القرن يشتعل.. ماذا يدور في بيت الجيران؟

التفتوا إلى القرن الأفريقي؛ جزء من تاريخكم هناك
عبدالرحمن بجاش
November 22, 2020

القرن يشتعل.. ماذا يدور في بيت الجيران؟

التفتوا إلى القرن الأفريقي؛ جزء من تاريخكم هناك
عبدالرحمن بجاش
November 22, 2020

   جسر صغير أو كبير يمتد فجأة بين الضفتين، فسنجد آسيا تلتحم بأفريقيا. لو كان قدر لجسر مجموعة بن لادن أن يرى النور لشاهدنا أيضًا جحافل اللاجئين قادمين من إثيوبيا وإرتيريا كما يأتون الآن من الصومال بواسطة البحر وليس الجسر!

    أن تأتي جحافل اللاجئين فليس في صالحك، لكن للأمر وجهه الآخر، إذ ثمة علاقة ماضية وعلاقة كان سيؤسس لها، خاصة أن هنا وهناك أجيالًا لا تدري عن علاقة ضفتي البحر الأحمر إلا قليل القليل.

    جرى وأد الفكرة بالحرب وسيطرة الإمارات الآن على السواحل، وجرى وضع مشروع توليد الكهرباء من أعماق تيار مياه مضيق باب المندب في ملف مجموعة هائل سعيد التي تبنته، وهو فكرة للمهندس المذحجي، بالمقابل لا تدري ما السر في أن دول القرن غير العلاقات الشعبية، فلا تكاد تسمع عن اهتمام بعلاقة رسمية جرى توطيدها ودعمها، فهنا شغلنا بالصحراء بدون فائدة، وهناك انكفؤوا على ذواتهم فصاروا قرنًا كما هم عليه الآن.

   استقلت إريتريا عن إثيوبيا، وصارت مسيطرة على ضفة البحر تنفيذًا لمؤتمر بوسطن أيام كارتر، حيث عملت أمريكا على ألا يكون البحر في ضفتيه عربيًّا صرفًا، وانفصل الجنوب عن السودان، جيء بأفورقي، وأزيحت جبهة التحرير التي اتهمت بانحيازها للمسلمين، جانبًا. وشغلت إثيوبيا بحرب الأوجادين لسنوات، هنا فتش عن العفر والعيسى من تتقاسما الصومال ولهما، كقبيلتين كبيرتين، امتدادهما إلى دول القرن، وشغل هايلي مريم الإثيوبيين باشتراكية عدن التي أنجبت يناير 86.

    ذهب محمد سياد بري، وترك الصوماليين يتقاتلون، ولم تقصّر الوهابية في تأسيس موضع قدم لها هناك، وساهم النظام هنا في تأسيس دولة للقراصنة استمرت لأعوام، وباعت دولتنا العميقة مخلفات الجيش الجنوبي وحتى الخردة لأمراء البحر. تلك هي العلاقة الوحيدة والسيل الذي لم ينقطع من المساعدات للاجئين الصوماليين، التي تدفقت باسمهم إلى الجيوب دولارات!

    تكوين القرن قبائل وإثنيات وقوميات ممتدة ومتداخلة بين دوله كلها، وإن كانت إثيوبيا مركز الكنيسة الأكبر، فلم تنجُ من مشاكل الديموغرافيا.

لا صوت يسأل حتى عما يجري، بالطبع لأن البلد متشظٍّ بين الأطراف، وكل طرف له كعبته. لكن إلى المستقبل المنظور سنفاجأ بأننا لا ندري شيئًا كما لم يدرِ من كان مسؤولًا مباشرًا عن احتلال جزيرة حنيش وتوابعها

    الحرب التي تشتعل الآن بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وإقليم "التيغراي"، البالغ سكانه أكثر من 5 ملايين نسمة، جاءت في اللحظة غير المناسبة لآبي أحمد، خاصة وقد ظل يخوض معارك الهواء مع الدول المستفيدة من مياه النيل، خاصة السودان ومصر. تصريح ترامب عن أن مصر ستضطر لقصف سد النهضة بدا لغزًا محيرًا، وإن كان ثمة محللين يقولون بضرورة أن تذهب بنظرك إلى التيغراي الآن في الشمال الشرقي لإثيوبيا، لتعرف سر اندلاع الحرب. لن يؤخذ هذا التحليل على عواهنه، فالمشكلة لها جذورها. فالأورومو أصحاب الأغلبية هم من يحكمون البلاد، والأمهرا يطالبون أيضًا بتقرير المصير. 

    ثمة فسيفساء عجيبة تتقاسم إثيوبيا، من ظلت تاريخيًّا اسمها الحبشة، وتمتد مشاكلها إلى إرتيريا بسبب تمدد سكان الإثنيات والقوميات، خاصة وقد كانت جزءًا من إثيوبيا. والتغري، غير التغراي، لهم حضورهم في إرتيريا تحديدًا، وبينها وبين إثيوبيا خريطة عرقية ودينية متشابكة أدت إلى هذه الحرب، وإذا اطلعنا على القوميات فسنجد عددها أكثر من 80 قومية من مختلف الأعراق في التغراي.

    السؤال هنا يكون بالضرورة: لماذا الآن؟ وإلى متى؟ وما هي الانعكاسات على مستقبل إثيوبيا نفسها، وعلى إرتيريا، وعلى القرن كله؟

    للأسف لم يتم الاهتمام هنا بالقرن الأفريقي، وحتى الدائرة الوحيدة في وزارة الخارجية لا أذكر أنها تقدمت يومًا حتى بتقرير موقف لقمّة النظام ليسيّس علاقته بأفريقيا القريبة منا من وحي ما ذكر.

   لا أذكر أن ثمة مركز دراسات للقرن قد تم تأسيسه، وبالمجمل لا أحد اهتم بتنشيط علاقة الناس بالناس هنا حتى من خلال جمعية صداقة لم تفعل شيئًا غير ذهاب رئيسها إلى أديس أبابا لزيارة أهله!

انعكاسات ما ستؤدي إليه الحرب هناك نلمسها هنا، ومن يقول بغير ذلك فقصير نظر.

    الآن لا صوت يسأل حتى عما يجري، بالطبع لأن البلد متشظٍّ بين الأطراف، وكل طرف له كعبته. لكن إلى المستقبل المنظور سنفاجأ بأننا لا ندري شيئًا كما لم يدرِ من كان مسؤولًا مباشرًا عن احتلال جزيرة حنيش وتوابعها، الذي لولا حكمة د.عبدالكريم الإرياني لم نكن لنراها تعود وجيرانها إلينا.

على أحد ما أن يهتم بالقرن، وألا يظلّ بيضنا في سلة الصحراء المجدبة. أقول لعل وعسى.


•••
عبدالرحمن بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English