"أريد حقي من ورث أبي، أريد حقي الذي شرعه الله لي"، ترفع نادية يحيى، من محافظة تعز، ومقيمة بالعاصمة صنعاء، هذه المقولة في محاولة منها للمطالبة بحقها من ورث والدها الذي ما يزال تحت سلطة ذكور عائلتها الكبيرة.
تعيش نادية، وهي أم لبنت وابن في المرحلة الجامعية، وضع اقتصادي صعب للغاية، لكنها أمام تحديات الحرب والوضع العام لا تملك سوى الانتظار، ورفع صوتها للمطالبة والتذكير بأنّ لها حقًّا، لعل وعسى تجد من ينصفها، ويُعيد لها حقًّا دينيًّا وقانونيًّا من سطوة ذكور العائلة، الذين لا يؤمنون بحقوق النساء، ولا يعنيهم تطبيق شرع الله، أو الامتثال لقانون.
تقول نادية إنه مع تقادم وفاة أبيها، وعناد بقية الورثة الذكور من إعطاء الإناث حقوقهن، تشعر أنّ هذا الحق يحتاج لمعجزة حتى يعود لأهله، خاصة أنّ كل المحاولات والوساطات باءت بالفشل الذريع.
تعرِض نادية مشكلتها لـ"خيوط"، قائلة: "حقي ليس مع أشقائي الذكور وحسب، بل مع أسرتي عمومًا، إذ كان ما يزال أمر الورثة معلقًا بين أبي وأعمامي، الذين وافتهم المنية منذ سنوات طويلة، لتنتقل إلى أيدي أبنائهم (إخوتي وعيال أعمامي) الذين يصرّون على إبقاء الأمر معلقًا، والاستفادة من عوائد التركة بينهم الذكور، بمنأى عن إعطاء نساء العائلة ممن لهن حق في تركة آبائهن، نصيبَهن، أو حتى بعض عوائد الإرث".
تضيف نادية: "لستُ المرأة الوحيدة في العائلة التي تريد الحصول على حقها، فكل بنات عمومتي وعماتي محرومات من حقهن ويتطلعن للظفر به، الفرق أني طالبت بحقي، فيما آثرن الصمت لأسباب كثيرة، منها ألّا يتم نبذهن والتخلي عنهن".
بحثًا عن إنصاف
ترى نادية أنّ صمودها للمطالبة بحقها في الميراث، يستحق أن تطرق لأجله كل الأبواب، ما دام مَن يشاركونها الدم، لم يرف لهم جفن للنظر في ظروفها الصعبة ومنحها حقها دون اللجوء للمحاكم؛ لذلك تداول قضية نادية عددٌ من النشطاء والأعيان، بعضهم في مراكز سلطة نافذة، وحتى اللحظة ما تزال قضيتها معلقة، دون حل.
وتستطرد نادية: "لقد فقدت ثقتي بشيء اسمه عدالة. انهارت أمامي كل القوانين، والأعراف، والمسلّمات الإنسانية، خاصة في مجتمع مثل المجتمع اليمني الذي لا هو احتفظ بشهامة العربي ومروءته الفطرية، ولا هو الذي خضع للقوانين الشرعية والمدنية التي تؤنسن تعامله مع نصفه الآخر، وهذا ما حدث بالفعل؛ إذ اكتشفتُ أنّ القاضي المكلف بحل قضيتي من مكتب الصماد، تواطَأ مع الورثة الذكور على تمييع القضية والمشاركة في قتلها ببطء".
نادية ليست إلا واحدة من مئات الآلاف من اليمنيات اللواتي حُرمن من حقهن في الميراث، إذ جرت العادة أن لا تُمكَّن النساء من ورثهن، بل ينظر لهذا التعسف ضدهن، نظرةً فيها نوع من الإكبار والاعتداد برجولة وقوامة المتعسفين، فالمرأة لا ترث كالرجال إلا ما جاء من باب الصدقة، حتى إن المرأة التي تطالب بحقها تلاحقها وصمة عار اجتماعية، وتُصنّف متمردة.
في سياق متصل، تتحدث لـ"خيوط"، شيماء العز، طبيبة نفسية، قائلة: "يمارس المجتمع بحق النساء ظلم ممنهج، متجاهلًا الأضرار النفسية والاجتماعية التي قد تصيب المرأة، وعلى رأس هذه الأضرار النفسية انخفاض تقديرها لذاتها؛ لشعورها بأنها أقل قيمة من الرجل، كما أن هذا الحرمان يصيب المرأة بالاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق، اللذين يدفعانها للعزلة، وفقدان الثقة بقدراتها".
