مخطوطات الهتاري في ريمة

تراث ثقافي زاخر في طريقه إلى الاندثار
فايز الضبيبي
July 19, 2022

مخطوطات الهتاري في ريمة

تراث ثقافي زاخر في طريقه إلى الاندثار
فايز الضبيبي
July 19, 2022

اشتهرت في ريمة على مدى عقود سابقة، عدد من الأسر في المخطوطات والكتب، من أهمها أسرة "الهتاري" في بني الضبيبي التابعة لمديرية الجبين بمحافظة ريمة (شمال غربي اليمن)، التي اشتهرت بكتابة المصاحف وزخرفة المساجد، إضافة إلى أسرة البزاز وبيت القليصي في مديرية الجعفرية، والذين تركوا وراءهم إرثًا كبيرًا من المخطوطات المتنوعة.

في ريمة تمتلئ المساجد بالزخرفات والمخطوطات المجلدة والمصاحف التي كان لأسرة "الهتار"، بصمتهم المميزة فيها، إذ تظهر بخطوط وألوان وزخارف وحواشي غاية في الجمال والفن، فضلًا عن التجليد المتقن والمعمر.

كما برعوا أيضًا في كتابة المخطوطات في مختلف العلوم والمعارف، وكان لهم فرع من أسرتهم في عدن اشتُهروا بتجارة المخطوطات.

ذكرهم المستشرقون، وكان منهم علماء وأئمة مساجد وشعراء اشتهروا في فترات زمنية مختلفة، ويذكر الباحث والصحافي علي الضبيبي لـ"خيوط"، ما قاله المؤرخ حيدر علي ناجي: "كان الشيخ ياسين بالقاسم الهتاري، المولود في قرية بني هتار في بني الضبيبي، خلال النصف الأخير من القرن الثالث عشر الهجري- أبرزَ الكتاب الذين اشتهروا في ريمة بكتابة وزخرفة المخطوطات، ومنها المصاحف القرآنية التي انتشرت في أرجاء عزل ومديريات ريمة وخارجها".

في ذات السياق، قال أحمد الجباري، كاتب ومؤرخ في ريمة لـ"خيوط"، أن الهتاري كان قد نقش وزين منزل جده القاضي أحمد بن أحمد الجباري، بقرية الأكمة في بني الضبيبي، برسوم وكتابات جميلة وأنيقة جدًّا، ما تزال قائمة في المنزل، كما كان الشيخ قد كتب لجده القاضي أحمد الجباري نسخة من المصحف، ما يزالون يحتفظون بها إلى اليوم.

ويعتبر هذا المصحف من أجمل النسخ الذي كتبها الهتاري، حيث يتكون من 15 مجلدًا من القطع الكامل، ويتضمن على تفسير الجلالين، كما أنه تم إلحاقها بكتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن للسيوطي، وأدعية مأثورة طويلة، وقصائد شعرية خاصة بصاحب المقدمة القاضي أحمد بن أحمد الجباري، بخطوط متنوعة وألوان متعددة أنيقة وجميلة، وفق أحمد الجباري.

ويصف الجباري الشيخ ياسين الهتاري، بأنه خطاط وفنان فسيفسائي من الطراز الأول، وصاحب موهبة فريدة في المزج بين الألوان وتشكيل نماذج بديعة من النقوش، متقن في كتاباته للآيات والسور التي كان يكتبها، فعادة ما كان يستهل بداية كل سورة من القرآن الكريم بتشكيلة بديعة تختلف عن الأخرى.

جهود مجهولة

تخشى أسرة الشيخ ياسين الهتاري من ضياع واندثار الأعمال الفنية التي خلفها، والتي تمثل إرثًا ثقافيًّا زاخرًا ليس للمنطقة فحسب، بل لليمن بشكل عام، حيث لا توجد لديهم وثائق تحدد عدد المخطوطات التي كتبها وأماكن توزيعها، في ظل غياب دور الجهات المعنية بالمحافظة في توثيق التراث والحفاظ عليه.

لم تتوقف أعمال الشيخ ياسين الهتاري عند كتابة المصاحف والمخطوطات، بل توسعت إلى كتابة الوثائق والنقوش على أسقف المساجد والأبنية القديمة، حيث وجدت "خيوط" أثناء نزولها الميداني نقوشًا وخطوطًا ورسومًا جميلة وأنيقة، زينت بها أسقف عدد من المباني المختلفة في ريمة.

 من جهته يقول جمال الحيدري، مدير مكتب الآثار في ريمة، لـ"خيوط" إنه لا يوجد لديهم أي معلومات أو إحصائية عن المصاحف اليدوية أو المخطوطات القديمة الموجودة في ريمة، سواء التي كتبها الهتاري أو غيره.

بدوره، يدعو مدير مكتب الآثار والمخطوطات في المحافظة، حسن القليصي، في حديث لـ"خيوط"، المنظمات المختصة والمهتمين ومن يمتلكون المخطوطات القديمة بريمة، إلى التعاون معهم لإبراز التراث الهامّ الذي تزخر به المحافظة، ومساعدتهم في توثيق تلك المخطوطات والمحافظة عليها من الاندثار والضياع.

