لدى الطفل، بعد التقييم يتم تشخيص الحالة، وبناءً على هذا التشخيص يتحدّد ما إذا كانت الحالة تحتاج إلى مراكز علاج نفسي أكثر تخصصًا".
ويتابع: "هناك حالات متقدمة تحتاج إلى مركز أكثر تخصصًا بالدعم النفسي لمعالجة الآثار العميقة للصدمات النفسية التي تعرّضوا لها، في المقابل هناك حالات بسيطة الأثر النفسي، ونكتفي بإشراك متخصصي المنظمة النفسيين والاجتماعيين".
التغطية على المجرمين
بعد الحادثة تصدّرت أخبار في الشارع التعزي، تقول إنّ الطقم يتبع قيادي من محافظة عدن يدعى أمجد خالد، بناء على هذه الإشاعات وجهت الناشطة الحقوقية أروى الشميري، أصابعَ الاتهام للأجهزة الأمنية أثناء المؤتمر الصحفي في 23 أكتوبر/ تشرين الأول، اتهمتها بالتواطؤ مع القيادي أمجد خالد الذي يحمل في سيرته الذاتية عددًا من قضايا التواطؤ ضد الحكومة المعترف بها دوليًّا، لكن المتحدث باسم شرطة أمن تعز، الشرعبي، نفى المعلومات التي تقول إنّ الطقم المستهدف يتبع قياديًّا جنوبيًّا، مشيرًا إلى أنّ الطقم يتبع جنودًا لأمن تعز.
أثناء الانفجار كان المصور خالد البنا في مطعم وضاح، وهو المطعم ذاته الذي كان به الجنود التابعون للطقم، حيث قال لـ"خيوط: "عندما حدّقت في وجوه أفراد الطقم المزعومين في المطعم، لم أعرف أيَّ واحدٍ فيهم بالرغم أنّي أستطيع التعرف على القيادات العسكرية بحكم معرفتي بالقيادات الميدانية بتعز"، ويتابع البنا الحديث لـ"خيوط": "مكثتُ بالقرب من مكان الحادثة لأكثر من نصف ساعة، محاولًا التعرف على هُوية القادة التابعين للطقم، لكنّني لم أستطع التعرف عليهم".