من الضباب، كانت تأتي اإلى تعز المدينة وإلى "كلابة" التي هي الآن خط االنار!
مكانها معروف، تلك الزاوية التي اختارتها بعناية، فهي تواجه ثلاثة اتجاهات للمارة والسيارات.
كل نهاية أسبوع تأتي، تحديدًا الخميس، ينتظرها زبائنها، فلم تخلف وعدا أبدًا.
البيض موجود في كل بقالة وسوق، لكن الكثيرين كانوا يأتون إليها من شوارع وحارات بعيدة!
يا ويل من يحتل مكانها، تقيم الدنيا ولا تقعدها، ولا ترضى بغيره بديلًا. وعندما يسألها سائل: الأماكن موجودة ويمكنك أن تحتلي أي منها، تنظر اليه شزرًا: أنت لا تعرف من الدنيا شيئًا!
- يسألها سائل: كم عدد دجاجاتك؟
- ترد فورًا: 300 دجاجة بلدي.
- وهل يبضن كلهن؟
- تبتسم: أنا وحدي التي تدري .
- كيف؟
- سر المهنة.
جلست إليها بالصدفة بعد أن عرفني عليها قريبي الذي كان يمتلك ورشة للسمكرة، الآن ورشته ومنزله يتمترس فيها متقابلين متقاتلين من الطرفين !
في حياتها العملية كانت تخطط أولًا ثم تبرمج ثم تنفذ في الواقع، تلتزم بالمواعيد وتدري كيف تدير الوقت، وهو فن قائم بحاله لا يدركه كثيرون، لذلك يفشلون، وينطبق القول على الأفراد والدول، بالفهلوة لا تبني إنسانًا ولا بلد
قلت: "هل تقرئي يا عمة؟"، بسرعة ردت: "قبول يا ابني"، ابتسمت.
قلت: "كيف تعرفي أنهن كلهن قمن بالواجب؟".
وأضفت سريعًا: "أنا صحفي". علقت باسمة: "من الذي يشخططوا بالورق؟!"، قلت: "بالضبط".
قالت: "هيا أقرب حتى لا يسمعونا".
أنت تشخطط في الورق، وأنا بالطبشور حق الطلبة على الجدار.
أعرف اللائي بضن، واللائي لم يبضن، اللواتي لا يزلن صغيرات، وتلك اللائي يفترض أنهن كبرن ولا بد من تقاعدهن من الخدمة، هن رزقي يا صحفي. أعرف كيف أغذيهن، وأحافظ عليهن؛ هن حياتي.
يتذكر صديق عزيز إنني كتبت عنها سريعًا، فخضع الأمر للتفسير، وكان كلما التقاني يهمس في أذني: "ما أخبار صاحبة البيض؟ هو لم يصدق أن عمتي التي أذكر اسمها هنا لأول مرة موجودة ولم تكن وهمًا".
تلك العجوز الطيبة والذكية، عاشت مستقرة أحوالها بحسن الإدارة وبعد النظر، ولو لم تفعل ذلك لكانت ماتت جوعًا.
في حياتها العملية كانت تخطط أولًا ثم تبرمج ثم تنفذ في الواقع، تلتزم بالمواعيد وتدري كيف تدير الوقت، وهو فن قائم بحاله لا يدركه كثيرون، لذلك يفشلون، وينطبق القول على الأفراد والدول، بالفهلوة لا تبني إنسانًا ولا بلد.
قلت يا عمة قبول: "تصرفي على نفسك فقط؟"
ضحكت: "خمسة يدرسوا في المدرسة، وفتاتين يدرسن ويقفن معي، وأنوي يا صحفي أن أنشئ مزرعة دواجن، فقط الفلوس الآن لا تكفي".
الإرادة...
الإدارة، الرؤية، المشروع، الخطة، البرنامج، العلم
الطريق الوحيد إلى المستقبل.
الخطابات لا تكفي، والدعاء لا يبني الإنسان ولا يدير ثروة.
لمن يريد فقبول كانت وزارة تخطيط، ومن يريد دولة فعليه بطريق عمتي قبول، ومن يريدها ثور فليستمر.
أتت الحرب، قضت على حلمها بمزرعة دواجن.
دجاجاتها توزعن هاربات بين خطوط المتقاتلين، ضاع حلم الدولة التي حلمت بها.
هل هي حية؟ أوان رصاصة قناص أو صاروخ أخذ أحدهما حياتها؟!
هنا السؤال …