وتضيف العز: "يؤثر الجانب النفسي للمرأة على صحتها الجسدية، فالاضطراب والضغوطات النفسية (Stress)، قد تتسبب بارتفاع معدلات السكر، والضغط، وكثير من أمراض العصر".
معظم النساء اليمنيات يعتبرن مجرد الحديث عن حقّهن في الورث عيبًا اجتماعيًّا، وأنه من الوقاحة الوقوف بوجه إخوانهن أو أعمامهن، حتى لو كانوا أكلوا ورثهن، وصادروا حقهن في الاعتراض والمطالبة؛ وللأسف كثيرٌ من السيدات توارثن هذه الاستكانة والخضوع -ولو في الباطل- وزدن على ذلك أنهن يُنشِئن أولادهن، ذكورًا وإناثًا، بذات الطريقة التي ترعرعن عليها.
احتقان مشاعر العداء
في الجانب المجتمعي، يتسبب حرمان المرأة من حقوقها الطبيعية، ومنها حقها في الميراث بمشاكل اجتماعية، من شأنها أن تهز النسيج الاجتماعي، وتمزق الروابط الأسرية، وهو ما يؤكده، سعيد المخلافي، اختصاصي علم اجتماع، في حديث لـ"خيوط"، إذ يقول: "لا يقتصر حرمان المرأة من إرث أبيها على معاناتها المادية والنفسية وحسب، بل إنّ إبطال هذا الحق الذي شرعه الله يؤدّي إلى قطع صلة الرحم بين الأخ وأخته، وبين المرأة وأفراد الأسرة"، مرشحًا ظهور خلافات دائمة، تنتهي باحتقان مشاعر الكره والحقد، وقطع الروابط بين الأهل والأقارب.
الجدير بالذكر أنّ الإسلام شرَّعَ بشكل تفصيلي الحقوق الشرعية لكل الورثة، ومنه استنبط قانونُ الأحوال الشخصية اليمني نصوصَه فيما يتعلق بتقسيم التركة بين مستحقيها، وبحسب المحامي عبدالله عامر، فإن القضاء مفتوح أمام أي مظلوم أو مُطالِب بحقّه، ويضيف في حديث لـ"خيوط": "تستقبل المحاكم اليمنية أيّ دعوى تُرفع من أيّ امرأة تطالب بإرثها، وتنظر في القضايا، ومِن ثَمّ تصدر أحكامها في ذلك وفقًا للقانون، ولا يميّز القضاء بين الدعاوى التي تُرفع بشأن المطالبة بالقسمة للموروث أو الحقوق المترتبة على الأنصباء، وبين تلك المتعلقة باستغلال الحقوق، إلا أن تعطي كل ذي حق حقه".
من جهتها، تشير ضياء المعلمي، وهي إحدى المعلمات، إلى أنّ المرأة -في أحايين كثيرة- تشارك بشكل أو بآخر في بخس حقوقها، وتقول: "الشرع واضح، وباب المحاكم مفتوح على مصراعيه، لكن النساء يعتبرن مجرد الحديث عن حقهن في الورث عيبًا اجتماعيًّا وأنه من الوقاحة الوقوف بوجه إخوانهن أو أعمامهن حتى وإن كانوا أكلوا ورثهن، وصادروا حقهن في الاعتراض والمطالبة؛ وللأسف كثيرٌ من السيدات توارثن هذه الاستكانة والخضوع -ولو في الباطل- وزدن على ذلك أنهن يُنشِئن أولادهن، ذكورًا وإناثًا، بذات الطريقة التي ترعرعن عليها".
وتتابع المعلمي: "لا تملك غالبية النسوة في اليمن الجرأة ولا القوة للمواجهة والذهاب للمحاكم؛ لأنّهن تعودن على الاتكال على الذكور، وتطبّعن على فكرة أنّهن ضعيفات وغير قادرات على الخروج والمواجهة، علاوة على ارتفاع نسبة الأمية في أوساطهن، وغياب التوعية، ثم جاء الفساد القضائي ليأتي على ما تبقى من ثقة بوجود مؤسسة ساندة وضامنة للحقوق في حال تبرأ الذكور عنهن".