تجري السنون وتتوالى الأحداث، فيما يستمر النزوح في اليمن، متناسبًا طرديًّا مع اتساع رقعة الحرب. نزوح يرافقه الوجع، يتخلله التشبث بالحياة، بممارسة كلِّ ما من شأنه الإبقاء على قيد الحياة، وكأن الغاية أصبحت تبرر الوسيلة.
لن يفهم أو يشعر بوضع النزوح إلا من مر به وجربه مهما قرأنا أو سمعنا أو حكينا. النازح يبحث عن الفرص التي تبقيه إنسانًا.
لا ينجو من النزوح وويلاته ومكابدته حتى الصغار، وأعني الأطفال الذين يتحملون مسؤوليات جسام تفوق قدراتهم بكثير. يكابدون من أجل حياتهم ومن أجل أسرهم لمواجهة الصعوبات والتحديات.
هذا طفل يدعى خالد علي حمود (اسم الأب والجد مستعارين)، والذي اتخذ من أحد المطبات نافذة لطلب الرزق عن طريق التسول والاستجداء للعابرين؛ علّه يحظى بعطف العابرين على الخط العام في إحدى ضواحي مدينة صعدة.
الجزء المهترئ من الحياة
خالد يبدو كهلًا قد أكل عليه الدهر وشرب، بالرغم من أنه لم يتجاوز الحادية عشرة من العمر. كان شارد الذهن عندما سألته "خيوط" عن اسمه ومن أين هو. احتاج وقتًا لأن يجمع شتات ذهنه ليجيب محاولًا أن يعتذر بابتسامة جافة، قائلًا: "محافظة حجة".
قصة الطفل خالد تذكير بأوضاع النازحين، ودعوة لمساندتهم في ظروفهم البالغة الصعوبة، والضغط الشامل من أجل تحسين أوضاعهم، وإعادة ولو بصيص من الأمل لحياتهم
كانت مواساة للطفل خالد، أن الملايين في اليمن تعرضوا مع أطفالهم وأسرهم للنزوح، وأن هناك الكثير مثل خالد من أبناء هذا الجزء المهترئ من الحياة، والتي ضاعفت الحرب من معيشتهم وشردتهم عن مناطقهم ومنازلهم وحياتهم.
يقول خالد، إنه لجأ للتسول لعدم وجود عائل له ولأخويه ووالدته، ولعدم كفاية ما قد تصرفه المنظمات من مساعدات. خالد وأسرته يتخذون من علب الصفيح وطرابيل النايلون مسكنًا لهم، ويعيشون على التسول، وفتات الأطعمة التي قد يجدها على موائد زبائن المطاعم.
تذكير بكوارث الحرب
قصة الطفل خالد تذكير بأوضاع النازحين، ودعوة لمساندتهم في ظروفهم البالغة الصعوبة، والضغط الشامل من أجل تحسين أوضاعهم، وإعادة ولو بصيص من الأمل لحياتهم.
وحسب تقرير حديث اطلعت عليه "خيوط"، صادر عن المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي التابع لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، فقد ارتفع عدد النازحين في اليمن إلى 4 ملايين و495 ألفًا و558 نازحًا، حتى نهاية فبراير/ شباط الماضي؛ منهم 504 آلاف و18 نازحًا في محافظة صعدة.
وتعد محافظة صعدة المحاذية للمملكة العربية السعودية، والتي تعد المعقل الرئيسي لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، من أكثر المحافظات المتضررة من الحرب التي ألحقت أضرارًا بالغة في البنية التحتية والمنشآت التعليمية وممتلكات المواطنين.