يجري التصعيد في البحر الأحمر بأسلحة جديدة تستهدف السفن التجارية، فيما ترد الولايات المتحدة بالغارات الجوية ضد الحوثيين، وعلى بعد أميال تجري مفاوضات بين واشنطن وطهران.
ما الذي يكبح جماح التصعيد الحوثي؟ وقف الحرب في غزة، أم الغارات العسكرية والهجمات المستمرة، أم المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي تحتضنها مسقط؟
يصرّ الحوثيون على ربط تصعيدهم بالحرب في غزة، بينما تسير مفاوضات مسقط في سياق آخر لا صلة له بما يحدث في غزة، ولا بما يدّعيه الحوثيّون، ففي مسقط تحضر المصالح والحسابات الإيرانية بدرجة رئيسة، وهي جهود تهدف للوصول إلى تسوية خاصة، كالتي تتقنها واشنطن كلما وجدت إلى ذلك سبيلًا.
ويأتي التصعيد هذه المرة عبر مؤشرَين رئيسَين؛ أحدهما مرتبط بإعلان الحوثيين إجراء تجربة بصاروخ فرط صوتي، بحسب وكالة نوفوستي الروسية، وهو صاروخ يعمل على الوقود الصلب، وتبلغ سرعته 8 ماخ (نحو 10 آلاف كيلو متر في الساعة)، أما المؤشر الثاني فهو حديث زعيم الحوثيين، مساء الخميس الماضي، عن قواتهم باعتبارها باتت قادرة على التدخل في منع حركة السفن في المحيط الهندي، وصولًا إلى رأس الرجاء الصالح.
ويعدّ هذا تطورًا لافتًا في معركة البحر الأحمر التي بدأت بتهديدات متبادلة بين الأمريكان والإيران منذ عهد إدارة الرئيس الأمريكي ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وهو الاتفاق الذي وقّعه سلفه أوباما وبقية الدول الست العظمى مع إيران في العام 2015.
حاولت إدارة بايدن التزام التهدئة مع طهران وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمتهم جماعة الحوثي، واستهلت الإدارة الجديدة عملها بشطب الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية، قبل أن تعيد إدراجها في يناير الماضي على خلفية التصعيد المتواصل في البحر الأحمر، وهو التصعيد الذي تسارعت وتيرته أواخر العام الماضي وبداية العام الجاري، على خلفية الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ أكتوبر الماضي.
دخول هذا النوع من السلاح على خط المواجهة في البحر الأحمر، يعني أنّ تعقيدات جديدة في المعركة وفي المفاوضات معًا، لا سيما إذا كان الحوثيون قد حصلوا على هذه الصواريخ عن طريق روسيا لا إيران، وهو ما يعني أنهم تجاوزوا دورهم الوظيفي كونهم حلفاء لإيران، وأصبحوا أمام التزامات جديدة لداعم جديد، وهو لاعب كبير وله وزنه الثقيل في الصراع العالمي.
هناك عدد محدود جدًّا من الدول التي تمتلك هذه الصواريخ، وفي مقدمتها: الولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان والهند وأستراليا، فضلًا عن روسيا وإيران، ومن خلالهما يتبيّن مصدر حصول الحوثيين على هذه النوعية من السلاح.
وبحسب خبراء فإن أهم مميزات هذه الصواريخ (فرط صوتية) أنّ سرعتها تفوق سرعة الصوت، ويمكن أن تطير في الغلاف الجوي بسرعة تفوق سرعة الصوت بخمس مرات، كما تتميز بقدرتها على التحليق على ارتفاع منخفض، بخلاف أنظمة الصواريخ البالِستية، حيث تتبع هذه الصواريخ مسارًا منخفضًا في الغلاف الجوي، ما يعني أنّه عندما تتمكن الأنظمة التقليدية للدفاع الجوي من رصدها، فإنها تكون قد اقتربت بشكل كبير للغاية من أهدافها، وفي كثير من الحالات يكون قد فات الأوان لاعتراضها، وتكون قد دمّرت الهدف. علاوة على ذلك، يمكن للصواريخ الفرط الصوتية تغيير مسارها، ويتم إطلاق هذه الصواريخ من الجو، وغالبًا من مقاتلات من طراز "ميغ-31"، لكن يمكن إطلاقها من على متن السفن والغوّاصات، فضلًا عن قدرتها على حمل رؤوس نووية أيضًا.
