منذ ما يقارب الثماني سنوات وبعد حصولها على درجة الدكتوراة من جامعة صنعاء، سنة 2016، سعت الدكتورة زمزم صالح (41 عامًا)، إلى الالتحاق بجامعة أو كلية محلية، لكنها لم تتوقع أن تمر هذه السنوات دون أن تتمكن من الالتحاق بالعمل الأكاديمي في أيٍّ من الجامعات أو الكليات المحلية، لا سيما أن جهودها السابقة ومحاولتها بأن يتم تعيينها تعثرت، نتيجة لغياب التوظيف منذ بداية الحرب التي تشهدها البلاد منذ 2014.
غياب الرؤية
ترى الدكتورة صالح أن واقع حملة الشهادات العليا في اليمن، لا يختلف عن واقع غيرهم من العاطلين عن العمل، في ظل غياب التوظيف الرسمي، وعدم وجود فرص عمل واقتصارها على ذوي النفوذ، مشيرة إلى أنه بالرغم من التقدم الشكلي في قطاع التعليم العالي -مقارنة بوضعها في الماضي- فإن مؤسسات التعليم العالي في اليمن، لم تستطع تجاوز عقبات وتحديات سوق العمل.
فيما يرى عددٌ من الأكاديميين أن غياب الرؤية لدى صانع القرار، من أهم الأسباب المؤدية إلى تفاقم ظاهرة البطالة لدى خريجي الدراسات العليا في الجامعات اليمنية وغير اليمنية، إلى جانب غياب الرقابة على الجامعات الحكومية والأهلية التي قامت بفتح برامج دراسات عليا غير خاضعة لأسس ومعايير البحث العلمي ومتطلبات سوق العمل، علاوة على منح الشهادات لمن لا يستحقها. وبسبب استقبال وتخرج أعداد كبيرة من طلبة الدراسات العليا دون النظر إلى مدى إمكانية استيعاب هذه الأعداد، سواء في القطاع العام أو الخاص، تضخمت نسبة البطالة، وزاد عدد العاطلين في أوساط حاملي الشهادات العليا.
بطالة المخرجات
25 مركزًا علميًّا في جامعة صنعاء وحدها، تقوم بتدريس برامج الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراة)، ناقشت في أقل من شهر واحد 23 رسالة دكتوراة، بحسب حسن مهيوب، موظف في نيابة الدراسات العليا، في حديث لـ"خيوط".
من ناحيته، أكّد مدير عام الدراسات العليا في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فائد سلام، بصنعاء، أنّ الجامعة حولت المراكز البحثية إلى مراكز علمية، حيث فتحت فيها برامج ماجستير ودكتوراة، دون علم أو موافقة من وزارة التعليم العالي، ودون اعتمادها من المجلس الأكاديمي الأعلى، باستثناء مركزَي (إدارة الأعمال، والهجرة واللجوء).
الجدير بالذكر أنّ مخرجات برامج الدراسات العليا في الجامعات اليمنية العامة والخاصة، بلغ 22 ألف خريج من حاملي شهادات الماجستير والدكتوراة منذ العام 2018 وحتى نهاية 2022، إلا أنّ هذه الإحصائيات غير متوفرة منذ بداية فتح برامج الدراسات العليا، بحسب مدير عام الدراسات العليا في وزارة التعليم العالي بصنعاء، في حديثه لـ"خيوط".
أي إنّ أعداد خريجي الدراسات العليا في الجامعات اليمنية خلال الخمسة الأعوام الأخيرة فقط، تجاوز عددُهم عددَ الموظفين المعتمدين في السلك الأكاديمي البالغ (13766)، حسب كشوفات الخدمة المدنية لعام 2014، الأمر الذي يُظهر ارتفاع نسبة بطالة خريجي الدراسات العليا بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
استثمار جشع
من ناحيته، يؤكد الدكتور ناصر الدحياني، رئيس دائرة العلوم الإدارية في كلية التربية بجامعة صنعاء، في حديث لـ"خيوط"، أنّ الجانب الربحي طغى على ما سواه من أهداف، وقال: "فُتحت أغلب مراكز الدراسات العليا لهدف واحد فقط؛ وهو الحصول على أرباح مادية، دون الأخذ في الاعتبار جوانب التحصيل العلمي والمعرفي، وفي ظل هذا الوضع الرديء للغاية أرى ألّا يتم قبول هؤلاء للالتحاق بالتدريس في الجامعات، سواء الحكومية أو الخاصة لعدم مطابقة مؤهلاتهم للشروط العلمية، غير أنّ السؤال الأهم هو: أين تذهب كل هذه الأموال؟".