ثراء وأعمال فنية زاخرة

يتحدث الكثير ممن التقت بهم "خيوط"، من أقارب الشيخ ياسين الهتاري والمهتمين بتراثه في ريمة، على رأسهم عبدالرحمن ياسين الهتاري، أنّ الشيخ الهتاري كتب ما يقارب 360 نسخة من القرآن، توزعت تلك النسخ في مناطق متفرقة من ريمة وخارجها، ولا يزال الكثير منها موجودًا إلى اليوم، ومحفوظًا لدى أسر معينة ومساجد معلومة في ريمة.

وتمكّنت "خيوط"، من الوصول إلى ما يقارب 30 نسخة، من المصاحف القديمة المكتوبة بخط الشيخ الهتاري، كما اكتشفت مخطوطات وأعمالًا فنية أخرى له، موجودة داخل ريمة وخارجها.

يؤكد الباحث والصحفي علي الضبيبي، أنّ ذلك الثراء الكبير يتركز في أعمال الشيخ الهتاري خلال الفترة الزمنية التي عاش فيها نهاية حكم الأتراك في اليمن، حيث كانت محافظة ريمة حينها من أغنى المناطق في اليمن، التي سعى الأتراك للاستيلاء عليها، هذا الثراء انعكس على واقع الحال وما نرى أثره اليوم من خلال هذه المخطوطات والمصاحف والقلاع ودور الشخصيات الاجتماعية الثرية بين الناس.

لم تنحصر أعمال ياسين الهتاري داخل ريمة فقط، كما يؤكد محمد علي الهتاري، وهو من الشخصيات الاجتماعية في محافظة ريمة، في حديثه لـ"خيوط"، بل انتشرت إلى خارجها، إذ حصل الشيخ عبدالمجيد الريمي (الهتاري)، وهو من أسرة ياسين الهتاري، أثناء تنقله في المحافظات اليمنية، على نسخة من القرآن بخط ياسين الهتاري في منطقة غثيمة بمحافظة عمران (شمال صنعاء)، كما حصل على نسخة أخرى في مدينة المنصورية التابعة لمحافظة الحديدة (شمال غربي اليمن).

خلوة ياسين

عاش الشيخ ياسين الهتاري متنقلًا بين المناطق اليمنية المختلفة، ينسخ القرآن ويكتب الوثائق والمخطوطات وينقش المساجد والمنازل، حيث لا تزال هناك غرفة خاصة تحمل اسمه إلى اليوم، في إحدى "الدُّور" (القصور) بمديرية الجعفرية في ريمة، تسمى "خلوة ياسين".

بحسب عبدالباري القليصي، وهو من سكان الجعفرية بريمة وأحد المهتمين بالتراث، فإنه عندما انتهى أولاد الشيخ يحيى محمد النهاري، من بناء دار الحيم في أعالي منطقة بني سعيد بمديرية الجعفرية، سنة 1314هجرية، استقدموا الخطاط ياسين بلقاسم الهتاري، وخصصوا له غرفة خاصة في الدور الخامس من الدار، وعكف فيها على كتابة نسختين من القرآن، ونسختين من كتب دينية وتاريخية أخرى.

وتتكون كل نسخة من تلك المصاحف من 30 مجلدًا، فيما كتب كل نسخة من الكتب الأخرى في ستة مجلدات كبيرة، ولا تزال تلك النسخ محفوظة إلى اليوم، كما اطلعت "خيوط" على ذلك، وحصلت على صور من تلك النسخ.

زخرفة المساجد وتزيينها

لم تتوقف أعمال الشيخ ياسين الهتاري عند كتابة المصاحف والمخطوطات، بل توسعت إلى كتابة الوثائق والنقوش على أسقف المساجد والأبنية القديمة، حيث وجدت "خيوط" أثناء نزولها الميداني نقوشًا وخطوطًا ورسومًا جميلة وأنيقة، زينت بها أسقف عددٍ من المباني القديمة في ريمة.

منها أسقف مبنى الجامع الكبير بمنطقة "الجبين"، الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع عشر ميلادي، والذي توجد به مكتبة تتضمن عددًا من المخطوطات، منها نسخة من القرآن مكتوبة بخط الشيخ الهتاري.

ويذكر المؤرخ حيدر علي ناجي في مذكراته، أن بعثة أثرية برئاسة أحمد لطف العطاب زارت جامع الأعور، في منتصف الثمانينيات، كان برفقتها آنذاك، نشرت تقريرها في مجلة الإكليل، خريف 1987، قالت فيه: "المسجد عبارة عن شكل مربع، وإن أهم ما يلفت النظر هو سقفه الخشبي المليء بالزخارف النباتية الجميلة المطعمة بماء الذهب، وبعض الألوان الأخرى الزاهية ويحمل السقف خمسة صفوف بأشكال مختلفة".

ويوحي ذلك بالبراعة الفنية والدقة في عملية النحت على الخشب، كما أنّ هناك تشكيلات نباتية بداخل كل صندقة تشبه النجمة أو الزهرة، منها الرباعية ومنها السداسية ومنها الثمانية الشكل.

•••
فايز الضبيبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English