في العام 2018، كشفت روسيا عن الصواريخ الفرط الصوتية لأول مرة، وبدأت استخدامها في الأسابيع الأولى من الحرب مع أوكرانيا، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية في مارس 2022، "تدمير مخزون كبير من الوقود بصواريخ "كاليبر" التي تم إطلاقها من بحر قزوين، وكذلك صواريخ بالستية فرط صوتية، أطلقها نظام "كينجال"، من المجال الجوي لشبه جزيرة القرم".
وتنتمي صواريخ كينجال (خنجر، بالروسية) البالستية وصواريخ "تسيركون" العابرة، إلى جيل جديد من الأسلحة التي طورتها روسيا، ووصفها الرئيس فلاديمير بوتين بأنها "لا تقهر"؛ لأنه يفترض أن تتمكن من تجنب أنظمة دفاع العدو.
أما إيران فأعلنت منتصف العام الماضي إزاحة الستار عن أول صاروخ بالِستي فرط صوتي من إنتاجها، ونشرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية صورًا للصاروخ الذي حمل اسم "فتاح" خلال مراسم حضرها الرئيس وكبار قادة الحرس الثوري.
ونقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري العميد أمير علي حاجي، قوله: "يبلغ مدى صاروخ فتاح 1400 كيلومتر، وهو قادر على اجتياز جميع أنظمة الدفاع الصاروخي"، وذكر التلفزيون الرسمي حينها أنّ الصاروخ "فتاح" قادر على استهداف "أنظمة العدو المضادّة للصواريخ، ويعتبر قفزة كبيرة في مجال الصواريخ". وقال: "إنه يستطيع اجتياز أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي المتطورة للولايات المتحدة وإسرائيل، بما فيها منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية"، مضيفًا أنّ السرعة القصوى للصاروخ تبلغ 15 ألف كيلومتر في الساعة.
خاتمة
إنّ دخول هذا النوع من السلاح على خط المواجهة في البحر الأحمر، يعني أنّ تعقيدات جديدة في المعركة وفي المفاوضات معًا، لا سيما إذا كان الحوثيون قد حصلوا على هذه الصواريخ عن طريق روسيا لا إيران، وهو ما يعني أنهم تجاوزوا دورهم الوظيفي كونهم حلفاء لإيران، وأصبحوا أمام التزامات جديدة لداعم جديد، وهو لاعب كبير، وله وزنه الثقيل في الصراع العالمي، على الأقل منذ بدأ حربه في أوكرانيا، مواجهًا بذلك الولايات المتحدة وجميع حلفائها، وهذا يقود إلى تعدُّد الاتجاهات وتعقّدها بطبيعة الحال، تبعًا لتعدد الأطراف الفاعلة والمؤثرة.
وتسعى واشنطن من خلال المفاوضات -كما من خلال العمل العسكري- إلى كبح جماح الحوثيين، وإن بالقدر الذي يسمح لها بتحقيق ما تصبو إليه من إبقاء حالة التوازن المحلي والإقليمي؛ لذلك فإنها قد تجد بعض الصعوبة لدى طهران التي لا تفتأ تؤكّد أنّ الحوثيين مستقلون عنها في اتخاذ القرارات المصيرية، لكنها تعِد باستخدام تأثيرها الروحي عليهم، وهذا التأثير الروحي (الإيراني)، سيكون محل اختبار في الفترة القادمة، وعليه سوف يبدو المشهد مختلفًا.
وقد اعتاد الأمريكان ممارسة الضغوط على الحوثيين من خلال طهران، لكن ستكون المهمة أكثر صعوبة إذا ما قرّر الدب الروسي خوض جولة جديدة في أرض جديدة مع خصومه القدماء والجدد.