خلال السنة الدراسية 2022/2023، بلغ عدد المقيدين في برامج الدراسات العليا في الجامعات الحكومية 3270 طالبًا، بينما بلغ عدد الخريجين في العام ذاته (575)، أما الجامعات الخاصة فقد بلغ عدد المقيدين (1191)، بينما بلغ عدد الخريجين (580)، حسب إحصائية رسمية -حصلت "خيوط" على نسخة منها- بعدد الطلاب المقيدين والخريجين للعام الدراسي 2022/2023.
تختلف رسوم برامج الدراسات العليا في جامعة صنعاء من برنامج لآخر، حيث تتراوح الرسوم ما بين ألفين إلى سبعة آلاف دولار في مراكز الدراسات العليا، لكن الأهم أنه لا توجد رسوم موحدة في كافة الجامعات اليمنية.
رسوم باهظة
يؤكد حسن مهيوب، أحد موظفي نيابة الدراسات العليا، في حديث لـ"خيوط"، أنّ هناك مبالغ ضخمة تتقاضاها الجهات المعنية نظير فتح برامج الدراسات العليا، حيث يقول مهيوب: "تختلف رسوم برامج الدراسات العليا في جامعة صنعاء من برنامج لآخر، حيث تتراوح الرسوم ما بين ألفين إلى سبعة آلاف دولار في مراكز الدراسات العليا، لكن الأهم أنه لا توجد رسوم موحدة لكل الجامعات اليمنية، ما يدفع بكل جامعة إلى تحديد الرسوم كما تريد".
الجدير بالذكر أن أغلب الكليات والجامعات في اليمن، تلجأ إلى استغلال المعيدين؛ نظرًا لرواتبهم المنخفضة مقارنة برواتب الأساتذة من حملة الشهادات العليا، في مقابل استغلال القطاع الخاص لحملة الشهادات العليا مقابل الأجر بنظام الساعة، وهو أسلوب متبع لدى أغلب الجامعات الخاصة، بالرغم مما يحتويه من جشع وعدم تقدير، ما ينعكس على زيادة البطالة في أوساط حملة الماجستير والدكتوراة وما فوق، بحسب الدحياني، مضيفًا: "لجوء الجامعات لاستقطاب أصحاب مؤهلات البكالوريوس لتوفير المال، أتى على حساب جودة التعليم وثقة الناس بمخرجاته".
أسباب إضافية للبطالة
إلى جانب ذلك، فإن انتشار الوساطة والمحسوبية في التعيينات والتوظيف، في مقابل عجز الجامعات عن رفد السوق المحلية بالتخصصات المطلوبة، نتيجة اتساع الفجوة بين مساقات برامج الدراسات العليا وبين متطلبات سوق العمل- من الأسباب الرئيسية التي تؤثر بشكل مباشر في زيادة نسبة البطالة لدى خريجي الدراسات العليا، بحسب الباحثة التربوية في مركز التطوير والبحوث في جامعة صنعاء، الدكتورة سامية الأهدل، التي تحدثت لـ"خيوط"، قائلة: "انتشار المحسوبية وتفشي الفساد سببان رئيسيان لبطالة حملة المؤهلات العليا".
وأضافت الأهدل: "يجب إغلاق بعض مراكز الدراسات العليا وخاصة في المجال التربوي، والمناهج، والإدارة التربوية، والمجالات الإسلامية، والإنسانية بشكل عام؛ لأن هذه المراكز تخرج عشرات الخريجين من حملة الشهادات العليا إلى رصيف البطالة، نتيجة تشبع سوق العمل بمثل هذه التخصصات"، وتابعت الأهدل: "في الوقت الراهن، يجب التركيز على دراسات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والبرمجة، والأمن السيبراني، وغيرها من التخصصات المطلوبة في سوق العمل".
وتنهي الأهدل حديثها لـ"خيوط"، بالقول: "على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، السعي إلى تطبيق معايير الاعتماد الأكاديمي في كل الجامعات الحكومية، والجامعات الخاصة، وكليات المجتمع؛ لأنّ هناك الكثير من مراكز الدراسات العليا لا تخضع لمعايير البحث العلمي".
بديل الأسدي، أحد الحاصلين على مؤهل الماجستير، أكد في حديث لـ"خيوط"، ما ذكرته الأهدل، وأضاف: "لا أعلم لماذا يتم تجاهل مؤهلاتنا في مقابل تمكين بعض الحاصلين على شهادة الثانوية أو البكالوريوس بتقدير مقبول، لمناصب قيادية في المؤسسات والهيئات الحكومية والأهلية".