ليس من باب المبالغة القول إنّ واحدًا من أوجه فنون العمارة في اليمن، تعكسها المساجد والجوامع والأضرحة، التي لم تكن تعبّر عن تنوع البيئات التي شُيّدت فيها فحسب، بل أيضًا عن التعدد المذهبي في اليمن (الزيدي، والشافعي، والإسماعيلي- إذا جاز اعتبار الأخير مذهبًا مستقلًّا بذاته)، المذاهب التي تعايشت طويلًا، ولم تشهد بسببها البلادُ تناحُرات دينية على أساس طائفيّ، رغم بعض التوظيفات السياسية في حروب الدويلات اليمنية.
لم تقف حدود الأنماط على إفرازات البيئات المحلية الصرفة، بل تجاوزتها إلى استيعاب فنون عمارة وافدة من المغرب والمشرق والشمال، ذابت داخل هذه البيئات، وصارت تُعبِّر عنها بكثير من الخصوصية، والحديث هنا عن الطراز العثماني والهندي والمغربي والمصري، في مساجد صنعاء وعدن والحوطة والمكلا وتعز وتهامة.
الدويلات اليمنية على مرّ التاريخ، تركت بعض آثارها المادية على هيئة منشآت دينية (مدارس ومساجد)، وتتجسد في معالم الدولة الرسولية والطاهرية في تعز ورداع وجبن، واليعفرية في شبام، والأيوبية في تعز وصنعاء، والصليحية في جبلة وصنعاء، والمملوكية في تهامة، قبل أن تمتد تأثيرات الدول التي احتلت اليمن أو تداخلت تأثيراتها الثقافية والمعمارية بنسيج البيئات المحلية وذابت فيها.
طيلة التاريخ الديني لم يقتصر دور المسجد/ الجامع على إقامة الشعائر والفروض التي تعتقدها المذاهب الرئيسة، بل كانت تقوم بدورها التعليمي بواسطة مدارس دينية معروفة لعبت أدوارًا مهمة في التعريف بهذه المعتقدات، ولم يزَل التاريخ يحفظ دورَ جامع الأشاعرة بزبيد الذي عُدّ جامعة إسلامية كغيره من الجوامع والمدارس التي عمرت عبر التاريخ، فضلًا عن الأربطة والمقاصير التي أُنشِئت لطلاب العلم الغرباء من جميع أنحاء اليمن والعالم الإسلامي. وإلى جانب زبيد، هناك مدرسة جبلة التاريخية، ومدرسة جَبَا بالمعافر، ومدرسة تريم في حضرموت، ومدرسة صنعاء (الجامع الكبير)، ومدرسة ضحيان بصعدة، والشمسية بذمار، وغيرها.
الكتابة عن المساجد والجوامع التاريخية في اليمن، يكتنفها الكثير من الصعوبات، وعلى رأسها جمع المادة التاريخية عنها، وخصوصًا تلك التي بقيَت بعيدةً عن التناول والتعريف، ونحاول في "خيوط"، من خلال هذه المقاربة، تقديمَ صورة أخرى عنها، تضيء بعض الجوانب المهمَلة؛ سعيًا منها لوضع القارئ في صلب التنوع الروحي والثقافي الذي شهدته اليمن طيلة تاريخها الإسلامي، على أمل أن يتم المراكمة عليها لتصير في المستقبل مادة متنوعة عن كل ما ارتبط بتاريخ المساجد في اليمن.